عاش صدام حسين طفولة بؤس وشقاء وحرمان، ومسقط رأس الرجل الذي سيصبح واحدا من أقوى الزعماء العرب في العصر الحديث هو قرية العوجة الفقيرة الواقعة على ضفاف نهر دجلة والقريبة من مدينة تكريت، ينتمي لأسرة فقيرة، وقد تيتم في سن مبكرة وارسل ليعيش مع اقاربه الذين تكفلوا بتنشئته وتعليمه، وليس من المطلوب ان يكون المرء على معرفة متعمقة بعلم الفلسفة حتى يقدر تأثير هذه الظروف على تطور الطفل، ومثل هتلر وستالين، هذين المستبدين الطاغيين، فان صدام تغلب على مآسي طفولته ليصبح زعيم العراق الذي لا ينازع، كان الخجل من اصوله المتواضعة هو القوة الدافعة لطموحه، كما أن احساسه بعدم الامان الذي تولد لديه نتيجة طفولته غير المستقرة جعلته في وقت لاحق من حياته لا يثق بأحد، حتى أقرب الناس إليه، واذا ما اخذنا الاعتبار هذه الظروف البائسة، فان صدام يستحق الثناء لتغلبه على هذه العوامل والعوائق الاجتماعية القاهرة الى ان وصل الى قمة الهرم السياسي في العراق.
وقد جاء ذكر هذه المعلومات في كتاب الحياة السرية الصادر عن دار «ماكميلان» للنشر الذي يكشف المؤلف كون كوكلان الحياة السرية لهذا الدكتاتور الذي شغل العالم في العقود الثلاثة الماضية.
كانت العوجة التي تبعد ثمانية كيلومترات جنوب تكريت في شمال وسط العراق عبارة عن بيوت واكواخ من الطمي يسكنها اناس يعيشون في فقر مدقع، المياه الجارية، الكهرباء والطرق الممهدة لم تكن معروفة، وعلى رغم انه كان هناك عدد من ملاك الاراضي في المنطقة، فإن القرية نفسها كانت جرداء، ونسبة الوفيات بين الأطفال كانت مرتفعة، والبقاء على قيد الحياة كان الشغل الشاغل للكثيرين، وكان ملاك الاراضي في الهلال الخصيب التي تنتج الرز، القمح، الخضراوات، التمور والعنب، يعيشون في تكريت المجاورة أو في بغداد، وكانوا يحظون بمكانة مميزة في المجتمع العراقي، وكان سكان العوجة الفقراء يعملون في فلاحة هذه الاراضي أو كخدم في تكريت، ولما لم تكن هناك مدارس في العوجة، فان الآباء القادرين كانوا يرسلون ابناءهم للدراسة في تكريت.
سكان العوجة
وعلى رغم أن معظم السكان كانوا يعملون في الاراضي، فان البعض كان يمارس انشطة محظورة مثل السرقة، القرصنة والتهريب، وكانت العوجة تشتهر بانها ملاذ لقطاع الطرق واللصوص الذين كانوا يكسبون رزقهم بالسطو على الدوبا القوارب الصغيرة التي كانت تنقل البضائع بين الموصل وبغداد. رسميا ولد صدام يوم 28 ابريل/نيسان سنة 1937، وحتى يضفي على هذا التاريخ صدقية، فقد جعله سنة 1980 عطلة رسمية، وهناك من يقول إنه ولد قبل ذلك بسنتين، بينما يدعي آخرون بانه من مواليد سنة 1939، وهذا يوضح ان عملية تسجيل المواليد والزواج والوفيات كانت بدائية جدا، وفي الواقع فان صدام حصل على تاريخ رسمي لمولده من صديقه وشريكه فيما بعد عبدالكريم الشيخلي الذي ينتمي الى عائلة ميسورة من بغداد، ولهذا السبب كانت لديه شهادة ميلاد رسمية، وكان صدام يغار من عبدالكريم لانه كان يعرف يوم ميلاده، ومن المقبول عموما ان صدام غير سنة مولده حتى يصور نفسه بانه أكبر من عمره اثناء صعوده في حزب البعث، وهذا يتضح من زواجه بزوجته الأولى ساجدة، وهي من مواليد العام 1937. وعلى رغم ان تاريخ ميلاده محل خلاف، فان المكان ثابت ومؤكد، ولد صدام في بيت يملكه خاله خير الله طلفاح، الذي كان نازي الهوى وسجن لمدة خمس سنوات بسبب تأييده للثورة ضد البريطانيين اثناء الحرب العالمية الثانية، وينتمي الى عشيرة بيجات السنية احد فخوذ قبيلة أبوالنصر التي كانت مهيمنة في منطقة تكريت، وقد لعبت الولاءات القبلية دورا مهما في صعود صدام للسلطة، وبحلول الثمانينات كان هناك ستة اعضاء على الأقل في القبيلة، بمن فيهم الرئيس صدام، الذين شغلوا مناصب حكومية مهمة، وفي الثلاثينات فان القبيلة كانت معروفة بفقرها وبميلها الى العنف، وكان زعماؤها يفاخرون بتصفية اعدائهم لأتفه الاسباب، وعلى رغم ان صدام اقام نصبا لوالدته صبحة التي توفيت العام 1982، فانه لم يفعل ذلك بالنسبة لوالده، كما أنه ليس هناك أي سجل لوفاته ولا المكان الذي دفن فيه، ونتيجة لذلك فان كل الروايات تجمع على ان والده حسين المجيد، اما انه قد ترك منزل الأسرة قبل ولادة الطفل أو بعد ذلك بقليل.
من هي سهام؟
وعلى رغم ان حياة وممات والده يكتنفها الغموض، فإن له شقيقة تدعى سهام التي تكبره بسنة أو سنتين والتي كانت تبتعد عن الاضواء رغم مكانة اخيها، تزوجت من احد القضاة ورزقت بطفلين، والمرة الوحيدة التي برز اسم عائلتها الى العلن في العراق، كان ابان الحرب العراقية الايرانية، عندما رفض زوجها دعوة صدام للعراقيين بالتطوع في الخدمة العسكرية، وضعت الأسرة قيد الاقامة الجبرية وتم عزل زوج سهام، لكن بعد اشهر عفا صدام عنهم واعاد زوجها الى عمله، وحقيقة ان سهام شقيقة صدام، وعلى عكس كل اقاربه المقربين، لم تحظ ابدا بمكانة مرموقة في العراق، فان ذلك يثير اسئلة عن ما اذا كانت سهام تمت بصلة مباشرة الى صدام.
أما بالنسبة لمصير والده، فان أكثر ما يمكن ان يقال، اما انه قد توفي بعد فترة قصيرة من ولادة سهام، أو انه ترك منزل العائلة، ويقول بعض إن حسين المجيد هجر صبحة الى امرأة اخرى، وعاش معها لسنوات عدة بعد ولادة صدام، رغم ان العلاقة بين الجانبين من العائلة كانت مسمومة.
والدته مستبصرة
وعلى رغم انه من الصعب تقديم سيرة دقيقة لطفولة صدام المبكرة، فانه يمكن تجميع بعض الخيوط بعد هجر حسين المجيد لمنزل الاسرة، كانت صبحة والدة صدام تعاني من العدم، كان عملها الوحيد قراءة الطالع مستبصرة، وقال سكان في تكريت، انهم يتذكرونها بملابس سوداء على الدوام وجيوبها مليئة بالاصداف التي كانت تستخدمها في مهنتها، وتحدثت بعض الروايات عن انها كانت تتلقى بعض الدعم المادي من شقيقها خير الله الذي كان يسكن في تكريت، بينما تكفل الأخير بتنشئة صدام، وتعود شهرة تكريت تاريخيا الى انها كانت مسقط رأس صلاح الدين القائد الاسلامي الشهير الذي هزم الصليبيين الغزاة في فلسطين، في سنة 1394 زارها تيمورلنك سليل جنكيزخان، والذي توقف فيها لبناء هرم من جماجم ضحاياه المهزومين.
وخير الله طلفاح الذي كان يعمل ضابطا في الجيش في تكريت من القوميين العرب المتحمسين، وسيصبح له نفوذ كبير على تشكل صدام الصغير، وفي الادلة على الرابطة القوية التي تطورت بين الخال وابن اخته هي انه بعد ان اصبح رئيسا، كافأ صدام خاله بتعيينه رئيس بلدية صدام، وعندما أدى حماس خير الله للنازيين الى طرده من الجيش العام 1941، افتقده صدام كثيرا، قال صدام لفؤاد مطر احد كتاب سير حياته الرسميين، كان خالي قوميا، ضابطا في الجيش العراقي، امضى خمس سنوات في السجن، وكان دائما يبث فينا الروح الوطنية والقومية، وعندما كنت اسأل عنه، كانت أمي تقول انه في السجن، وقد زرع خير الله في الصبي الكراهية للعائلة الملكية التي كانت تحكم العراق في ذلك الحين، ومن يدعمهم من الاجانب، والبريطانيين قبلهم على سبيل المثال، وقد كان هذا الشعور عميقا لدى صدام الذي كتب قائلا بعد أن أصبح رئيسا يجب تعليم اطفالنا الحذر من كل ما هو اجنبي، وعدم البوح بأي سر من اسرار الدولة والحزب للأجانب لان الاجانب هم عيون بلادهم.
كان سجن خير الله يعني عودة صدام للعيش مع والدته التي كانت قد تزوجت لدى عودة ابنها الى العوجة من قريب لها يدعى حسن الابراهيم، الذي كان فقيرا ويعمل بوابا بمدرسة في تكريت ، وكان يعتدي بالضرب على صدام، إذ انه كان يجبره على الرقص في الوحل للنجاة من الضرب بالعصا، كان البيت المبني من الطين صغيرا، وحتى صدام نفسه يعترف بحياة الحرمان والشقاء اثناء طفولته، فقد اسر لأمير اسكندر احد كتاب سير حياته، انه لم يعش حياة الصغر، وكان طفلا حزينا يتجنب صحبة الآخرين، وهناك فقرة تثير الشفقة في قوله ان مولده لم يكن مناسبة سعيدة، ولم تكن هناك زهور الى جانب مهده.
حسن الكذاب
وإلى جانب هذه الظروف القاسية، فقد كان على صدام ان يتحمل الحياة الكئيبة مع زوج امه الفاسد الذي كان يعرف في القرية بـ حسن الكذاب، لانه ادعى بانه قد أدى مناسك الحج، مع انه في الحقيقة لم يقترب من حدود السعودية قط، وقد حرم صدام من الذهاب الى المدرسة، وكان يكلف بالقيام بالأعمال المنزلية الوضيعة، كما كان يجبر على سرقة البيض والدجاج من منازل الجيران، وقد يكون قد أمضى مدة من الزمن في سجن للأحداث نتيجة لافعاله تلك، ويقول وزير عراقي سابق ان والدته صبحة كان لها دور أيضا بتشجيعه على القيام بتلك السرقات، وكان يتم توزيع الغنائم في الليلة نفسها.
وان كانت الحياة صعبة في المنزل، فانها لم تكن أحسن حالا عندما كان يتمكن صدام من الافلات من زوج امه ويخرج الى الشارع، وكان شائعا في القرية أن الصبي قتيم، الأمر الذي لم يفعل حسين شيئا لدحضه، ونتيجة لذلك فان الصبية كانوا يضايقون صدام ويتحرشون به أحيانا، حتى انه كان يضطر للتسلح بقضيب من الحديد عندما يخرج الى الشارع للدفاع عن نفسه ان دعت الضرورة، وتحدثت روايات عن أن صدام كان يضع القضيب في النار ويبقر بطون الحيوانات به من أجل التسلية ليس الا، وكان صدام يعاني من الوحدة، وكان المخلوق الوحيد الذي يهتم به هو حصانه الذي حزن كثيرا على وفاته، حتى أنه قال إن يده شلت طيلة أسبوع بسبب ذلك.
ومن الممكن سبر وفهم وجهة نظر صدام عند طفولته من خلال سير حياته الرسمية، لم يذكر زوج والدته الا لماما وبسوء، كان يوقظه في الفجر ويشتمه من أجل رعي الغنم، وهو يعترف بأنه عاش في منزل متواضع، وفي السبعينات وعندما كان صدام يسعى لبناء قاعدة نفوذ له في العراق، كان يؤكد على أصوله المتواضعة، والتي كان يأمل من ورائها التقرب وكسب تعاطف المواطنين العاديين، في يونيو/حزيران من العام 1990 وعشية حرب الخليج، كان صريحا اثناء مقابلة مع ديانا سوبر من شبكة «اي بي سي» التلفزيونية عندما قال: ان الحياة كانت صعبة للغاية في العراق، قلة قليلة كانت ترتدي احذية وفي كثير من الحالات، فانهم كانوا يرتدونها في المناسبات الخاصة، وبعض الفلاحين لم يكونوا يلبسون أحذيتهم الا عند حصولهم علـى مقصدهم حتى تبقى نظيفة.
هو وأمه واخوته
ومثل معظم الأبناء فان صدام كان يعبد أمه وهو ما تمثل في البناء الذي اقامه لها في تكريت وان كان ذلك بأموال الدولة، وقد احتفظ صدام بعلاقات جيدة مع اخوته من أمه، وان كانت العلاقات بينهم صعبة أثناء الطفولة، وقد اسند صدام لكل من برزان، وسبعاوي ووطبان مناصب رسمية مهمة بعد أن أصبح رئيسا للعراق، حتى أن برزان اعتبر نفسه لسنوات عدة ولي عهد صدام الذي علمته تنشئته بأن لا يثق بأحد، وأهمية الاعتماد على النفس، وقيمة وأهمية استخدام القوة لاطاحة كل من يقف في وجهه او طريقه، وتعلم انه أيا كانت عدم كفاءة اسرته الوظيفية فان هؤلاء هم الأشخاص الوحيدون الذين يمكن ان يثق بهم ويعتمد عليهم.
واذا كانت تجربة صدام مع زوج أمه قد ساعدته في تشكيل شخصيته، فان الفترة التي أمضاها مع خاله في تكريت وبغداد قد اسهمت دون أدنى شك بوجهات نظره السياسية، وبينما كان خير الله لاعبا صغيرا في النضال الأوسع من قبل الشعب العراقي للحصول على حق تقرير المصير، فان مشاركته الفعالة في التيارات القومية في ذلك الوقت تركت بصمة لا تمحى لدى صدام الصغير، خصوصا ان انشطة خاله قد حرمته من صحبة خير الله خلال خمس سنوات حاسمة من طفولته.
كان ابن الأخت والخال قد تغيرا بقدر كبير بحلول الوقت الذي التأم فيه شمل صدام وخير الله من جديد في تكريت، كان خير الله يشعر بالمرارة والميل الى الانتقام نتيجة للمعاملة التي لقيها على يد البريطانيين، والى جانب حبسه، فانه قد خسر مكانته الاجتماعية بعد طرده كضابط من القوات المسلحة العراقية، بعد اطلاق سراحه عمل ناظرا لمدرسة خاصة، إذ اخذ يثبت وجهات نظره القومية وافكاره المعادية للبريطانيين بين طلاب المدرسة، يقول طالب سابق في المدرسة كان خير الله رجلا في منتهى القسوة نازيا وفاشيا، كل الطلبة كانوا يخافونه سواء بالنسبة لسجله في محاربة البريطانيين او آرائه السياسية.
اثناء غياب خاله القسري كان صدام قد تخرج بجدارة كفتى قوي وصلب من الشوارع، وبسبب والد زوجته كان اميا، وبالنسبة لمعظم الفتية الذين هم في مكانة صدام الاجتماعية فان التعليم لم يكن يشكل اولوية بالنسبة لهم، ولو تكن هناك رغبة لدى صدام في محاكاة خاله وتقليده، لكان قد بقي مثلهم يعتاش على السرقة والبلطجة، كان الانخراط في القوات المسلحة ربما هو الطريق الوحيد المتاح لمثل من هم في مكانة صدام لتحسين مواقعهم الاجتماعية، ليس لانهم كانوا فلاحين فقراء فحسب، بل كونهم من السنة والذين كانوا يعتبرون في العراق الجديد اقلية اذا ما قورنوا بالاكراد والشيعة، كان طموح أي شاب عراقي ميال للخدمة العسكرية الالتحاق باكاديمية بغداد العسكرية التي اسسها البريطانيون لتخريج ضباط جيدي التدريب وموالين.
مولود مخلص
ويعود انضمام شبان تكريت للقوات المسلحة الى مولود مخلص الذي ولد في تكريت وبنى سمعة اثناء الثورة العربية ضد العثمانيين في الحرب العالمية الاولى، وبعد تأسيس العراق اصبح مخلص احد المقربين الموثوقين من الملك فيصل الأول ونائب رئيس مجلس الشيوخ في ظل الملكية، واستخدم نفوذه في تعيين الشبان من تكريت بمراكز رفيعة في القوات المسلحة والشرطة، وهو ما دأب عليه اعوانه فيما بعد، وبذلك وفي اواخر الخمسينات تكونت عصبة قوية في قلب الجيش العراقي والمؤسسة الامنية، وقد تطلع صدام الذي كان يمتلك بنية قوية تؤهله لخوض الحرب للانضمام للاكاديمية، لكن لسوء حظه فانه لم يكن يمتلك أي مؤهلات علمية وشهادته الوحيدة انه خريج العوجة.
وتقترن عودة الشاب الطموح للعيش مع خاله في تكريت بحكايات مفادها ان خير الله الذي كان بمثابة والد صدام بالتبني، قد عرض مساعدة صدام للحصول على تعليم مناسب.
ووفقا لفؤاد مطر كاتب سيرة حياة صدام فان عائلة صدام كانت تريد منه ان يصبح مزارعا، على اساس انه لا فائدة من التعليم، لكن صدام اصبح مهتما بفكرة التحصيل العلمي والذهاب الى المدرسة بعد ان التقى بابن خاله عدنان خير الله، الذي ابلغه كيف انه يتعلم القراءة والكتابة والحساب، وعدنان هو ابن خير الله من زواجه الأول الذي اثمر أيضا عن انجاب ساجدة التي ستصبح الزوجة الاولى لصدام، بعد اطلاق سراحه تزوج خير الله من امرأة اخرى وانتقل عدنان وساجدة اللذان كانا يعيشان مع امهما في منزل والدها في بغداد اثناء سجن والدهما للسكن في تكريت، وقد اصبح عدنان اعز اصدقاء الطفولة لصدام، وتبوأ فيما بعد منصب وزير الدفاع وهو منصب احتفظ به حتى وفاته في ظروف غامضة بتحطم مروحية، العام 1947 تأثر صدام بما سمعه من ابن خاله حتى انه قرر السفر معه الى تكريت للالتحاق بالمدرسة، ووفقا لسيرة حياته الرسمية: فقد كانت تلك أول خطوة تمرد يتخذها صدام، إذ كانت أسرته مازالت مقتنعة بأن التعليم ما هو الا مضيعة للوقت بالنسبة لابنهما.
الهدية مسدس
وكان صدام والناس نيام يغادر المنزل ويشق الظلام في طريقه، إذ يعمل بعض من أقاربه الذين كانوا يفاجأون بظهوره المفاجئ، لكنهم كانوا يتفهمون عندما بدأ يشرح لهم أسبابه وانه يريد الذهاب الى المدرسة ضد رغبة أسرته، وكان صدام يلقى التشجيع من هؤلاء الأقارب، قدموا له مسدسا وأركبوه سيارة الى تكريت إذ تم الترحيب به من قبل أقاربه وهنأوه على قراره، بعد ان أكمل السنة الأولى في المدرسة انتقل الى بغداد مع خاله خير الله طلفاح، أكمل دراسته الابتدائية في بغداد والتحق بعد ذلك بالمرحلة الثانوية.
وحتى في الريف العراقي في الاربعينيات إذ الناس يعيشون بعيدا عن حكم القانون، فان اعطاء مسدس لصبي في العاشرة من العمر حتى يعتمد على نفسه يبدو بعيد الاحتمال، وفي الريف العراقي فان الناس يكتسبون اسم العائلة عموما من مكان الولادة، ولهذا السبب فان اسم صدام يتوجب ان يكون صدام حسين العوجة، وليس كما يصر حتى يومنا هذا صدام حسين التكريتي.
ولم تكن تجربة صدام التعليمية ممتعة، فقد كان يزامل أطفالا في الخامسة من أعمارهم مما كان يسبب له حرجا وكلمات تنم عن السخرية، فكان يدخل في مشاجرات مع البعض منهم لهذه الأسباب، وقد تركت تهكمات أولئك الطلبة جروحا عميقة في نفسه، ويقال انه عندما شب عن الطوق عاد الى تكريت للانتقام ممن كانوا يسخرون منه وتصوره بعض الروايات بأنه كان صبيا يتصف بالشجاعة والجرأة، وكان يداعب أساتذته ببعض الممارسات الطريفة، مثلما فعل مع مدرس الدين الذي كان عندما يهم بمعانقته، يضع أفعى في ملابسه، ويقول أحد الذين عاصروه أيام الدراسة، ان الناظر قرر طرد صدام من المدرسة، وعندما علم صدام بذلك توجه الى مكتب ناظر المدرسة وهدده بالقتل فعدل الناظر عن قراره.
صبي عبوس
كان صدام يتلقى التشجيع بصفة خاصة من خاله وابن خاله عدنان الذي كان يكبره بثلاث سنوات للاستمرار في التحصيل العلمي، كانت الصور التي التقطت له في تلك الفترة تظهر صبيا عبوسا، حاد النظرات مظهره يدل على انه قادر على العناية بنفسه، وكان على صدام ان يتغلب على الكثير من العقبات للالتحاق بالمدرسة، لم يكن من الطلبة المتفوقين، رغم انه يتمتع بذاكرة ممتازة وقدرة تصويرية على تذكر التفاصيل، ويقول سعيد أبوالريش أحد المدافعين عنه ان صدام كان طفلا نجيبا وذكيا وأظهر قدرة على التعلم بسرعة، لكن هذا التقييم يتعاكس مع عدم استطاعة صدام النجاح في اختبار القبول الخاص بأكاديمية بغداد العسكرية التي كان تواقا الى الالتحاق بها، وقد شعر بالاهانة لرفض طلبه، وبعد ان تعزز موقفه في الحكومة عين نفسه برتبة لواء فخري، وبعد ان أصبح رئيسا منح نفسه رتبة مشير، وأعدم باطلاق الرصاص ابن مولود مخلص الضابط التكريتي الذي يرجع اليه الفضل في تعيين أبناء بلدته وأقاربه بمراكز مهمة في القوات المسلحة العراقية.
اكمل صدام دراسة الابتدائية سنة 1955 في تكريت، وانتقل مع عدنان خير الله الى بغداد إذ التحق الصبيان بمدرسة الكرخ الثانوية، وكان لانتقاله من تكريت الى بغداد تأثير مهم مثلما كان من العوجة الى تكريت، كانت بغداد في الخمسينات تعيش جوا من النشاط والتنافس السياسي، كان الشعور القومي في اوجه وقد توج ذلك بالانسحاب البريطاني عقب الحرب العالمية الثانية، كانت حركة الاستقلال تموج في القاهرة بزعامة جمال عبدالناصر وتصميمه على تحرير القاهرة من محور النفوذ البريطاني، والذي أدى بالتالي الى ازمة السويس سنة 1956، والتي اثبتت انها المسمار الاخير في نعش الطموح الامبريالي البريطاني، وكان للنجاح الدبلوماسي الذي حققه عبدالناصر في السويس صداه في انحاء الشرق الاوسط كما شجع جماعات قومية اخرى وخصوصا في العراق، إذ كانت الملكية التي اقامتها بريطانية سنة 1922 لاتزال في الحكم ولا تحظى بالشعبية، وغازي الملك العراقي الوحيد الذي حظي بدعم شعب حقيقي، والذي اغضب البريطانيين نتيجة لذلك، وقتل في حادث تحطم سيارة غامض سنة 1939، وقد اتهم البريطانيون وحلفاؤهم في الحكومة البريطانية بأنهم وراء اغتياله، كان خليفته فيصل الثاني يبلغ الرابعة من عمره، وكانت البلاد تحكم فعليا من قبل عبدالاله والسياسي العراقي المحنك نوري السعيد، واللذين كانا من الموالين للبريطانيين وبعد نجاحات عبدالناصر ظهرت تناقضات بين اولئك الموالين للبريطانيين من امثال نوري وعبدالاله، والاحزاب القومية التي اخذت تعمل على قلب النظام الملكي.
البعد الجيوبوليتكي
والبعد الجيوبوليتكي الديناميكي الآخر والحاسم والذي كان له تأثيراته على السياسة في بغداد في الخمسينات تمثل بظهور الاتحاد السوفياتي كقوة عظمى، لم يكن السوفيات حريصين على تصدير ايديولوجيتهم الى الشرق الأوسط فحسب، ولكنهم كانوا يتطلعون الى كسر احتكار سيطرة الغرب على ثروة المنطقة النفطية الهائلة، واعتبر التهديد الشيوعي تهديدا خطيرا وحقيقيا سواء في واشنطن، التي زادت بعد تدخل دوايت ايزنهاور بعد ازمة السويس من تدخلها في الشرق الأوسط وفي لندن، التي كانت تحاول الحفاظ على بعض نفوذها في المنطقة سنة 1955. كانت الحكومة العراقية فعالة في اقامة حلف بغداد، وهو منظمة اقليمية دفاعية تتكون من بريطانيا، تركيا، ايران وباكستان، وكان الهدف من تشكيله مواجهة التهديد السوفياتي، مع ان نوري السعيد كان يأمل ان يشكل بديلا في نظر الرأي العام العربي للناصرية، وقد رد عبدالناصر بتوقيع صفقة سلاح ضخمة مع السوفيات، وأمم قناة السويس في السنة التالية، والى جانب ان هذا كله جعل من عبدالناصر زعيما وبطلا لا ينازع للقومية العربية، فانه جعل الحكومة العراقية تظهر بأنها اداة جاسوسية للمصالح الغربية.
وباعتباره احد المعنيين، وفي عيني صدام احد الابطال لانتفاضة 1941، كان خير الله نشطا في التيارات السياسية في تلك الفترة، انتقل خير الله للسكن في حي الكرخ الذي كان يقطنه مزيج من السنة والشيعة، والذي كان يشهد أعمالا قتالية بين الطائفتين، اثناء عمله بالتدريس كان خير الله يمارس النشاط السياسي.
الفرس واليهود والذباب
وكانت ارتباطاته واتصالاته السياسية محصورة مع ابناء بلدته وجماعته، وكان بين هؤلاء في ذلك الوقت أحمد حسن البكر، ضابط الجيش التكريتي الذي أصبح رئيسا للعراق، الذي سيلعب دورا محوريا في صعود وارتقاء صدام للسلطة، كان البكر احد القياديين في حزب البعث الذي أسس حديثا، وهو حركة قومية عربية شكلت في سورية في أواخر الاربعينات، وكان البعثيون أعداء للشيوعيين الذين كانوا ينظرون اليهم بانهم يريدون ان يحلوا محل الاستعمار القديم، والفرق الوحيد ان الأول منبعه لندن والثاني جذوره في موسكو.
ولا تمثل روايات صدام عن هذه السنوات التشكيلية رؤية سياسية متعمقة، قال لأحد كتاب سير حياته ان الدافع الرئيسي لخاله تمثل في المقاومة والنضال ضد النخبة الحاكمة المحيطة بالملكية وداعميهم البريطانيين، بينما قال لآخر ان خاله كان يتحدث انطلاقا من رؤية قومية وليست شيوعية، ولعل نظرة على منشور كتبه خاله تلقي الضوء بصورة أكبر على تطور منظور خير الله السياسي الذي قال تحت عنوانه ثلاثة لم يكن الله ليخلقهم، الفرس، اليهود والذباب، وقد كتب ذلك العام 1981 بعد ان أصبح صدام رئيسا، وهو يمثل الى حد بعيد افقا نازيا يقول: الفرس حيوانات خلقها الله على هيئة بشر بينما اليهود مزيج من القذارة ومخلفات اشكال شتى من البشر، اما الذباب وعلى النقيض، فانها مخلوقات ضعيفة، والتي لا نفهم هدف الله من خلقها، وكرئيس للعراق، فان سياسته الخارجية كانت تمليها كراهيته للفرس، او الايرانيين كما يعرفون حاليا والاسرائيليين، العام 1980 بدأ حرب السنوات الثماني مع ايران والتي نجمت عن مقتل مليون عراقي وايراني، بينما اطلق اثناء حرب الخليج العام 1991 دفعات من صواريخ سكود على «اسرائيل»، وقد كافأ صدام خير الله مقابل تعليمه له، بان عينه رئيس بلدية بغداد، وهو منصب استغله اسوأ استغلال وممارسة الفساد الزائد، حتى ان صدام اضطر لعزله واغلاق 17 من شركاته واعتقال مديريها.
وليس هناك شك بأن تأثير ونفوذ خير الله على صدام كان ضارا ومؤذيا مثلما كان زوج امه، ولم يمض وقت طويل حتى بدأ صدام بتهديد الخصوم السياسيين او كل من يسيئ اليه، ومع انتهاء سنوات المراهقة أصبح صدام صاحب بنية قوية مفتول العضلات وطويل القامة (6 أقدام وانشان)، يتحدث بلهجة فلاحية وخطبه تمتزج بعامية تكريتية، ولم يتخل عن لهجته التكريتية حتى بعد ان أصبح رئيسا، خطبه العلنية لا تتقيد بالقواعد اللغوية، وكذلك احاديثه الخاصة، وهو ما كان يربك المترجمين الرسميين ويسبب لهم المشكلات.
عضو الفتوة
في بغداد وفي اواخر الخمسينات، فان صدام ربما كان عضوا في الفتوة، وهي منظمة شبيبة شبه عسكرية على غرار شبيبة هتلر، والتي شكلت اثناء حكم الملك غازي في الثلاثينات، كانت أهداف الفتوة تدعو الى ان يعمل العراق على توحيد العرب بالكيفية نفسها التي وحد بها سكان بروسيا الألمان، وبتشجيع من خير الله فان صدام كان يشاهد في مقدمة أي تظاهرة او اعمال عنف ضد الحكومة، وفي مثل هذه الأجواء من العنف والفوضى، فان القضية كانت مسألة وقت فقط قبل ان يعمد صدام الى قتل احد الاشخاص.
وكما هي الحال بالنسبة لسنوات صدام الأولى، فان هناك درجة من عدم اليقين فيما يتعلق بالهوية الحقيقية لأولى ضحاياه، وعلى رغم انه يقيم رسميا في بغداد، فقد كان يسافر باستمرار الى تكريت، وكان ينظم اعمال العنف والتظاهر وهناك مثل يقول عندما يأتي أهالي العوجة فمن الأفضل اغلاق أبوابكم، تقول احدى الروايات ان اولى ضحايا صدام هو ابن عم له اساء الى زوج امه حسن الابراهيم، ورغم عدم وجود دليل يدعم هذا الزعم، فان أعمال القتل هذه كانت مألوفة، وليس من الغريب ان يكون حسن قد ارسل وراء ابن زوجته لحل نزاع في البلدة.
لكن ليس هناك أي شك بعلاقة صدام في مقتل سعدون التكريتي، وهو عضو في الحزب الشيوعي كان يعمل كمسئول محلي للحزب وقتل في اكتوبر/تشرين الأول 1958، كان البعثيون اعداء مريدين للشيوعيين، وبالتأكيد فان خير الله احد ممثلي البعث الرئيسيين في تكريت، لم يكن يشعر بالارتياح ازاء تمتع شيوعي بسلطة في المدينة، لكن الدافع الحقيقي وراء الجريمة، كان معرفة سعدون بسجل وخلفية خير الله البغيضة، وعندما عين خير الله مديرا للتعليم في بغداد سنة 1958، وعلم سعدون التكريتي بالأمر وتوجه الى بغداد وابلغ السلطات بماضي خير الله والذي عزل من وظيفته الجديدة ولما لم يمض سوى بضعة اشهر على تعيينه، ورد خير الله بالطريقة الوحيدة التي يعرفها، وامر ابن اخته بالانتقام له، ونفذ صدام أوامر خاله دونما أي تردد.
