زار كوفي عنان (65 عاما) برلين خلال الأسبوع الماضي حيث أجرى محادثات مع كبار المسئولين الألمان تناولت بصورة رئيسية الوضع في العراق بالنظر إلى تطابق موقف الهيئة الدولية والحكومة الألمانية تجاه مرحلة ما بعد الحرب ونظرتهما الناقدة المشتركة لمبدأ إدارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش بالعمل بسياسة الحروب الوقائية. وأدلى عنان بحديث مهم لمجلة «دير شبيغل» خلال وجوده في العاصمة الألمانية، ونشير إلى أن اللقاء كان قبل اعتقال الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وهذا نصه:
قالت الولايات المتحدة إنها مستعدة لحصول الأمم المتحدة على دور مهم في العراق المحتل، هل ستستجيبون لهذه الرغبة؟
- نعم، نحن نريد القيام بدور في العراق لكن الوضع الأمني معقد، ما يحول دون أن أتحمل مسئولية عودة موظفي الأمم المتحدة إلى بغداد.
المكان الذي كان مسرحا لتفجير استهدف مقر منظمتكم وأسفر عن مقتل مبعوثكم الشخصي دو ميللو...
- التفجير بحد ذاته كان مأساة فادحة. لقد خسرنا صديقا رائعا وأحد أفضل زملائنا. لقد أوجزت للتو تقريرا إلى مجلس الأمن الدولي عن كيفية تعاملنا مع الوضع في العراق. سيعمل فريق برئاسة المبعوث روس ماونتين في متابعة مهماتنا في العراق من نيقوسيا وعمان وسيزور ماونتين بغداد كلما دعت الحاجة وذلك حتى يسمح الوضع الأمني بعودتنا إلى بغداد.
ألا تجدون أنه من الصعب توصلكم إلى نتائج معتبرة في العملية الانتقالية التي يشهدها العراق من خلال اتباعكم سياسة الرحلات الدبلوماسية؟
- أعتقد أنه بالوسع التوصل إلى الكثير، وخصوصا إذا نجحنا في تنسيق جهودنا مع الأشخاص الذين يقدمون المساعدات داخل العراق. عدا عن هذا فإننا نرحب في كل وقت باستقبال مسئولين رسميين من العراق.
قبل حرب العراق لم يكن لدى الأميركيين اهتمام بالتعاون مع الأمم المتحدة، فلماذا تريد الهيئة الدولية الآن إزالة الركام الذي تسبب به الأميركيون؟
- إن الوضع في العراق يثير القلق لدينا جميعا. إن انتشار الفوضى في هذا البلد لا يشكل تهديدا للسلام في المنطقة فقط بل ربما في العالم بأسره. لهذا نحن جميعا مدعوون إلى المساهمة في تحقيق الاستقرار في العراق ولا أحد ينبغي عليه الوقوف في صف المتفرجين.
في هذه المرحلة تعتزم وزارة الدفاع الأميركية معاقبة شركات من ألمانيا وفرنسا وروسيا بعدم الحصول على عقود في العراق...
- هذا قرار غير موفق. ينبغي علينا تجنب مواصلة الانقسام وجمع جهودنا لمواجهة تحديات إعادة التعمير.
ما هي الشروط التي تضعها الأمم المتحدة مقابل قيامها بدور في العراق؟
- أود أن أشير أولا إلى أننا نعمل داخل العراق من خلال موظفين محليين وعدد من منظمات المساعدة الدولية وهؤلاء يقومون بعمل تاريخي. كما قلت فإن عودة فرقنا الدولية مرهون إلى حد كبير بالوضع الأمني.
ليس من المنتظر أن يتحسن هذا الوضع في القريب العاجل لأن رئيس الإدارة في العراق بول بريمر يتوقع ازدياد الهجمات حتى لو نجحت قوى التحالف في إلقاء القبض على صدام حسين...
- إن تحليلاتنا أيضا تشير إلى احتمال زيادة أعمال العنف. على كل حال فإن مساهمة الأمم المتحدة ستكون أمرا مجديا إذا نجحنا في تشكيل حكومة مؤقتة وواكبنا عملية نشر الديمقراطية من خلال تنظيم الانتخابات ووضع دستور. إن نهاية الاحتلال ستعجل بهذه العملية بصورة أكثر فاعلية وخصوصا تراجع نشاط المقاومة المسلحة.
ألا تتصورون أن حضورا قويا للمجتمع الدولي من شأنه أن يحقق الأمن بصورة أكبر داخل العراق لأن الأميركيين لن يظهروا بعد ذلك في دور المحتلين؟
- ليس من الواقعية نشر قوات القبعات الزرق في العراق. فهذا يفوق طاقاتنا في الوقت الحالي. لكننا نعرف أن العراق سيحتاج إلى مساعدات عسكرية في السنوات المقبلة. وينبغي أن تحصل حكومة عراقية جديدة على الشعور بأن العالم يقف إلى جانب العراق في محنته وهذا ليس فقط مطلب الولايات المتحدة وقوى التحالف بل مطلب كثير من دول العالم.
في العام 1997 حين تسلمتم منصبكم اتهمكم كثيرون بأنكم موالون للولايات المتحدة وتبدون اليوم بصورة شخص مناهض للقوة العظمى...
- إنني لم أصمت عن التعبير عن رأيي وعبرت بصراحة عما يدور في رأسي فأنا في نهاية المطاف الأمين العام للأمم المتحدة.
الملاحظ أنكم منذ حرب العراق وأنتم توجهون انتقادات للولايات المتحدة وزادت حدة هذه الانتقادات بعد مقتل أطفال أفغان نتيجة غارات طائرات أميركية فالحرب المناهضة للإرهاب لا يمكن كسبها على حساب الأبرياء...
- هناك بعض الأمور التي ينبغي عدم السكوت عليها...
مثل منح إدارة بوش نفسها حق استخدام القوة العسكرية الوقائية وبهذا تخرق القانون الدولي الذي تقوم عليه مبادئ الأمم المتحدة منذ نصف قرن...
- نعم، لقد أوضحت موقفي وعبرت عن مواقف مجموعة كبيرة من دول العالم بأن القيام بحروب وقائية يثير قلقنا وإذا سعت دول أخرى إلى العمل بهذا الأسلوب فستسود العالم شريعة الغاب. خلال الـ 58 سنة الماضية قبلنا جميعا بشرعية استخدام القوة وذلك في حالتين فقط: الدفاع عن النفس، أي في حال تعرض دولة لهجوم أو في حال وجد مجلس الأمن الدولي تهديدا يحدق بالأمن العالمي مثلما حدث في حرب الخليج في العام 90 /91 بعد أن احتل العراق أراضي الكويت. يريد البعض منا الآن إعادة النظر في مبدأ استخدام القوة حتى لو لم تتضح حقيقة وجود خطر، وأعتقد أن هذا يقود إلى تطور خطير.
في حال وقعت أسلحة للدمار الشامل بأيدي إرهابيين (كما يشيع الأميركيون) ينبغي أن يكون المرء على أتم الاستعداد لمواجهتهم وهذا ما لا تقدر عليه المنظمة الدولية...
- إنني أرى أن هناك حاجة ماسة إلى تقوية الأمم المتحدة ودعم قدرتها على سرعة التحرك والتصرف. يتعين علينا في الواقع أن نسأل أنفسنا: كيف يمكننا التصرف كمجتمع دولي حيال هذا الموقف؟ وكيف يمكن أن تتفق القوانين التي مازالت سارية حتى اليوم في هذا السياق؟
هل يحز في نفسك أن الولايات المتحدة تستخدم الأمم المتحدة أداة عند الطلب وتتصرف بعد ذلك وكأنها تمقتها؟
- إنني متمسك بالرأي أن الأمم المتحدة منظمة بالغة الأهمية لدول العالم. الولايات المتحدة بحاجة إلى الأمم المتحدة مثلما الأمم المتحدة بحاجة إلى الولايات المتحدة. ونحن نريد الولايات المتحدة عضوا مهما لكن نرفض قيامها بدور العازف المنفرد. ينبغي علينا أن ندرك أنه في هذا العالم هناك ما يسمى مصالح قومية لكن هناك أيضا مصالح جماعية. حتى لو قالت الولايات المتحدة إن الأمم المتحدة منظمة عاجزة فهناك مجموعة كبيرة من الدول لا ترغب في نهاية دور مجلس الأمن الدولي كمنبر لحل النزاعات الدولية. الإدارة الحالية في واشنطن لها نظرة مغايرة تجاه الأمم المتحدة مقارنة بالإدارات الأميركية السابقة ونريد العمل معها لوضع نهاية لتوتر العلاقات معها
العدد 472 - الأحد 21 ديسمبر 2003م الموافق 26 شوال 1424هـ