عندما كانت أميركا تخوض حربها على أفغانستان سرت إشاعات بأن أسامة بن لادن لقي حتفه، إلا أن أحد المسئولين في الاستخبارات الأميركية استبعد ذلك، بسبب أن حدثا مثل مصرع رئيس تنظيم القاعدة لابد أن يثير زوبعة من الاتصالات عبر أجهزة الراديو التي يحملها أنصاره وباقي أهالي أفغانستان، والذين سيهمهم تناقل الخبر فيما بينهم، إلا أن المخابرات الأميركية لم تسجل أية زيادة في استخدام أجهزة الراديو - وهو أداة الاتصال الرئيسية بين أفراد القاعدة حينها - وهو ما لا يتناسب مع حجم الحدث المزعوم، وهذه الحركة المفاجئة في حركة الاتصالات تسمى بالضجيج، وذلك لما يحدثه من تشويش على باقي الاتصالات. والإنصات إلى الضجيج لا يقتصر على الضجيج الناتج من أجهزة الراديو، بل انه يمتد ليشمل باقي أجهزة الاتصالات مثل الهاتف النقال والبريد الإلكتروني، وبالإمكان ملاحظة ذلك بتردي مستوى خدمة الرسائل القصيرة في المناسبات مثل الأعياد والمناسبات الدينية الأخرى، وذلك بسبب الزيادة المفاجئة على هذه الخدمة، والمخابرات الأميركية تسعى الى استغلال هذه الظاهرة للتنبؤ بالحوادث المدبرة، فعلى سبيل المثال فإن عملية مخطط لها بإتقان مثل حوادث 11 سبتمبر/أيلول الماضي لابد أن يسبقها زيادة مفاجئة في الاتصالات التي يجريها منفذو العملية، إذ يقوم هؤلاء بالتنسيق فيما بينهم بشكل مكثف في الساعات الأخيرة قبل البدء في الخطة، ويشمل الضجيج نشاطا ملحوظا في المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني وحتى بعض المنتديات، وهو ما تبين لأجهزة الاستخبارات لاحقا.
والإدارة الأميركية تريد تأسيس خدمة استخباراتية جديدة - وقد تكون بدأت فعلا في هذا المشروع - تهدف من خلاله إلى رصد كل ما يشير إلى قرب وقوع حدث معين يستهدف مصالحها، ولأن حجم الانترنت بالغ الضخامة وأنه يزداد بشكل خرافي يوما بعد يوم فإن أميركا بحاجة إلى تجهيزات خيالية لتتبع كل صغيرة وكبيرة، ومن غير المتوقع أن تتمكن أميركا من إحكام رقابتها على جميع مواقع الانترنت، بل إن الدلالات تشير إلى أنها ستبدأ بمراقبة المواقع الأكثر شهرة، وتلك التي تم تصنيفها على أنها مواقع مشبوهة، مثل بعض المنتديات التي يتم تجنيد أنصار القاعدة من خالاها.
كما أن أجهزة الاستخبارات الأميركية تعلم أن الحوادث تتداخل مع بعضها، وأن التخطيط لهجمات 11 سبتمبر لابد أن يتزامن مع ضجيج آلاف الحوادث الأخرى، ولابد من إيجاد آلية لفصل كل ضجيج على حدة، وتمييز مسببات كل منها عن الآخر، ومن غير المستبعد أن تسعى الولايات المتحدة الى تحديد حجم أنصار الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين عبر قياس الضجيج الذي سيحدثه أنصاره، إلا أن هذا الأخير سيختلط بالضجيج الذي سيحدثه المحتفلون بهذا الحدث، وهو ما سيجعل العملية أصعب وتحتاج إلى تقنيات أحدث، ومراقبة أدق إلا أنها غير مستحيلة، وجزء مهم في تحديد نوع الضجيج هو مراقبة مصدره لفترة طويلة، وتحديد الحوادث التي يتفاعل معها، ومدى ردة فعله مع كل حدث، وبالتالي فبالإمكان التعرف إلى ميول مصدر الضجيج من دون الاطلاع على محتوى مكالمته أو رسالته. وبناء على المعلومات المستمدة فبالإمكان رسم خريطة تقريبية للتنظيمات المعادية للمصالح الأميركية، وعبر مراقبة هذه البؤر الساخنة فبالإمكان التوصل إلى مناطق أخرى من الانترنت لا تبدو للعيان، مثلما قامت الإدارة الأميركية عندما وضعت قائمة بالمنتديات التي يرتادها أنصار بن لادن، وزرعت بعض عملائها في هذه المنتديات بهدف التعرف على الأهداف الحقيقية لباقي أعضائها، وتتبع هوياتهم الحقيقية بهدف إلقاء القبض عليهم
العدد 466 - الإثنين 15 ديسمبر 2003م الموافق 20 شوال 1424هـ