تمت الجريمة في تكريت، وبينما كان سعدون عائدا الى منزله ليلا من احد المقاهي انقض عليه صدام قرب باب منزله مستغلا العتمة واطلق عليه رصاصة واحدة من المسدس الذي اعطاه اياه خير الله فأراده قتيلا.
بعد هذا الحادث اعتقل خير الله وصدام واودعا السجن لمدة ستة شهور، قبل ان يطلق سراحهما بسبب عدم توافر الأدلة، عاد صدام الى بغداد واستأنف ممارسة نشاطه السياسي وكسب قوته بالعمل كمحصل في احد الباصات.
ونتيجة لانشطته في تكريت، فان صدام اكتسب شهرة، ليس كتلك التي كان يأمل بها كضابط يتدرب في اكاديمية بغداد العسكرية، ولكن كمحرض سياسي لا ينفر من ارتكاب جريمة قتل لتحقيق هدفه، ربما يكون حزب البعث صغيرا (ثلاثمئة عضو فقط العام 1958)، لكن كانت لديه طموحات، وقادته لم يكونوا يتلكأون في الاعتراف بمواهب اعضائه من الشبان، وان كان لحزب البعث ان يحقق هدفه في الاستيلاء على السلطة، فقد كان عليه اولا الخلاص من الحكومة، وهكذا فان المهمة الرسمية التالية التي اوكلت اليه تتمثل في اغتيال الرئيس العراقي الجديد.
عميلا لـ « السي آي ايه»
كان اسقاط الملكية العراقية ابان ثورة 1958 واحدا من أكثر الحوادث دموية في التاريخ الحديث للشرق الأوسط، ففي وقت مبكر من صباح يوم 14 يوليو/تموز، اقتحمت وحدات من الجيش تطلق على نفسها اسم الضباط الاحرار القصر الملكي في قصر الرحاب، دمرت المدفعية الجزء الأعلى من المبنى، واجبروا الملك فيصل الثاني والوصي، واسرهم على الهرب من المبنى الى ساحة القصر، إذ احاط بهم الضباط، ودونما أي اعتبار للنساء والاطفال تم قتلهم جميعا، كانت الناجية الوحيدة من حمام الدم، زوجة الوصي، لانها اعتبرت ميتة وسط كومة الجثث الملكية، وكان قادة الانقلاب مصممين على الا يتركوا أي اثر للعائلة العراقية الملكية، حتى لا يكون لهم اية نواة في المستقبل، وكانت لفتة الاحترام الوحيدة التي ابداها قادة الانقلاب، قد تمثلت في اخذ جثة الملك الصغير لدفنها في مكان سري.
اما جثة عم الملك والوصي السابق عبدالاله فقد اعطيت للعامة، وقد اتهم عبدالاله ورئيس الوزراء نوري السعيد بالمسئولية عن السياسة الموالية للبريطانيين واشتبه بمسئوليتهما عن مقتل الملك غازي، الوحيد الذي كان يحظى بالولاء من قبل الشعب العراقي اثناء فترة حكمه القصيرة في الثلاثينات، تم سحب جثة عبدالاله في الشوارع إذ تم ربطها إلى سيارة قبل تقطيعها بطريقة بشعة، وتم عرض الأشلاء والاجزاء المتبقية في وزارة الدفاع، وفي المكان نفسه الذي تم فيه شنق اربعة من الضباط الكبار على يد البريطانيين لدورهم في ثورة 1941. تمكن نوري السعيد من النجاة طيلة يومين قبل ان يقبض عليه متخفيا بملابس امرأة اثناء محاولته الهرب، حاول نوري السعيد المقاومة بمسدسه، لكنه سرعان ما تمت السيطرة عليه وقتله، ولم يكتف الضباط بذلك، بل انهم داسوه بسيارتهم مرات عدة قبل ان يتم دفن ما تبقى من الجثة، لكن مجموعة من الغوغاء نبشوا جثته ومثلوا بها، وطافوا ببعض الاجزاء في الشوارع.
أين صدام؟
اما مكان وجود صدام اثناء ايام ثورة 1958، فلم يكن معروفا، لكن يمكن القول ان البعثي الشاب وخاله كان لهما دور اثناء العنف الذي انفجر بعد الاطاحة بالملكية، وقتل مئات، وربما الآلاف من العراقيين في حمام الدم، وقد ايد البعثيون بكل ما يملكون الانقلاب العسكري وكانوا مصممين على انجاحه.
وقد أعلنت الاجندة السياسية لقادة الانقلاب في الساعة السادسة والنصف صباح يوم 14 يوليو في بيان خاص عبر الاذاعة وتلا البيان عبدالسلام عارف احد قادة الانقلاب، فقال: ان الجيش قد حرر الوطن العزيز من النظام الفاسد الذي اقامته ونصبته الامبريالية، وتمثل القرار الاول للحكومة الجديدة بالغاء المؤسسات الرئيسية للنظام السابق بما في ذلك الملكية واعتقال اولئك الذين ساعدوا ذلك النظام.
تزايدت الضغوط للتغيير خصوصا في صيف 1958، كنتيجة لدعم العراق لحلف بغداد من جهة ونجاح عبدالناصر في تحدي بريطانيا وفرنسا عن قناة السويس العام 1956. وفي الواقع فانه بحلول العام 1958، ومزهوا بانتصاره الديبلوماسي، فان عبدالناصر كان يحاول تبني قضية البعثيين بنفسه عندما اقترح نموذجا اوليا لدول عربية متحدة في فبراير/شباط من العام 1958. اقيم اتحاد سياسي يضم سورية ومصر فانضمت اليمن في وقت لاحق، واطلق على الكونفدرالية الجديدة الجمهورية العربية المتحدة برئاسة عبدالناصر والقاهرة عاصمتها، وايد معظم الضباط الاحرار الذين نفذوا انقلاب 14 يوليو في العراق مبدأ الانضمام الى لاتحاد، وخصوصا اولئك الذين كانوا اعضاء في حزب البعث، والذين كانوا يعتقدون بانه السبيل الأفضل لتحقيق هدفهم بانشاء دولة عربية واحدة.
ونتيجة لذلك، فقد القى البعثيون بثقلهم ودعمهم الكامل للحكومة الجديدة التي شكلت في بغداد بصيف 1958 برئاسة عبدالكريم قاسم زعيم الضباط الاحرار، أوكل قاسم للبعثيين 12 حقيبة وزارية من بين الحقائب الست عشرة في حكومته الجديدة، وكان بعض الضباط الاحرار قد وعدوا عبدالناصر بأنهم سينضمون الى الجمهورية العربية المتحدة مقابل دعمهم ومساعدتهم في قلب الملكية، لكن عندما تسلم السلطة انتهج عبدالكريم قاسم منهجا يتسم بالحذر، وفي هذا المجال فان قاسم كان يتصرف بكيفية سينسخها عدد من الزعماء العراقيين في سنوات الاضطراب والعنف التالية، وعندما يكونون في المعارضة، فإن من المألوف ان يعمد سياسيون عراقيون كثيرون الى دعم فكرة تشكيل تحالفات مع جيرانهم العرب، لكنهم عندما يتسلمون السلطة، فإنهم سرعان ما يتبنون قضية العراق اولا وهي سياسة تضع المصالح العراقية في المقام الاول، وبعد ان ثبت قاسم حكمه تبنى العراق اولا، وكانت لديه تحفظات ازاء وضع استقلال العراق تحت قبضة عبدالناصر. وكانت تساوره الشكوك ازاء دوافع بعض زملائه الانقلابيين وخصوصا عبدالسلام عارف الذي ارتأى بان يضغط من اجل الانضمام الى الكونفدرالية مع مصر وسورية بهدف تعزيز موقعه السياسي في العراق، وكما يحدث غالبا في الثورات، فان الثوار سرعان ما وجدوا انفسهم في وسط خلافات بين كل منهم عن التوجه الذي ينبغي ان تسلكه الثورة، وبحلول مطلع الخريف رفض عبدالكريم قاسم اي كونفدرالية مع عبدالناصر، وعلاوة على ذلك، وفي محاولة لتعزيز سلطته امر باعتقال عارف وعدد من الضباط الاحرار الذين حوكموا بتهمة الخيانة، وفي هذه المحاكمة تم الكشف عن تورط صدام في اغتيال سعدون التكريتي وحكم على عارف وزملائه بالموت، لكن هذه الاحكام خفضت فيما بعد الى السجن مدى الحياة.
اللحظة الحاسمة
وفي خطوة اخرى لتعزيز قاعدة سلطته ونفوذه ابرم قاسم تحالفا مع الحزب الشيوعي العراقي، الذي كان لاسبابه الايديولوجية الخاصة يعارض بشدة الانضمام الى الاتحاد، والاتحاد الوحيد الذي يدعمه الشيوعيون العراقيون كان مع موسكو او تحالف قاسم مع الشيطان، كما وصفه الكثير من القوميين، كما سببت المحاكمات الصورية للعراقيين من غير الشيوعيين تدهورا سريعا في العلاقات بين قاسم والكثير من الضباط الاحرار الذين دعموا اسقاط الملكية، ولم يكونوا مستعدين للتسامح مع استبدال دكتاتور بآخر، وجاءت اللحظة الحاسمة في مارس/اذار في العام 1959 عندما نظم عدد من الضباط القوميين انقلابا على قاسم، وفشل الانقلاب فشلا ذريعا وحتى يلقن الانقلابيين درسا، شجع قاسم الشيوعيين على ملاحقة اعدائهم القوميين واعتقالهم، وكانت النتيجة حمام دم جديدا في التاريخ العراقي الحديث، وقتل الشيوعيون ومثلوا بالكثير من القوميين العرب الذين دعموا الضباط وتمت محاكمة الضباط الاحرار الذين ساعدوا في الاطاحة بالملكية بتهمة الخيانة، وفي الموصل شجع الشيوعيون الغوغاء على عمليات نهب وسلب واغتصاب دامت نحو اسبوع، حوكم المتهمون امام محاكم صورية ونفذ فيهم حكم الاعدام رميا بالرصاص امام اعين الجميع.
وبالنسبة للبعثيين فان سلوك قاسم كان يرقى الى الخيانة، كانوا قد دعموا قادة الانقلاب في صيف 1958 لاسقاط الملكية بشرط ان ينضم العراق لاتحاد الدول العربية، لكن خلال اقل من عام وجهت لآمالهم ضربة قوية، وشعروا بانه مادام قاسم في السلطة فانه لا امل لهم بتحقيق اهدافهم، وفرصتهم الوحيدة بتحقيق تلك الاهداف تتمثل في ازاحة قاسم عن السلطة وتوصلوا الى قرار بان يتم تحقيق ذلك بواسطة الاغتيال.
اما ان يطرح اسم صدام لتنفيذ تلك المهمة فانه لم يكن مفاجئا، وفي تلك المرحلة من تطوره، فان حزب البعث العراقي كان هيئة ايديولوجية اكثر من كونه آلية مقاتلة ومعظم اعضائه الثلاثمئة كانوا اما من الطلاب او من المهنيين الذين كانوا يطمحون الى انشاء مجتمع اكثر عدلا تخدم فيه الحكومة مصالح الشعب بدلا من خدمة مصالح القوى الاجنبية، دعم حزب البعث اسقاط الملكية، لكنه لم يكن احد منهم موجودا عندما ارتكبت مجزرة بحق العائلة الملكية.
خطوة خطوة نحو الهيمنة
كان الجميع في اجتماعات حزب البعث يتذكرون مقولة صدام: «حينما نستولي على الحكومة سأحول هذا الوطن إلى دولة ستالينية»، وبالنسبة إلى مقاييس الانقلابات العسكرية التي تعتمد كثيرا على العنف، فإن انقلاب البعث 1968 لم يكن حدثا يُذكر، ويرجع ذلك أساسا إلى أن عملاء حزب البعث من القادة العسكريين تركوا رئيسهم عبد السلام عارف من دون أدنى مساندة.
ارتدى صدام البدلة العسكرية ملازما أول، واعتلى ظهر إحدى الدبابات لأول مرة في تاريخه - كما ذكر هو فيما بعد - وبمساعدة الحرس الرئاسي المتآمر استطاع البعثيون أن يتحركوا إلى المجمع الرئاسي في الثانية من صباح يوم 17 يوليو/ تموز، واستطاعوا بسهولة دخول القصر لمواجهة عارف، كان المناخ العام في بغداد ينبئ بحدوث مثل هذا الانقلاب، لقد كان انقلابا «أبيض» بشكل أو بآخر، وطبقا لقادة الانقلاب فإنه تم إطلاق دورتين من النار فقط تهديدا للرئيس عارف، ولكن لم يحدث أي قتال.
ابتسامات لم تدم طويلا
مع تنصيب أحمد حسن البكر رئيسا للجمهورية بدأ صدام يجمع السلطة في يده بطريقة حثيثة، فحينما كان مسئولا عن الأمن كان مسئولا أيضا عن إدارة الفلاحين، وسرعان ما وضع التعليم والدعاية تحت نطاق سيطرته، وما لبث أن تولى صدام رسميّا منصب السكرتير العام لمجلس قيادة الثورة في يناير/ كانون الثاني 1969، وبعد ذلك بعدة أشهر بدأ وصف صدام باسم السيد النائب.
وفي ذلك الوقت كان القادة الكبار في حزب البعث سعداء بلعب دور الأب الروحي، وهو ما سمح بأن تُترك كل إدارة المشكلات لصدام وكذلك المسئوليات؛ فقد نُصب صدام رئيسا رسميّا لحزب البعث الحاكم، وهو ما تمكن معه في نهاية عام 1970 من أن يحتكر السلطة فعليا في العراق... تمهيدا للاستيلاء عليها نهائيا في يوليو 1979؛ إذ اضطر البكر إلى الاستقالة وتسليم كل مناصبه إلى صدام حسين، وقابله صدام بتحديد إقامته في منزله إلى أن توفي في أكتوبر/ تشرين الأول 1982.
كان صدام يعمل في ذلك الوقت من 14 إلى 16 ساعة يوميا، ومن بين أهم الأعمال التي لاقت ترحيبا من العامة والتي قام بها صدام في بداية توليه السلطة الإفراج عن آلاف المعتقلين، ومن الطريف أنه قال كلمة صاحبت هذا الحدث جاء فيها: «إن القانون فوق الجميع، وإن اعتقال الناس من دون إعمال القانون لن يحدث ثانية أبدا»!!
ليس هذا فحسب بل عمد صدام إلى التقرب إلى الشعب العراقي وإلى المواطن البسيط حتى وصفه أحد المعارضين الكبار بقوله: «لقد أبدى صدام تفهما حقيقيا لأحوال الناس البسطاء أكثر من أي زعيم آخر في تاريخ العراق».
أصبح اللواء أحمد حسن البكر، وهو من تكريت أيضا ومن أقارب صدام حسين، رئيسا للجمهورية. وكان عمر صدام آنذاك 31 عاما. عمل البكر وصدام معا وأصبحا القوة المهيمنة على حزب البعث، إلا أن زعامة صدام أخذت في التفوق على زعامة الرئيس البكر.
نائب صارم للرئيس 1968-1979
أجرى صدام حسين، بصفته نائبا للرئيس أحمد حسن البكر، إصلاحات واسعة النطاق وأقام أجهزة أمنية صارمة.
وأثارت سياسات كل من صدام والبكر قلقا في الغرب. ففي العام 1972، وفي أوج ذروة الحرب الباردة، عقد العراق معاهدة تعاون وصداقة أمدها 15 عاما مع الاتحاد السوفياتي. كما أمم شركة النفط الوطنية، التي تأسست في ظل الإدارة البريطانية، والتي كانت تصدر النفط الرخيص إلى الغرب.
واستثمرت بعض أموال النفط عقب الفورة النفطية التي أعقبت أزمة العام 1973، في الصناعة والتعليم والعناية الصحية، ما رفع المستوى المعيشي في العراق إلى أعلى مستوى في العالم العربي.
وفي العام 1974، ثار الأكراد في الشمال بدعم من شاه إيران الذي تؤيده الإدارة الاميركية. ودفع الصراع الحكومة العراقية إلى طاولة المفاوضات مع إيران، إذ وافقت على تقاسم السيطرة على شط العرب - الممر المائي الواقع جنوبي العراق وجنوب غربي إيران. مقابل ذلك أوقف شاه إيران تقديم الدعم المادي إلى الأكراد في شمال العراق ما مكّن النظام العراقي من إخماد الانتفاضة الكردية.
وقد تمكن صدام حسين من إحكام قبضته على السلطة من خلال تعيين أقاربه وحلفائه في المناصب الحكومية المهمة، بالإضافة إلى مراكز التجارة والأعمال.
وفي العام 1978، أصبح الانتماء إلى أي من أحزاب المعارضة جريمة يعاقب عليها القانون العراقي بالإعدام. وفي العام التالي أجبر صدام حسين المهيب أحمد حسن البكر على الاستقالة - السبب الرسمي للاستقالة هو لأسباب صحية - وتولى رئاسة البلاد.
وأقدم صدام على إعدام العشرات من منافسيه في قيادة الحزب والدولة خلال أيام من وصوله إلى الرئاسة.
أاسرار الانقلاب ضد البكر
منذُ أن قام صدام حسين بدوره المعروف في الانقلاب الذي دبره ضد شريك البعثيين في انقلاب 17 تموز 1968، عبدالرزاق النايف، بدأ نجمه يتصاعد، إذ اصبح نائبا لرئيس مجلس قيادة الثورة، وبدأ يمارس السلطة كما لو أنه الرئيس الفعلي للبلاد على رغم وجود الرئيس أحمد حسن البكر على قمة السلطة. وأخذ دوره في حكم البلاد يكبر ويتوسع يوما بعد يوم، وخصوصا سيطرته على الحزب والأجهزة الأمنية، والمكتب العسكري.وبدا وكأن صدام يخطط لتسلم القيادة من البكر بحجة كبر سنه، ومرضه.
وعندما حلت الذكرى الحادية عشرة للانقلاب البعثي، في 17 تموز 1979، فوجئ الشعب العراقي بإعلان استقالة الرئيس البكر في 16 تموز 79، وتولي صدام حسين قيادة الحزب والدولة، إذ أعلن نفسه رئيسا للجمهورية، ورئيسا لمجلس قيادة الثورة، وقائدا عاما للقوات المسلحة.
أما كيف ولماذا تم هذا الانتقال إلى السلطة، من البكر إلى صدام حسين فلم يكتب عن ذلك الحدث حتى الآن، إلا أن المتتبع لتطورات الأوضاع السياسية في البلاد، وما أعقبتها من حوادث خطيرة، يستطيع أن يتوصل إلى بعض الخيوط التي حيك بها الانقلاب، ومن كان وراءه !!.
إن هناك الكثير من الدلائل التي تشير إلى أن ذلك الانقلاب كان جرى الإعداد له في دوائر المخابرات المركزية الأميركية، وأن الانقلاب كان يهدف بالأساس إلى جملة أهداف تصب كلها في خدمة المصالح الإمبريالية الاميركية.
أهداف الانقلاب الصدامي ضد البكر
1- إفشال أي تقارب بين سورية والعراق، ومنع قيام أي شكل من أشكال الوحدة بينهما، وتخريب الجهود التي بُذلت في أواخر أيام حكم البكر لتحقيق وتطبيق ميثاق العمل القومي الذي تم عقده بين سورية والعراق، إذ أثار ذلك الحدث قلقا كبيرا لدى الولايات المتحدة و«إسرائيل»، تحسبا لما يشكله من خطورة على أمن «إسرائيل».
2- احتواء الثورة الإسلامية في إيران، لاسيما أن قادة النظام الإيراني الجديد بدأوا يتطلعون إلى تصدير ونشر مفاهيم الثورة الإسلامية في الدول المجاورة، ما اعتبرته الولايات المتحدة تهديدا لمصالحها في منطقة الخليج، ووجدت أن خير سبيل إلى ذلك، هو إشعال الحرب بين العراق وإيران، وإشغال البلدين في حرب سعت الولايات المتحدة إلى جعلها تمتد إلى أطول فترة ممكنة، كما سنرى فيما بعد.
3- مكافحة النشاطات الشيوعية، والإسلامية في البلاد على حد سواء، والتصدي للتطلعات الإيرانية الهادفة إلى نشر أفكار الثورة الإسلامية في المنطقة.
4- بالإضافة إلى ما سبق كانت تطلعات صدام حسين إلى أن يصبح شرطي الخليج، وتزعم العالم العربي طغت على تفكيره، ووجد في الدور الذي أوكل إليه خير سبيلٍ إلى تحقيق طموحاته.
الانقلاب ضد البكر
لم يجرِ الانقلاب ضد البكر بمعزل عن المخططات الاميركية، فقد جرى الحديث عن زيارة قام بها مساعد وزير الخارجية الاميركي لبغداد، و أجرى محادثات مطولة مع الرئيس احمد حسن البكر، في مقره بالقصر الجمهوري، وشوهد الموفد الاميركي يخرج بعد الاجتماع متجهم الوجه وقد بدا عليه عدم الارتياح، ثم انتقل إلى مكتب صدام حسين، وأجرى معه محادثات أخرى، خرج بعدها وعلامات السرور بادية على وجهه، وقد علته ابتسامة عريضة.
لقد بقي ما دار في الاجتماعين سرا من الأسرار، إلا أن التكهنات والأحاديث التي كانت تدور بشأن الاجتماعين تشير إلى أن النقاش دار حول نقطتين أساسيتين، الأولى عن تطور العلاقات بين العراق وسورية، وتأثير هذه العلاقات على مجمل الأوضاع في المنطقة، وبشكل خاص على «إسرائيل» والنقطة الثانية دارت حول الأوضاع في إيران، بعد سقوط نظام الشاه، وتسلم التيار الديني بزعامة (الخميني) السلطة، والأخطار التي يمثلها النظام الجديد على الأوضاع في منطقة الخليج، وضرورة التصدي لتلك الأخطار، وقيل إن الموفد الاميركي سعى إلى تحريض حكام العراق على القيام بعمل ما ضد النظام الجديد في إيران، بما في ذلك التدخل العسكري، وقيل أيضا إن الرئيس البكر لم يقتنع بفكرة الموفد الاميركي، وخصوصا أن البكر رجل عسكري، ويدرك تمام الإدراك ما تعنيه الحرب من ويلات ومآسٍ، وتدمير لاقتصاد البلاد، ولذلك خرج الموفد الاميركي من مكتب البكر وقد بدا على وجهه عدم الارتياح، على عكس اللقاء مع صدام حسين، إذ خرج بعد لقائه مسرورا.
والمعتقد أن صدام حسين أبدى كل الاستعداد للقيام بهذا الدور المتمثل في تخريب العلاقات مع سورية من جهة، وشن الحرب ضد إيران من جهة أخرى.
ولم تمضِ غير فترة زمنية قصيرة، حتى جرى إجبار الرئيس البكر، بقوة السلاح، من قبل صدام حسين وأعوانه، على تقديم استقالته من مناصبه كافة، وإعلان تولي صدام حسين كامل السلطات في البلاد، متخطيا الحزب وقيادته، ومجلس قيادة الثورة المفروض قيامهما بانتخاب رئيس للبلاد في حال خلو منصب الرئاسة.
أحكم صدام حسين سلطته المطلقة على مقدرات العراق، بعد تصفية كل المعارضين لحكمه، ابتداء من أعضاء قيادة حزبه الذين صفاهم جسديا بأسلوب بشع، وانتهاء بكل القوى السياسية الأخرى الموجودة على الساحة.
لقد أخذت أجهزته القمعية تمارس أبشع الأعمال الإرهابية في حق العناصر الوطنية، من شيوعيين، وإسلاميين، وقوميين، وديمقراطيين، بالإضافة إلى الشعب الكردي، وملأ السجون بأعداد كبيرة منهم ومارس أقسى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي بحقهم، وقضى الكثير منهم تحت التعذيب. لقد كانت مكنة الموت الصدامية تطحن كل يوم المئات من أبناء الشعب، لكي يقمع أية معارضة لحكمه، وحتى يصبح مطلق اليدين في اتخاذ أخطر القرارات التي تتحكم في مصير الشعب والوطن، ولكي يعدّ العدة، ويهيئ الظروف المناسبة لتنفيذ الدور الذي أوكلته إليه اميركا، في العدوان على إيران. لقد وصل الأمر بصدام حسين إلى أن جمع وزراءه، وشكل منهم فريق إعدام في سجن بغداد، لكي يرهب كل من تسول له نفسه بمعارضته، كما قام بإعدام عدد كبير من ضباط الجيش، لكي يصبح وحده الأقوى في المؤسسة العسكرية، على رغم أنه لم يكن في يوم من الأيام عسكريا.
لكن نهايته انتهت أمس الاول بقبضة الاميركيين ولاندري ماذا ستحمله الايام المقبلة من تفاصيل عن هذه الشخصية المثيرة للجدل.
(المصدر- بي بي سي، اسلام اون لاين، موقع صفحات)
نستعرض هنا أبرز المحطات في تاريخ العراق الحديث منذ العام 1918أي منذ تاريخ سقوط الامبراطورية العثمانية ووضع البلاد تحت الانتداب البريطاني.
1921 - 23 اغسطس/ آب: بريطانيا، الدولة المنتدبة منذ 1920 على الاردن والعراق، تنصب الملك فيصل على عرش العراق.
1925 - نهاية العام 1925 عصبة الأمم منطقة تمنح الموصل (شمال) الى العراق.
1927 - اكتشاف آبار نفطية في منطقة كركوك (شمال) وتكليف شركة النفط العراقية باستثمار النفط.
1930 - معاهدة بريطانية - عراقية تعلن استقلال البلاد وبريطانيا تبقي قواعد عسكرية فيها، وأعلن الاستقلال التام للبلاد في العام 1932.
1933 - غازي الاول يخلف والده الملك فيصل الذي توفي فجأة.
1936 - اكتوبر/ تشرين الأول: انقلاب للواء بكر صدقي الذي اغتيل في العام 1937.
1939 - فيصل الثاني (اربع سنوات) يخلف والده الملك غازي الأول الذي قتل في حادث سير، وتعيين الامير عبدالاله وصيا على العرش.
1941 - ابريل/ نيسان: الجيش يوصل الى السلطة رشيد عالي الكيلاني، وهو قومي متشدد موالٍ للالمان. بعد شهر يدخل البريطانيون بغداد ويطيحون به ليخلفه الامير عبدالاله الى ان يبلغ فيصل الثاني سن الرشد في العام 1953.
1955 - العراق ينضم الى حلف بغداد برعاية بريطانيا والولايات المتحدة.
1958 - 14 يوليو/ تموز: اللواء عبدالكريم قاسم يقوم بانقلاب عسكري ينهي حكما ملكيا ستمر 38 عاما.
1963 - الثامن من فبراير/ شباط: العقيد عبدالسلام عارف يصبح رئيسا للجمهورية اثر انقلاب.
1968 - 17 يوليو: ضباط يقومون بتشكيل مجلس قيادة الثورة وتعيين احمد حسن البكر رئيسا للبلاد وصدام حسين نائبا له.
1970 - 11 مارس/ آذار: اتفاق عن الحكم الذاتي لكردستان.
1972 - يونيو/ حزيران: تأميم شركة النفط العراقية.
1974 مارس: الاكراد الذين باشروا تمردا منذ 1920 تساندهم ايران، يحملون السلاح مجددا، حتى اتفاق الجزائر مع الشاه في 1975، فانهار التمرد الكردي بسبب توقف الدعم الايراني.
1975 - السادس من مارس: توقيع الاتفاق الحدودي الايراني العراقي في الجزائر عن شط العرب. وفي الثامن من ديسمبر/ كانون الاول جرى تأميم جميع الشركات النفطية الاجنبية.
1979 - 16 يوليو: صدام حسين يتولى الرئاسة خلفا لأحمد حسن البكر الذي استقال رسميا، لاسباب صحية من مناصب رئيس الجمهورية والأمين العام لحزب البعث ورئيس مجلس قيادة الثورة.
1980 - 22 سبتمبر/ أيلول: اندلاع الحرب مع إيران بعد ازدياد الحوادث على الحدود.
1981 - السابع من يونيو: الطيران الحربي الإسرائيلي يدمر مفاعل تموز النووي الذي انشأته فرنسا.
1988 - 17 - 18 مارس: القوات العراقية تقصف قرية حلبجة الكردية بالاسلحة الكيماوية ما أسفر عن سقوط نحو خمسة آلاف قتيل. واجه النظام العراقي ادانة واسعة لكن مصادر أ ميركية ذكرت ان الاكراد لم يكونوا مستهدفين في القصف وقد تكون ايران وراء اطلاق الغاز السام.
20 اغسطس: وقف اطلاق النار مع ايران يدخل حيز التنفيذ في نهاية نزاع ادى الى مقتل 300 ألف شخص في الجانب العراقي.
1990 الثاني من اغسطس: العراق يغزو الكويت بامر من صدام الذي عجز عن تسديد الديون لدول الخليج التي دعمته خلال الحرب مع ايران وبحثا عن موارد جديدة. وبعد أربعة أيام فرضت الامم المتحدة حظرا على العراق، ولتسمح في الخامس والعشرين من أغسطس باللجوء الى القوة ضده.
1991 - 17 يناير/ كانون الثاني: تحالف دولي كبير بقيادة الولايات المتحدة يشن عملية «عاصفة الصحراء» ضد العراق.
27 فبراير: تحرير الكويت، وفي اليوم التالي قبل صدام بوقف اطلاق النار. وفي مارس تم انشاء منطقة الحظر الجوي في الشمال لحماية الاكراد.
1992 اغسطس: فرض منطقة الحظر الجوي في الجنوب لحماية الشيعة.
1993 - 13 - 18 يناير: غارات جوية لقوات التحالف على جنوب العراق وعلى مصنع في ضواحي بغداد يسفر عن سقوط 44 قتيلا. وفي 27 يونيو أطلق 23 من صواريخ توماهوك على مقر المخابرات العراقية في بغداد في «رد مباشر» على محاولة اغتيال جورج بوش (الاب) في الكويت في ابريل، أدى الى مقتل ستة مدنيين.
26 نوفمبر: بغداد توافق من دون شروط على القرار 715 الصادر عن مجلس الأمن الدولي عن مراقبة الاسلحة العراقية.
1994 - 10 نوفمبر: بغداد تعترف رسميا بالكويت وحدودها.
1995 - 14 ابريل: بغداد ترفض القرار 986 بشأن برنامج «النفط مقابل الغذاء».
8-22 اغسطس: فرار حسين كامل حسن زوج ابنة صدام ومهندس برنامج التسلح العراقي، الى الاردن.
15 اكتوبر: اول استفتاء عن رئاسة صدام منذ توليه السلطة يحصل فيه على تأييد 99,96 في المئة من الناخبين.
1996 - 23 فبراير: مقتل حسين كامل وشقيقه بعد ثلاثة ايام من عودتهما الى العراق.
20 مايو/ أيار: اول تخفيف للحظر على العراق بتوقيع اتفاق «النفط مقابل الغذاء» بين العراق والامم المتحدة.
1997 - 13 نوفمبر: العراق يمنع الخبراء الأ ميركيين من المشاركة في عمليات التفتيش ويطرد كل الأ ميركيين الذي يعملون مع الل
العدد 465 - الأحد 14 ديسمبر 2003م الموافق 19 شوال 1424هـ