العدد 2671 - الإثنين 28 ديسمبر 2009م الموافق 11 محرم 1431هـ

ولكن غزة لا بواكي لها!!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

ومضى عام على مجزرة غزة، شرق فيه البعض وغرب لكن واقع الحال ازداد سوءا!! اجتمع القوم هنا وهناك، تحدثوا عن الإرهاب الصهيوني بخطب عصماء لكن الحال لم يتغير!! وعود كثيرة انطلقت من أفواههم، غزة يجب أن يعاد إعمارها... المعابر كلها يجب أن تفتح... الصهاينة المجرمون ينبغي ملاحقتهم في كل مكان... الغذاء والدواء يجب أن لا ينقطع أبدا... و... و... لكن شيئا من كل زمن لم يحدث... بل إن الحال ازداد سوءا والقوم كلهم يتفرجون!!

لماذا يحدث كل ذلك لأهل غزة؟! ولماذا يتحد البعض مع «إسرائيل» لحصار هذه المدينة... حصار لم يسبق له مثيل في التاريخ!! حصار من كل اتجاه، من العدو ومن الصديق!! وكأني بأهل تلك المدينة المنكوبة يرددون:

ولو كان سهما واحدا لاتقيته ولكنه سهم وثانٍ وثالث

كان ألمهم عظيما وهم يشاهدون جدارا فولاذيا بدأ يحيط بهم إحاطة السوار بالمعصم... وممن!! من أقرب الناس إليهم... وممن كانوا يتطلعون إلى نصرته... بدأ بعضهم يردد: حتى أنت يا بروتيوس!! أي والله حتى «بروتيوس» بدأ يخنقهم وبدون رحمة!!

وأعجب إن شئت من حال هذه الأمة التي فشلت في معظم شئونها ولم تفلح إلا في ابتكار الوسائل التي تفرق بينها!! ومع ذلك فهم يتحدثون عن وحدة عربية... وعن لغة تجمعهم... ودين يوحدهم!!

العالم كله كسر الحدود والقيود... هدم الجدران والأسوار التي تمزق وحدته... اتحد الأوروبيون رغم ملايين القتلى الذين ماتوا بسبب الحروب التي بينهم... سقط جدار برلين... هدمت كل معالم الوحشية عندهم... لكننا - نحن العرب المسلمين - مازلنا نتحارب ويلعن بعضنا بعضا بمناسبة وبدونها!!

العراق يبني جدارا بينه وبين سوريا بحجة تأمين حدوده من الإرهابيين... لكن هذا العراق المنكوب مسلم أمره لغزاته، ومازال يأتمر بأمرهم، وكأنهم ليسوا إرهابيين! تناسى آلاف القتلى وملايين الجرحى والمشردين، واكتفى ببناء سور بينه وبين سوريا!!

ثم جاءت الطامة الكبرى مع السور المصري الحديث!! مصر تبني سورا بينها وبين غزة... مصر تريد أن تحمي حدودها المتاخمة لغزة فكان لابد من هذا الجدار الحديدي... مصر تخاف من الانفاق وما يجري فيها فكان لابد من هدمها والقضاء عليها بكل الوسائل!!

من يصدق ذلك - أو بعضه -!! أصيب عقلي بالشلل مع بداية الحدث، وكم تمنيت أن يكون ما سمعته حلما مزعجا، لكنه - للأسف - كان واقعا مؤلما.

من سيصدق الرواية المصرية عن أسباب بناء هذا الجدار؟! من سيصدق أن مصر تخشى من غزة؟ من سيصدق أن الأنفاق تشكل خطرا - من أي نوع - على مصر؟!

ولأنني أحب مصر وأهلها تمنيت أن لا يتحدث المصريون - الرسميون - بتلك الطريقة المزعجة!! سأفترض جدلا أن غزة عدوة لمصر - وهي ليست كذلك - فهل تخشاها مصر حتى تضع بينهما جدارا؟! مصر بحجمها وشعبها تخاف من «قطاع» صغير جائع؟! أليس هذا طعن في قدرة مصر وأهلها!! ثم ماذا يجري في الأنفاق؟! ولماذا حفر الغزاويون أنفاقهم ومات بسببها الكثيرون؟! ألا يعرف الرسميون المصريون الأسباب الحقيقية؟! أجزم أنهم يعرفون ذلك، وأجزم أنهم يعرفون أنها لا تشكل أي ضرر عليهم!! ولكن - وبكل أسف - المعرفة شيء والمراد تطبيقه شيء آخر!!

من حق مصر أن تفعل داخل حدودها ما تشاء!! هكذا قالوا... وهذا صحيح... ولكن!! من حق مصر أن تفتح معبرها متى تشاء ولمن تشاء!! هكذا يردد البعض... وهذا صحيح أيضا... ولكن... ولكن!!

هل من حق مصر أن تحاصر شعبا وتجوعه وتمنع عنه الطعام والدواء والبناء؟! هل من حق مصر أن تضع نفسها على قدم المساواة مع الصهاينة وتطالب أهل غزة أن يتجهوا للمعابر الأخرى؟! هل العدو والصديق في مرتبة واحدة؟! وهل ترضى مصر بهذه المعادلة الجائرة!! شخصيا لا أرضاها لمصر... وشخصيا أتألم وأنا أسمع بعض المسئولين المصريين يتحدث بهذه الكيفية!!

مصر يجب أن يكون دورها أكبر وأعظم... مصر عملت الكثير ويجب أن لا تتوقف فهذا قدرها... فتح المعبر حق وبصورة دائمة... عيب أن يربط ذلك باتفاق لم يلتزم به الصهاينة... «إسرائيل» وحدها هي عدوة مصر الحقيقية مهما قيل غير ذلك!! «إسرائيل» وحدها هي التي تريد خنق غزة... وعيب على مصر أن تساعدها على ذلك مهما كانت الأسباب التي نسمع بها.

الرئاسة الفلسطينية لا تمانع - بل صرح بعضهم - بأهمية الجدار في خنق - حماس!! - وكأن الغزاويين كلهم حماس!! عيب على مصر أن تساعد تلك الرئاسة بهذه الطريقة!! أعرف أن كثيرا من الفعاليات المصرية رفضت ذلك الجدار، وعبرت عن رفضها بصراحة، وأعرف أن الشعب المصري طيب وصادق وحنون ولن يقبل بخنق جيرانه وقد دافع عنهم سنينا.

بعد مضي سنة على الجرائم الصهيونية في غزة... تحرك بعض الأوروبيين في الاتجاه الصحيح... صدر تقرير غولدستون... جاءت قوافل إغاثية من أوروبا، وصلت مرة، ومنعت مرات أخرى.

بعد مضي سنة على تلك النكبة لوحقت مجرمة الحرب «ليفني» في بريطانيا، وسمح لها بالسياحة في بعض بلادنا العربية.

الصهاينة يلاحقون هذا وذاك... يقتلون من يشاؤون في الضفة أو غزة... يصمت بعض العرب كما تصمت الرئاسة الفلسطينية... فالصوت لا يرتفع إلا على بعضهم بعضا.

غزة تحتاج إلى من يبكي من أجلها... فهل نجد لها من يفعل ذلك!!

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2671 - الإثنين 28 ديسمبر 2009م الموافق 11 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً