العدد 2340 - السبت 31 يناير 2009م الموافق 04 صفر 1430هـ

من «شط العرب» إلى «بحر العرب»... البيت الخليجي خالٍ من النزاعات الحدودية

نزاعات الحدود بين دول مجلس التعاون لم تعد خبرا صحافيا ولا موضوعا يستدعي استنفار الإعلام والأقلام... أمس وأعني بداية الشهر الجاري أغلقت السعودية ملف الحدود مع قطر بتوقيع اتفاقية بينهما بعد التوقيع على كل الخرائط ووضع العلاقات ووتعيينها بالنسبة للبر والبحر... هذا الحدث لم يستحق من الميديا العربية أي تعليق أو وقفة، وأقصى ما قدم أن وضع الخبر في ذيل الصفحات الدولية مع أحداث كشمير.

قد يكون هذا التصرف «طبيعيا» في عالم الصحافة والفضائيات التي تلهث وراء الحدث الساخن والملتهب لكن الموضوع يشكل دلالة ذات معنى ومغزى سياسي في غاية الأهمية، هو بالنسبة لمنطقة مثل بلدان الخليج العربي يعتبر ذو شأن استراتيجي رسم معالم جديدة في خريطة النزاعات.

في نهاية العام 2008 أنهت دول الخليج العربي ملفاتها الحدودية بعد عقود من النزاعات وصراع بمقدورها الآن أن تضع هذا الملف وراء ظهرها لأنه لم يعد المحرك ولا السبب في قطع العلاقات الدبلوماسية وخلق معارك إعلامية وسياسية أو استنفار الجيوش على الحدود المشتركة فبوابات الحدود أصبحت مشرعة وسالكة في الاتجاهين... مشكلة النزاعات الحدودية في بلدان المنطقة الخليجية من أكثر النزاعات حساسية والتي أدت في أحيان كثيرة إلى معارك عسكرية وقيام حروب، فحرب العراق مع إيران العام 1980 أشعلها صدام حسين بسبب اتفاقية شط العرب الذي قام هو بالتوقيع عليها وشعر فيما بعد أنها لم تكن لمصلحته فانقلب على ظهره ووجه مدافعه باتجاه إيران وهي حرب دامت ثمان سنوات لم تعط صدام سنتيمترا واحدا من الأراض ولا من شط العرب وإحتلال العراق لدولة الكويت العام 1990 انتهى بالتحرير وتحديد وترسيم الحدود بين الدولتين من قبل مجلس الأمن وهو قرار تاريخي لما يعنيه من حل على الأرض بعد سلسلة من النكبات والمآسي.

بإمكان بلدان مجلس التعاون الخليجي اليوم القول إن البيت الخليجي صار محصنا من الهزات الحدودية وهو في مأمن عنها بعد إقدام الدول الست على تسوية ملفاتها الحدودية خلال السنوات الـ15 الأخيرة.

فالحدود بين الكويت والعراق وهي أم المشكلات في المنطقة انتهت إلى غير رجعة وإن احتاجت إلى ما يعرف بتثبيت العلامات الحدودية وبشكل أدق إلى «صيانتها» وهي مسائل فنية يمكن معالجتها بالطرق الدبلوماسية وهذا ما قامت به الأمم المتحدة في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2008 تنفيذا لقرار مجلس الأمن رقم 833 لعام 1993.

وفي شهر يوليو/ تموز 2008 أقدمت دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان بالتوقيع على 51 خريطة تفصيلية وثلاث قوائم إحداثيات نهائية للحدود بين الدولتين استكمالا للإتفاقية الموقعة العام 2002 بشأن تحديد الحدود الممتدة من شرق «العقيدات» إلى «الدارة» على البحر... والمعروف أن الحدود بين البلدين متداخلة بشكل يصعب على المراقب «فهمها» لما فيها من مطبات وقنابل موقوتة وأقرب مثال على ذلك ما هو موجود في منطقة «العين» التابعة لإمارة أبوظبي وتداخل مناطق عمانية فيها، فولاية البريمي ونظرا لقربها من مدينة «العين» فأنها تتشابه في كثير من الشواهد والحياة المعيشية لكنها تفترق عنها بالاسم ورفع العلم وهذا ما يظهر بوضوح في حالة إغلاق أي منفذ بين المنطقتين كما جرى في شهر يوليو 2008 عندما أعيد فتح المنافذ الثلاثة «المضيف» و»الهيلي» و»خطم الشكلة» بعد 6 أيام من إغلاقه لأسباب تنظيمية تتعلق بمحاربة المتسللين وغيرهم وانعكس إيجابا وفرحا عند مواطني الدولتين.

بين الكويت والسعودية انتهى الخلاف والموضوع حُسم ولم يبق سوى موضوع آبار الغاز شمال منطقة الخليج يجري حوار بشأنه بين كل في الكويت والسعودية وإيران والحقول الأخرى مثل حقل الدره في مياه البحر.

ما بين البحرين وقطر في تاريخ النزاع على جزر «حوار» وتوابعها ما لم يصنعه الحداد مشكلة تراكمت عليها الخلافات وانتقلت إلى الشعوب وضربت أوصال القرابة في العمق لدرجة أن لاعبي الفريقين في كرة القدم إذا تواجها في مباراة دولية أو إقليمية كانت شعوب المنطقة تحبس أنفاسها خوفا من المواجهة إلى أن احتكم الطرفان إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي وأصدرت حكمها النهائي وسويت المشكلة وعاد البلدان «حبايب» وشرعا في إقامة عدد من المشاريع المشتركة الاقتصادية وأهمها «جسر المحبة» الذي يربط الدولتين.

من المشكلات العويصة والمؤلمة التي أرخت بظلالها على علاقة اليمن مع السعودية هي مشكلة الحدود التي استنزفت الكثير من الخلافات والوقت والمال والصراعات، لكنها سويت أولا بقرار من الكبار وقناعتهم أن الحل بالتراضي أفضل بكثير من إبقاء الحدود مشتعلة وجاهزة لأي تصعيد أو مواجهة فكان العام 1998 نقطة التقاء بين الدولتين وهذا ما انسحب على علاقة اليمن بجيرانها والتي هي الأخرى سوت مشكلتها الحدودية مع عمان عندما وضعت حجر الأساس لأول منفذ حدودي «شحن - الغيظة» وهوالطريق الوحيد الذي يربط الدولتين وطوله 246 كلم.

المتأمل لخريطة الحدود في منطقة الخليج العربي يصاب بالذهول والصدمة لما فيها من صعوبات وتداخلات رسمت أيام الاستعمار البريطاني والاستعمارات التي حلت في المنطقة من قبل، وكانت سببا مباشرا وسهلا لقيام العداوات وامتشاق السيوف بين أهل البيت الواحد، عمليا وعلى الأرض ومنذ الخمسينيات كانت النزاعات على الحدود من أهم الأسباب في عدم الاستقرار السياسي المتواصل... ومن أهم الأسباب بقيام تحالفات وتكتلات بين هذه الدولة أو تلك وتحولت إلى مادة خصبة لتوتير الخلافات ولصب الزيت على النار فكان يكفي أن تتجه السعودية نحو بريطانيا لتقدم قطر في الليلة الثانية بالتوجه نحو باريس أو موسكو.

الصورة اختلفت عما كانت عليه قبل 15 عاما تقريبا، اليوم قطر والسعودية بينهما علاقات متكافئة وطيبة، وبين الإمارات وعمان حالة من التفهم والود والاحترام، وبين السعودية واليمن لا شيء يعكر صفو الحال، وبين الكويت والعراق اعتراف واحترام لحدود وسيادة البلدين... وبين قطر والبحرين زيارات على جميع المستويات وتعاون جدي ومشترك في كل القطاعات، إذن صورة لن تقول عنها إنها وردية، بل طبيعية وتبشر بعصر جديد، عنوانه مزيد من «التعاون» و»الود» وإن بقيت هناك عدد من النقاط في مسألة الحدود المعلقة لكنها تسير بإتجاه الحل ووضع اللمسات الفنية عليها من قبل خبراء متخصصين لحقول النفط والغاز بين الكويت والسعودية وإيران أو بين نقطة الالتقاء الثلاثي بين دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية في منطقة «أم الزمول»...

وضعت السواتر وأقيمت حدود مسورة وباتت الإحداثيات على الأرض وصار اللعب بالخرائط من المحرمات والممنوعات بعد التسويات النهائية للحدود المتداخلة والمفتوحة... أخبار سعيدة، من شط العرب إلى بحر العرب تبقى الجبهة المشرقية وتحديدا بين لبنان وسورية في موضوع ترسيم الحدود بعد الاعتراف الدبلوماسي وإقامة السفارات الجرح النازف الذي ينتظر مداواته وإغلاق فتحاته التي دفع ثمنها البلدان الجاران... فخمسون أو ستون سنة من العذابات بين هذه الدول يكفي فالشعوب تحتاج لما هو في مصلحة استقرارها وتعليمها وضمان مستقبلها

العدد 2340 - السبت 31 يناير 2009م الموافق 04 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً