العدد 471 - السبت 20 ديسمبر 2003م الموافق 25 شوال 1424هـ

ألمانيا والعراق اكتشفا أن كلا منهما بحاجة إلى الآخر

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

بوسع الرئيس الدوري لمجلس الحكم المؤقت في العراق عبدالعزيز الحكيم أن يكون سعيدا للزيارة التي قام بها في الأسبوع الماضي إلى برلين. فقد جلس معه المستشار الألماني غيرهارد شرودر مدة أربعين دقيقة ثم توجه الحكيم والوفد المرافق له للاجتماع بنائب المستشار ووزير الخارجية العائد للتو من جولة إلى مصر والأردن و«إسرائيل» ومناطق الحكم الذاتي الفلسطينية يوشكا فيشر. كان يسمع عقب كل لقاء أن المحادثات جرت في جو ودي. وهي أول زيارة يقوم بها الحكيم الذي خلف شقيقه محمد باقر الذي راح ضحية عملية اغتيال بعد وقت قصير على عودته من منفاه الإيراني إلى النجف، إلى أبرز دولة أوروبية عارضت حرب العراق ومنذ أيام يطالب السياسيون فيها بمحاكمة عادلة للرئيس العراقي السابق صدام حسين.

وأدى موقف ألمانيا المعارض للحرب إلى توتر شديد في العلاقات مع حليفها الأكبر، الولايات المتحدة، التي أعلنت قبل أسبوع في ورقة استراتيجية وضعها نائب وزير الدفاع الأميركي، مهندس سياسة الهيمنة الأميركية وخصوصا غزو العراق بول وولفوفيتز، أنها ستحرم الشركات التابعة لدول عارضت الحرب من الحصول على عقود إعادة التعمير في العراق. واعتبرت الحكومة الألمانية هذا القرار مخالفا للقوانين الدولية مشيرة إلى أن توزيع العقود من حق حكومة عراقية منتخبة إضافة إلى أن مسئولية بناء عراق جديد تقع على كاهل المجتمع الدولي برمته وليس تحت سلطة دولة واحدة. وتبلغ قيمة العقود التي من المرجح أن تحصل على القسم الأكبر منها شركات أميركية وبريطانية 6,18 مليارات دولار. وفي الوقت نفسه أوفد الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش مبعوثه الشخصي وزير الخارجية السابق جيمس بيكر الأسبوع الماضي إلى أوروبا طالبا من البلدان المدينة للعراق أن تعفي هذا البلد من ديونه لها تخفيفا عن كاهله لكن ألمانيا وفرنسا أعربتا عن استعدادهما في مطلق الأحوال لإعفاء العراق جزءا من ديونه لهما على أن يترك البت في التفاصيل الأخرى للمستشارين داخل نادي باريس الذي تنضوي تحت مظلته 19 دولة مانحة للديون. وتأتي جولة الحكيم لأوروبا على رأس وفد ضم أيضا الزعيم الكردي جلال الدين طالباني لهدف حصول مجلس الحكم العراقي على صفة رسمية واعتراف دولي كما تتم هذه الجولة بعد اعتقال الرئيس العراقي السابق للإيحاء بأن الوضع الأمني على وشك أن يستقر في العراق بتراجع عدد هجمات المقاومة المناهضة للاحتلال لكن بعض الخبراء في ألمانيا يستبعدون أن يتحقق الاستقرار في المستقبل المنظور نظرا لتعدد أطراف المقاومة وأهداف أطرافها.

وكان لقاء الحكيم مع شرودر أول لقاء يتم بين مسئول ألماني كبير ومعارضين لنظام العراق السابق ففي الماضي كانت ألمانيا تتجنب الاجتماع مع ممثلين عن المعارضة العراقية معتبرة نظام صدام حسين الممثل الشرعي للعراق الأمر الذي دفع أحمد الجلبي الذي كانت أبواب المؤسسات السياسية الرسمية توصد بوجهه كلما زار ألمانيا إلى شن حملة شعواء ضد المستشار شرودر بسبب تجاهله المعارضة العراقية لكن ألمانيا كانت دائما تقول إنها تتصرف وفقا للمعايير الدولية وتطالب اليوم باستعادة العراق سيادته وهذه رسالة مبطنة موجهة لقوى التحالف وعلى رأسها الولايات المتحدة كي تسلم السلطة للعراقيين ليقرروا مصيرهم بأنفسهم. بالتأكيد لم يكن الجلبي بين أعضاء الوفد العراقي لكن وسائل الإعلام الألمانية تعرفه جيدا فقد نشرت تفاصيل عن ماضيه أدت إلى إثارة غضبه على سبيل المثال اختلاسه أموال مصرف في الأردن وفراره إلى لندن ثم صلته الوثيقة مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السي آي إيه. لكن زيارة الحكيم لم يكن هدفها تصفية حسابات الماضي القريب وإنما البحث عن مواقف مشتركة بالنظر لأهمية المرحلة الحالية وحاجة العراقيين إلى التعاون مع أطراف في أوروبا التي رحبت بجولة الوفد العراقي لأنها ترى فيها تعبيرا عن أمل العراقيين بمساهمة أوروبية في إعادة تعمير بلدهم. والمفاجأة التي جاء بها الحكيم إلى برلين تأكيده أن العراق يرحب بمساهمة شركات ألمانية في تعمير العراق.

من النادر كثيرا أن بدأ مؤتمر صحافي في مقر وزارة الخارجية الألمانية بعبارة: بسم الله الرحمن الرحيم. لكن هذا حصل يوم الخميس الماضي. بعد وصوله إلى برلين بوقت قصير اعتكف الحكيم زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق داخل غرفته بعض الوقت شاكيا من الإرهاق لكنه سرعان ما استعاد عافيته حين قارب موعد اجتماعه مع مستشار شرودر وزير الخارجية فيشر ولوحظ أنه كان سعيدا كون الأضواء مسلطة عليه وليس على الزعيم الكردي طالباني الذي ترك له الاجتماع مع كلاوديا روت مفوضة الحكومة الألمانية لقضايا حقوق الإنسان. وذكرت مصادر عقب الاجتماع الأخير أن روت أكدت ضرورة حصول الرئيس العراقي السابق على محاكمة منصفة. وقال الجانب العراقي أن صدام سيمثل أمام محكمة عراقية وسيحاكم وفقا للقوانين الدولية. ولا يستبعد المراقبون في ألمانيا أن يواجه صدام عقوبة الإعدام. وكانت ألمانيا قد ألغت عقوبة الإعدام من قانون العقاب الخاص بها بعد نهاية محاكمات نورنبيرغ حين جلس رموز من النظام النازي في قفص الاتهام.

هذه الزيارة كانت مهمة بالنسبة إلى برلين لأنها كانت تسعى للحصول على إجابة محددة لسؤال مهم يتعلق بالمشاركة في عملية إعادة التعمير. ردا على هذا السؤال الملح من وجهة نظر ألمانيا التي تخشى أن تنفذ واشنطن قرار وزارة الدفاع بحرمان شركات ألمانية من الحصول على عقود في العراق، قال الحكيم إنه لن يجري منع شركات تابعة لأية دولة من المشاركة في حملة التعمير حتى شركات تابعة لدول عارضت الحرب وأضاف الحكيم قوله: لقد قررنا فتح الأبواب أمام جميع الدول والشركات وأوضح أن الدور الريادي لألمانيا في أوروبا مهم بالنسبة إلى العراق. لكن طالباني هز كتفه معبرا عن جهله موقف الأميركيين من الموقف الذي أعلنه الحكيم للتو في برلين بينما قابل وزير الخارجية الألماني حركة طالباني بنصف ضحكة.

الموقف الاقتصادي للوفد العراقي له أسبابه وليس مرجعه فقط مقابلة الخطوة التي أعلنها المستشار الألماني بأن تعفي ألمانيا جزءا من ديونها للعراق والبالغ حجمها 4,4 مليارات دولار نصفها قيمة فوائد مترتبة للديون القديمة وإنما أيضا مشاركة شركات ألمانية في بناء البنية الاقتصادية الجديدة في العراق والاستفادة من تجربة الألمان بعد استعادة ألمانيا وحدتها في العام 1990 إذ باشرت على الفور بخصخصة الاقتصاد المسير في ألمانيا الشرقية السابقة. كما يأمل العراقيون بالحصول على مساعدات جديدة من الحكومة الألمانية إضافة إلى مبلغ 180 يورو قيمة المساعدات المالية التي حصل عليها العراق من برلين بعد نهاية الحرب، وكذلك احتمال قيام ألمانيا بتدريب أفراد في جيش وشرطة العراق على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة وتشارف المفاوضات الجارية على نهايتها. كما لا تستبعد وزارة الخارجية الألمانية تدريب عسكريين عراقيين في أكاديميات عسكرية بألمانيا. وقال أحد المعلقين إن لقاءات وفد المجلس العراقي مع كبار المسئولين الألمان تتفق مع مناسبة أعياد الميلاد إذ يتسابق كل طرف لتقديم الهدايا للآخر فألمانيا أعربت عن استعدادها للتنازل عن جزء من ديونها للعراق مقابل حصولها على دعم سياسي لمشاركة شركات ألمانية في عملية إعادة التعمير.

طبعا دارت أسئلة الصحافيين على موضوع محاكمة صدام حسين وموقف المجلس من عقوبة الإعدام وقال الحكيم إن المحاكمة ستجرى أمام محكمة عراقية ووفقا للقوانين الدولية لكن المعلقين هنا يعتقدون أن نتيجة محاكمة صدام لن تكون مفاجأة في ظل مجلس الحكم الذي يرغب أعضاؤه بالانتقام من صدام: الإعدام ونشر صورة جثته كي يصدق الشعب العراقي أنه مات حقا. ثم جاء صوت طالباني في مداخلة فاجأت الحكيم وقال إنه تم تجميد عقوبة الإعدام حاليا في العراق وأوضح عدم وجود موقف مشترك بين أعضاء مجلس الحكم عن عقوبة الإعدام في المستقبل ثم قال وزير خارجية ألمانيا مختتما النقاش عن مسألة الخلاف الوحيدة بين الجانبين: موقف بلادنا من عقوبة الإعدام معروف فنحن نرفضها. ثم عاد الجانبان للحديث عن المواقف المشتركة وأبرزها رغبتهما في استعادة العراق سيادته بأسرع وقت ممكن وحصول حكومة شرعية على السلطة كما عبر الوفد العراقي عن رغبته بعودة الأمم المتحدة لممارسة نشاطاتها في العراق بعد فرار موظفيها عقب الهجوم الذي استهدف مقرها في بغداد ووعد فيشر الضيوف العراقيين بأن يبذل قصارى جهده لإقناع الأمم المتحدة بالعودة إلى العراق... ثم اختتم طالباني المؤتمر الصحافي بالإشارة إلى عدم رغبة وفد مجلس الحكم بإطالة الوقت لأن رجلا مهما مثل فيشر أمامه مواعيد مهمة وانسحب أعضاء الوفد واحدا بعد الآخر كل رسم ابتسامة رضا على فمه

العدد 471 - السبت 20 ديسمبر 2003م الموافق 25 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً