العدد 2669 - السبت 26 ديسمبر 2009م الموافق 09 محرم 1431هـ

غرب العالم الإسلامي... وشريط الأزمات

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ملفات غرب العالم الإسلامي في العام 2010 لا تقل أهمية في خطورتها عن شرق العالم الإسلامي. فالشرق الذي يشهد منذ تسعينات القرن الماضي تحولات دائمة أدت إلى تشكيل قوس من الأزمات يمتد من باكستان إلى العراق دخل الآن في طور تعديل التوزانات الإقليمية والخريطة السياسية الأمر الذي سيترك تأثيره على المحيط الجغرافي ودول الجوار. وبهذا المعنى يمكن توقع الكثير من الاستحقاقات في غرب العالم الإسلامي في العام المقبل نتيجة انتفاخ الأزمات وتورمها في الشرق وانتقالها الفوضوي إلى خط موازٍ من المشكلات تطاول الساحل الشرقي من القارة الإفريقية صعودا إلى اريتريا والسودان ومداخل البحر الأحمر من بابيه: السويس وعدن.

مشكلة الصومال قديمة وهي تأسست على قاعدة استبداد السلطة وصولا إلى انهيار الدولة في التسعينات ونهوض بدائل قبلية أخذت تستولي على مساحات جغرافية تتناسب مع نفوذها ومجالها الحيوي. وساهم هذا التشطير القبلي في غياب القوة المركزية وتأسيس مراكز قوى خاصة على هامش الصومال وأطرافه.

مشكلة الصومال لم تتوقف عند حد الانقسامات القبائلية وإنما تطورت لتنشأ من جوفها حركات سياسية متشددة في توجهاتها الايديولوجية أخذت تتنافس على فرض سلطتها المركزية مستفيدة من الفراغات الأمنية التي تولدت عن غياب الدولة وضمورها التاريخي. والتطرف الذي تشهده ساحة الصومال يعتبر خطوة طبيعية للرد على الفوضى وتلبية حاجة الناس للأمن والاستقرار. وعدم قدرة القبيلة في تأمين فضاءات تفتح المجال لعودة الحياة العادية إلى وضعها السابق أعطى فرصة للحركة الإسلامية (الأهلية) في النمو السياسي وتشكيل شبكة من العلاقات تتجاوز حدود كونفدرالية القبائل. وترافق نمو الحركة الإسلامية في الصومال مع تصاعد آليات الفوضى وتصدير فائضها إلى الجوار والبحار سواء بتسرب مجموعات مسلحة إلى المحيط الجغرافي أو من خلال القرصنة وفرض الخوة على السفن وإرباك خطوط التجارة العالمية.

الصومال يشكل في نموذجه الراهن ذاك الطور المتخلف في السياسة الذي يمكن أن تصل إليه الدول الواقعة على الشريط الساحلي من الصومال إلى اريتريا والسودان في حال استمرت العلاقات بين الدولة والقبيلة في الاضطراب. والمشكلة التي يعاني منها الصومال منذ نحو العقدين قد تصبح صورة نموذجية قابلة للتصدير إلى المحيط الجغرافي ودول الجوار بسبب تشابه ظروف وبيئات التكوين السكاني - الاجتماعي للكيانات السياسية التي تتألف منها السلطات المركزية في اليمن واريتريا والسودان. فهذه الدول مركبة من جغرافيات تتعايش في جوفها وأطرافها القبائل وتتساكن ضمن الحد الأدنى من التوازن الذي يمنع النخب السياسية من التهور والانزلاق نحو تصادمات أهلية.

المشكلة في هذا النوع من «السلم الأهلي» طبيعته الهشة وعدم قدرته على التكيف مع المتغيرات والتحولات ما ينذر دائما بالانهيار والانقسام في حال وصلت الدولة إلى درجة قصوى من الإنهاك وعدم القدرة على ضبط التوازن بين المركز والأطراف وتلبية حاجات الهامش من متطلبات تضمن النمو والتنمية.

النموذج الصومالي

النموذج الصومالي المتخلف جاهز للتصدير (الانتفاخ والانتقال) لأن محيطه الجغرافي متشابه في تكويناته وقابل للاشتعال في حال توافرت الظروف وغابت الدولة عن المشهد السياسي. والسودان في هذا الإطار الديموغرافي - السوسيولوجي ليس بعيدا عن التورط في المثال الصومال في حال تواصل التجاذب القبلي - اللوني - المناطقي بين المركز والأطراف وتراجعت الدولة عن القيام بوظائفها ودورها في ربط شبكات ولايات الشمال بالجنوب والشرق بالغرب.

السودان على موعد الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب. والموعد قد يكون مناسبة لإعادة ترسيم الجغرافيا السياسية للقبائل وموقع كل قبيلة في المعادلة التي يمكن أن تنشأ في حال جاءت نتيجة التصويت لمصلحة الانفصال. فالانفصال في بلد قبلي ليس بالضرورة حلا لأنه ينقل المشكلة من إطار الوحدة مع الشمال إلى دائرة الانقسام الأهلي في داخل الجنوب. الجنوب السوداني ليس موحدا لا في تكوينه الديني أو تركيبته القبلية أو توزع قواه (النخب) جغرافيا. وانهيار الدولة فيه قد يؤدي إلى تفككه إلى وحدات فدرالية تتناحر على الغنيمة ومصادر الثروة ومساقط المياه. وما حصل في شرق العالم الإسلامي من انهيارات سياسية قبلية أو طائفية أو أقوامية بعد غياب الدولة في أفغانستان والعراق يمكن أن يتكرر في حالات متقاربة في غرب العالم الإسلامي وتحديدا في منطقة القرن الإفريقي.

جغرافيا القرن الإفريقي ممتدة بشريا وهي لا تقتصر على ذاك النتوء الطبيعي في الساحل الشرقي للقارة وإنما تتوسع إلى الداخل صعودا إلى حوض البحيرات ومنابع النيل وهبوطا إلى السودان وذاك الشريان الحيوي الذي يحتضن مئات القبائل والأقوام المنتشرة على ضفافه وسهوبه باتجاه الشمال.

تشكل هذه المساحة الجغرافية - المائية ساحة سياسية للاصطراع في حال دخلت المنطقة في طور تقوض الدول وغيابها عن المشهد التقليدي. غروب الدولة عن المسرح التاريخي يعني آليا شروق دور القبائل ونمو نفوذها الموضعي لتعبئة الفراغ الأمني الناجم عن انهيار المركز وتبعثر قواه إلى مراكز متنافسة تقودها تلك الشريحة من النخب في مختلف المناطق. والمثال العراقي الذي يشكل خطوة متقدمة قياسا بظروف القرن الإفريقي يعطي فكرة نموذجية عن الانهيارات المتوقع حصولها في السودان وجواره في لحظة غياب الدولة وتراجع المركز وانقضاض الأطراف على الغنيمة. فالعراق المتقدم نسبيا في تكوينه الاجتماعي والاقتصادي والتنموي لم ينجح في ظل مظلة الاحتلال الأميركي في إعادة توليف شبكاته السياسية في دائرة مركزية واحدة بعد أن شهدت ساحته الأهلية انهيار الدولة وغيابها عن المسرح التاريخي. والقرن الإفريقي المتراجع نسبيا في مختلف القطاعات عن العراق سيكون مصيره أسوأ من ذاك المشهد المريع في بلاد الرافدين.

غرب العالم الإسلامي ليس أفضل حالا من شرقة. وقانون التقويض الذي زعزع التوازن وأنهى عصر الدولة المركزية (المستبدة) لمصلحة عصر القبائل (الهامش والأطراف) في قوس الأزمات من باكستان وأفغانستان إلى العراق سيكون أعنف في حال انتفخت الأزمات وامتدت إلى ذاك الشريط من القبائل المتجاورة والمتساكنة في القرن الإفريقي والساحل الشرقي للقارة وامتداده الجغرافي - البشري إلى حوض النيل ومجراه المائي من الجنوب إلى الشمال

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2669 - السبت 26 ديسمبر 2009م الموافق 09 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً