العدد 2341 - الأحد 01 فبراير 2009م الموافق 05 صفر 1430هـ

أما آن لهذا النزف أن يتوقف؟

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من جديد عاد التوتر إلى ساحة العمل السياسي البحرينية، وكأنما أصبح قدر هذا الشعب أن يدفع، بين فترة هدوء وأخرى غالبا ما تكون قصيرة، ثمن دوامة من التوتر تصحبها الاعتقالات وتبادل الاتهامات. ينعكس ذلك التوتر سلبا على العلاقات الاجتماعية بين المواطنين، ويشوبه في الكثير من الحالات، كالتي نشهدها اليوم، مظاهر لتأزمات حادة تتبلور في شكل احتقانات سياسية من الصعوبة بمكان التكهن بمآلها، أوالنهايات التي ستنقاد إليها. ولربما يتوهم البعض أن إلصاق التهمة بهذه الفئة أو تلك تحل المشكلات التي تندلع نيرانها خلال فترات الاحتقان هذه.

ولابد قبل تناول هذه الاحتقانات التأكيد على خطأ المقولات التي تدعي، أن تردي الأوضاع في البلاد مصدرها الجذور الطائفية، محاولا إلقاء التهم، جزافا، على هذه الطائفة أو تلك. فبقدر ما يمكن لمن يتبنى هذا الطرح، أن يسوق من الأمثلة والحالات التي تثبت صحة ما يذهب إليه، بوسع تاريخ البحرين، على امتداد عقود من الزمان، أن يدحض هذه الإدعاءات، وأن يروي تاريخا مختلفا يدلل فيه على تعايش الطوائف، إن لم يكن الأديان تحت سقف واحد على أرض البحرين، وأن أية خلافات طائفية أو دينية اندلعت في هذه الفترة أو تلك، لم تكن حدودها تتجاوز الخلافات المناطقية، إلا حينما تقف وراءها قوى خارجية، وفي حالات معينة قوى محلية، لها مصالح ملموسة في إذكاء تلك الخلافات وتحويلها إلى صراعات مذهبية أولا، وتطويرها في مراحل لاحقة كي تلبس لبوس الصراعات السياسية الأوسع نطاقا، والأكثر صعوبة على الاحتواء أو التوصل إلى حلول بشأنها.

واليوم، ودون الدخول في التفاصيل، أوسرد الأسماء، لأن من شأن ذلك أن يزيد من شدة الاحتقان الطائفي، ويؤجج رياح الفتنة، نجد أن الوضع السياسي يكاد أن يصل إلى طريق مسدودة. ولا ندعي أن إعادة الأمور إلى نصابها بالمسألة الهينة، بمعنى إعادة القوى السياسية كافة كي تعمل تحت مضلة ما جاءت به مبادرة الميثاق الوطني ومن بعدها الدستور. لكن بالمقابل، وبالمنطق ذاته، لنجد أن الأمور مستحيلة وأن استمرار السير في هذا النفق المظلم أمرا مقبولا أو قدرا محتما.

نقطة الإنطلاق هنا، هي أن تقتنع وتلتزم جميع القوى المتواجدة على ملعب العمل السياسي البحريني بممارسة أنشطتها تحت تلك المظلة ولا تسمح لنفسها بالخروج عليها أو من تحتها. ولكي لايفهم كلامنا خطأ، فالحديث عن «القوى السياسي»، يعني أننا لاينبغي أن نحصر أنفسنا في نطاق المعارضة فحسب. فالمقصود بالقوى السياسية هنا جميع المؤسسات ذات العلاقة المباشرة أوحى غير المباشرة بالعمل السياسي، وفي مقدمتها مؤسسات الدولة والسلطات التشريعية.

وبما أننا نتحدث عن تأكيد حسن النوايا، فمن المحتم علينا أن نبدأ بمؤسسات الدولة، فهي صاحبة اليد الطولى في رسم معالما لعلاقات السياسية في كل مرحلة من مراحل العمل السياسي. من المتوقع، وفي إطار روح الميثاق والدستور المعمول به، أن تتوخى مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها تلك الضالعة في قضايا الأمن، الحرص الشديد في كل خطوة من خطواتها، عليها أن تتصرف وكأنها تسير في حقل من الألغام الذي يمكن أن يؤدي أي خطأ، مهما كان طفيفا، في انفجار أحد تلك الألغام وتدمير كل السائرين في الساحة. الحيطة والحذر لاتعني هنا وبأس شكل من الأشكال التراخي في تطبيق القانون أو التساهل في معاقبة الجاني، على أن تتم كل الخطوات، بما فيها تلك الخطوات التفصيلية، وفقا لروح الدستور، وفي نطاق التأسيس لمملكة دستورية كما جاءت في الخطوة الإصلاحية التي قادها جلالة الملك.

ولاينحصر الأمر في مؤسسات الدولة فقط، بل تمتد الأمور كي تشمل المعارضة بمختلف أجنحتها وفصائلها، والتي هي الأخرى، مطالبة أكثر من سواها بالتصرف وفق تلك الأطر الدستورية أيضا، وألا تنساق عاطفيا وراء مشاعر الشارع التي قد تقود، في أحيان كثيرة، إلى توليد عناصر لم تكن موجودة لتأجيج نيران الاحتقان الطاائفي. المطلوب من المعارضة اليوم أن تشكل فريقا رياديا وطليعيا بالمعنيين السياسي والتنطيمي لكلمة المعارضة، بدلا من أن تسير في دبر الشارع، وتستجيب لبعض المطالب الآنية التكتيكية، ذات النفس القصير والرؤية الضيقة التي يمكن أن تجردها تمما من القدرة على التركيز على القضايا الإستراتيجية الكبرى.

ويمتد الأمر كي يشمل المؤسسات المدنية وفي مقدمتها المؤسسات الحقوقية التي عليها، كي تضمن مصداقيتها وحضورها، ومن ثم تأثيرها الفعال، أن تبتعد هي الأخرى عن الإنزلاق في بحر العمل السياسي اليومي المتلاطم، وترفض الاستجابة للمهيجات السياسية، وتحصر نفسها في مراقبة تقيد الجميع، وعلى وجه الخصوص مؤسسات الدولة، بقيم حقوق الإنسان وحريات التعبير، وما شاكلها من أساسيات بناء مجتمع مدني معاصر ترفرف عليه أعلام الحرية والديمقراطية بكل أشكالها.

تكامل تقيد هذه الفئات الثلاث بمقاييس العمل السياسي الدستوري من شأنها أن تجنب البحرين الكثير من آلام مخاض بناء مجتمع ديمقراطي، وتعين المواطن على تجنب ضرائب باهضة، قد تؤدي، في نهاية المطاف، إلى كفره بفوائد المجتمع الديمقراطي الذي أدى إلى فتح جرح عميق في جسم هذا المواطن، لايزال ينزف، في وقت هو في أمس الحاجة لمن يساعده على وقف هذا النزيف

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2341 - الأحد 01 فبراير 2009م الموافق 05 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً