العدد 464 - السبت 13 ديسمبر 2003م الموافق 18 شوال 1424هـ

عنان يزور دولة معادية لكنها ثالث أكبر مانح لخزينة الأمم المتحدة

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

لو أخذ الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان، وثيقة الأمم المتحدة للعام 1945 على مبدأ الجد، فإنه بزيارته ألمانيا التي بدأت يوم الخميس الماضي، يزور دولة معادية. إذ مازالت ألمانيا وفقا للفقرة رقم 53 والفقرة 107 من القانون الأساسي للهيئة الدولية، دولة معادية. وتوضح زيارة عنان لألمانيا - التي وصفها بعض المراقبين بأنها عبارة عن زيارة لالتقاط النفس بعد عام يعتبر من أصعب الأعوام التي مرت على عنان منذ تسلمه منصبه في 1999 حين تعرض لوابل من الاتهامات بأنه موال للولايات المتحدة - مدى التغيير الذي حصل في العالم. فالجمهورية الألمانية التي مازالت مدرجة في القانون الأساسي انها دولة معادية هي اليوم عضو نموذجي بارز في نادي دول العالم بالإضافة إلى أنها ثالث أكبر دولة ممولة لخزينة الأمم المتحدة كما يعمل تسعة آلاف جندي ألماني في مهمات حفظ السلام تحت راية الهيئة الدولية من البوسنة إلى أفغانستان.

هذا ما سبق وأكده عنان في زيارته لها في العام 2002. وتدل الحوادث والتجارب التي مرت على عنان والمنظمة الدولية التي يرأسها ومازال له عامان حتى تنتهي ولايته الثانية في منصبه، أن غالبية المشكلات التي تعرضت لها الأمم المتحدة خلال السنة الجارية، تسببت فيها الولايات المتحدة، في الوقت نفسه ظهرت الأمم المتحدة منظمة ممزقة، لا تملك الوسيلة أو القدرة على فرض قراراتها. وهذا واضح بصورة لا تخلو من الجدل من خلال النزاع العربي - الإسرائيلي إذ ترفض «إسرائيل» تنفيذ قرارات الهيئة الدولية بالجلاء عن المناطق التي احتلتها بعد حرب 67 بل تستهزئ الدولة العبرية بالأمم المتحدة وتتهمها بالتحيز للصف العربي.

الدولة الألمانية المعادية تلعب منذ مطلع العام الجاري دورا بارزا في صنع القرارات السياسية التي تؤثر على مجريات الأمور في العالم. وكانت إلى جانب سورية، تجلس ألمانيا على مقعد مؤقت لمدة عامين في مجلس الأمن الدولي (نادي الكبار) وخلال أزمة العراق برزت المسئولية الملقاة على الدولتين خصوصا حين سعت إدارة الرئيس الأميركي إلى فرض نفوذها على أعضاء مجلس الأمن الدولي واستخدمت لغتي التهديد والترغيب لهدف كسب تأييد الغالبية للحصول على شرعية دولية لغزو العراق. وفشلت الإدارة الأميركية بهذا الهدف لعدم تمكنها تقديم أدلة مقنعة تبرر الحرب. لكن واشنطن صرفت النظر عن القانون الدولي وخالفت أسس ومبادئ الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الشعوب ونفذت غزوها على رأس تحالف يمارس اليوم سياسة الاحتلال في العراق. وكانت حرب العراق ضربة مؤلمة للأمم المتحدة وهزيمة قاسية لها وشجعت على نشوء مناقشات تدعو إلى التعجيل بإصلاح مؤسسات الهيئة الدولية وخصوصا مجلس الأمن الدولي بتوسيع العضوية وتعميم حق الفيتو على الدول الأعضاء أو إلغائه واعتماد نهج التصويت والأخذ بقرار يؤيده غالبية الأعضاء. وتعتمد الإصلاحات إلى حد كبير على موقف الولايات المتحدة من التغييرات التي تلح عليها غالبية دول العالم ولاسيما الدول العربية التي تعتبر استخدام حق الفيتو من قبل الولايات المتحدة كلما سعى المجتمع الدولي لادانة جرائم «إسرائيل» أو الضغط عليها، وسيلة تزيد الظلم الذي يلحق بالفلسطينيين وتشجع «إسرائيل» على مواصلة عربدتها.

إلى جانب مصر، الدولة العربية المرشحة للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي وفقا لما تدعو إليه الإصلاحات، فإن فرصة ألمانيا أيضا، ضعفت بالفوز بهذا المقعد بصورة دائمة لأنها ناهضت الحرب على العراق ورفضت المشاركة بالحرب المخالفة للقوانين والأعراف الدولية. ولكن ألمانيا حصلت على سمعة جيدة في العالم وخصوصا في البلدان العربية والإسلامية من خلال موقفها المعارض للحرب. ولكن حال ألمانيا ومصر وسورية اليوم لا يختلف كثيرا عن حال الأمم المتحدة من جهة الشعور بالاحباط بعد حرب العراق كل ما نشأ حتى اليوم نتيجة لها. أوروبا منقسمة على نفسها والعالم أيضا والأمم المتحدة تحاول استعادة أنفاسها. ويقول محرر الشئون الدولية في صحيفة «زود دويتشه» شتيفان أولريش الصادرة في ميونيخ إن زيارة عنان لألمانيا تأتي في ختام عام أسود مرت به الهيئة الدولية وتعرضت فيه إلى هزات قاسية تتمثل بانقسام مجلس الأمن الدولي بشأن الأزمة العراقية ثم وقوع حرب العراق بصورة مخالفة للقوانين الدولية وأخيرا الاعتداء الذي دمر مقر الأمم المتحدة في بغداد وأدى إلى انسحاب منظمات تابعة لها من العراق خوفا من اعتداءات جديدة. في نهاية العام يعلم عنان البالغ 65 عاما من العمر أنه يتمتع باحترام وتقدير الألمان الذين يجلسون معه في قارب واحد ويعرفون الموقف الصعب الذي تمر به الهيئة الدولية وخصوصا في مرحلة ما بعد حرب العراق. فالمنظمة الدولية التي تنادي دول العالم بتحميلها مسئولية إدارة زمام الأمور في العراق بدلا من الاحتلال، ترى نفسها عاجزة عن مقابلة هذه المسئولية. ويقول أحد المقربين من عنان إن الأمين العام مازال يشعر بالألم الذي نتج بعد الاعتداء على مقر منظمته في بغداد واسفر عن مقتل أحد أبرز مساعديه. وقال عنان في رسالة مسجلة على الفيديو وجهها إلى موظفي الأمم المتحدة في أنحاء العالم: إن الألم الذي نشعر به من الصعب أن يتحمله إنسان عادي. لم يجرؤ ولا أحد في الأمم المتحدة على القول إن الهزة التي ألمت بالمنظمة الدولية في بغداد سببها غزو العراق واعتقاد البعض في جبهة المقاومة العراقية أن الأمم المتحدة منحازة لقوى الاحتلال. لكن عنان ليس منحازا لا للولايات المتحدة ولا لدولة أخرى في العالم كما دلت التجارب. أنه ساحر لا يستخدم الحيل في عمله وإنما كما يقول المستشار الألماني السابق هيلموت كول: إنسان هادئ الطباع يأسر محدثه بطريقته الهادئة والمقنعة. واكتسب عنان احتراما عالميا بسبب تحديه مبدأ الرئيس الأميركي بوش الداعي للقيام بحروب وقائية. واستغل عنان الذي ينحدر من غانا، الكلمة التي افتتح بها في سبتمبر/أيلول الماضي اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة كي يطالب بوش بعدم إساءة استخدام الظروف التي تنشأ بسبب اعتداءات إرهابية خدمة لمصالح القوة العظمى. ويجد عنان أن حرب العراق والمرحلة المكملة لها أبرز دافع اليوم للقيام بإصلاح مؤسسات الهيئة الدولية. ودعا في سبتمبر الماضي قادة وزعماء العالم الذين تجمعوا في نيويورك إلى تأييد عمليات الإصلاح. ويتحدث دبلوماسيون في نيويورك عن زوال الود بين بوش وعنان منذ أن فشلت واشنطن بالحصول على تأييد مجلس الأمن الدولي لتأييد غزوها العراق وكانت تأمل بالحصول على دعم عنان لها لكن هذا لم يحصل وإنما حصل ما يكشف عن رفض الأمين العام هذه الحرب. وترتب على عنان، الذي درس في الولايات المتحدة أن يعمل في حصر الخسائر حفاظا على سمعة الهيئة الدولية. وبادر بعد الحرب إلى تشكيل لجنة اتصالات مع العراق لا تضم فقط ممثلين عن دول ذات عضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي وإنما أيضا ممثلين عن دول مجاورة للعراق. كما شكل لجنة من الخبراء الدوليين لحصر الأخطار التي تواجه العالم في المرحلة الحالية ووضع مقترحات بشأن سبل مواجهتها.

وتراقب واشنطن نشاطات عنان بما يتعلق بالعراق، من دون خاطر لها بأن يذهب بعيدا في نشاطه لأن هذا لا يتفق مع مصالحها الاستراتيجية في العراق. ولم يمنع هذا عنان من أن ينبه الولايات المتحدة خلال الأسبوع الماضي من تجاهل مسئولياتها تجاه المجتمع الدولي بتركيزها على الحرب التي تقول انها تخوضها ضد الإرهاب في الوقت نفسه دعا الرئيس الأميركي إلى احترام القوانين والمعاهدات الدولية، وذلك بعد ورود انباء من أفغانستان عن مصرع أطفال بعد غارات شنتها طائرات أميركية على مواقع يشك بأنها عسكرية.

ويقول المراقبون أن السياسة التي يتبعها بوش في ما يسمى الحرب المناهضة للإرهاب تجبر الأمين العام للأمم المتحدة على توجيه عبارات صريحة وقاسية للإدارة الأميركية ويساعده في ذلك أن ولايته الثانية تنتهي في العام 2006 وعزمه بأن يرتبط اسمه بعملية إصلاح الأمم المتحدة ويعرف أن هذا يكسبه أصدقاء وخصوما في وقت واحد. وقال عنان مرة عن عمله: إنه أصعب عمل في العالم، ولكن ينبغي أن يقوم به أحد الأشخاص

العدد 464 - السبت 13 ديسمبر 2003م الموافق 18 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً