العدد 2673 - الأربعاء 30 ديسمبر 2009م الموافق 13 محرم 1431هـ

فتشوا البيت بحث عن النسخة الأصلية للعريضة الشعبية بالتوقيعات

أحمد الشملان - سيرة مناضل وتاريخ وطن (11)

صدر مؤخرا في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كتاب يتناول سيرة المناضل البحريني أحمد الشملان بعنوان «أحمد الشملان - سيرة مناضل وتاريخ وطن» من تأليف زوجة المناضل الشملان فوزية مطر. صدر الكتاب في 1024 صفحة من القطع الكبير، ويضم أحد عشر فصلا متبوعة بملحقي صور ووثائق.

لم تعد الجهة الرسمية في البحرين قادرة على تحمل نشاط أحمد الشملان المعارض وحراكه المطلبي المتواصل على كافة الأصعدة وكتاباته الصريحة والمباشرة، فرأت أن توقف كل ذلك باعتقاله. فجر الأربعاء 7 فبراير/ شباط 1996 تم اعتقال الشملان من بيته بعد تفتيشه وتفتيش مكتبه للمحاماة. يقول أحمد: «فتشوا البيت يبحثون عن النسخة الأصلية للعريضة الشعبية بالتوقيعات لكنها لم تكن بحوزتي لا في البيت ولا في المكتب».

وفي صبيحة اليوم التالي لاعتقال الشملان صدرت الصحف المحلية وعلى صفحاتها الأولى تصريح لمصدر أمني مسئول لُفقت فيه تهم فظيعة ضد الشملان ونشرت وهو بعد لم يُستكمل التحقيق معه ولم يدن بشيء كتهم التحريض على جرائم الحرق والتخريب، وإثارة وتحبيذ أعمال العنف والحرق والتخريب والتحريض على مواصلتها وتصعيدها والتورط في اتصالات وارتباطات مشبوهة بأطراف ومنظمات متطرفة وإرهابية خارجية معروفة.

وحول الأسباب الحقيقية التي اضطرت السلطة للإقدام على اعتقال أحمد الشملان تحدث أعضاء لجنة العريضة الشعبية وبعض القريبين منها عن أسباب الاعتقال، فقال إبراهيم كمال الدين: «أرجح أن السبب هو صلة أحمد الشملان بالخارج وكتاباته في الصحافة الخارجية، كان له صوت وكان يكتب، كما كان يعمل على ملفات كثيرة لقضايا المعتقلين». وقال المهندس سعيد العسبول: «حينما اعتقل الشيخ عبدالأمير الجمري هو ورفاقه الاعتقال الثاني التقيت مع أحمد الشملان في مكتبه وجلسنا نكتب بيانا أدنا فيه اعتقال الجماعة، هذا البيان بالتحديد هو البيان الذي اعتقل الشملان على إثر صدوره وهو الذي صاغه وصدر بتاريخ 3 فبراير 1996 باسم لجنة العريضة».

وقال سعيد الشهابي: «لم يكن الشملان شابا مراهقا، ولم يكن «شيعيا» ولا «اسلاميا»، بل كان معارضا محترفا من الطراز الأول، وناشطا مخضرما بتجربة قلما توافرت لأحد. وكان وجوده محاميا حرا، مفكرا، وأديبا، وشجاعا، يمثل تحديا حقيقيا للنظام، وخصوصا أنه كان يصرح لوكالات الأنباء ويتحدث للمنظمات الحقوقية، ويتابع شؤون المعتقلين، وينسق بين مواقف من بقي من الرموز خارج السجن. كل ذلك كان يقلق جهاز الأمن الذي كان يديره «ايان هندرسون» الذي سبق أن التقى مع الشملان وحقق معه وراء القضبان. كان إبقاء الشملان خارج السجن في تلك الفترة أمرا مضرا للنظام الذي كان يسعى إلى إخماد كل صوت معارض، ويسعى إلى إظهار الحركة المطلبية بلون واحد وانتماء مذهبي وأيديولوجي محدد. كان صمود الشملان يحول دون ذلك، فكان الاعتقال خيارا يمثل أهون الضررين في نظرهم».

وقال عباس عواجي: «كانوا يريدون أن تصبغ الانتفاضة صبغة طائفية، بينما مشاركة أحمد الشملان وتحركه لم يكن على أساس طائفي سني أو شيعي، وانما يتحرك بمنطلق وطني، كانوا يريدون تحييد الشملان وتعطيله وهذا - في ظني - السبب الأساس لاعتقال أحمد الشملان». وذكر المحامي عبدالله هاشم: «أحمد الشملان كان يمثل رقما حرجا كثيرا للسلطة، بدون معبّر سياسي عن هذه الحركة تفقد الحركة رأسها، وقد برز الشملان كرأس لهذه الحركة ومعبر عنها. هذا أولا، وثانيا كونه سنيا فهذه النقطة تضرب استراتيجية السلطة آنذاك في مقتل، لأن السلطة تريد أن تحوّل الحركة الى شيعية مصدرة من ايران وليست حركة تطالب بالدستور».

وقال المحامي محسن مرهون: «النشاط الكبير جدا الذي كان يمارسه أحمد الشملان في اتجاه ترسيخ ونشر العريضة والعمل من أجلها هو السبب الأساسي والرئيسي في اعتقاله. أحمد حينما يمد يده في الشيء يمدها بكل حماس وبكل أثيرية الى درجة أن نشاطه يبدو هو النشاط الفاعل في العملية بخلاف الذي يتحرك قليلا هنا والذي يتحرك قليلا هناك. الشملان هو فعلا صاحب المهام الصعبة، بينما الآخرون يملكون حدود الحذر، الواحد منهم يملك حدود الحذر ولديه حساباته، بمعنى ليس لديه استعداد أن يكون رأس حربة ويحسب حسابات الاستدعاء أو الاعتقال الخ...».

لم تتوقع السلطة أنها باعتقال أحمد الشملان قد فتحت على نفسها الجحيم، فعلى الصعيد الداخلي تكرس الشملان كشخصية وطنية عامة وكرمز وطني يحبه ويفخر به وبعطائه الشارع البحريني في المدن والقرى. وفي حركة تضامن واسعة معه ومواجهة لبيان التشهير الحكومي بدأت تنتشر منذ أول يوم لاعتقاله ملصقات بصورته في قرى البحرين جنبا الى جنب مع صور الزعامات الدينية المعتقلة.

حالما اعتقل أحمد الشملان بدأت حملة التضامن على صعيد المعارضة البحرينية المتواجدة عربيا وعالميا بإصدار بيانات الاستنكار والتضامن. وعلى صعيد المنظمات والجهات العالمية أصدرت منظمة العفو الدولية في اليوم التالي للاعتقال 8 فبراير 1996 بيان مناشدة عاجلة لحكومة البحرين لإطلاق سراح المحامي أحمد الشملان.

في الوقت ذاته كان اسم الشملان قد تكرّس كصاحب رأي وكمدافع عن الديمقراطية وحقوق الانسان وتخطت شهرته الحدود المحلية التي كانت السلطة تحاول احكام اغلاقها على المواطنين، لذلك اتسعت حملة التضامن معه محليا، خليجيا، عربيا وعالميا وتصاعدت لتشكل عامل ضغط كبير على الجهة الرسمية ومصدر صداع يومي لها مما حدا بها للتفتيش عن مخرج من مأزق اعتقاله بترتيب سرعة محاكمته وتبرئته. وهكذا تقرر تقديم أحمد الشملان لمحكمة أمن الدولة وتشكل فريق هيئة الدفاع من المحامين: راشد الجار، عبدالله هاشم، محمد السيد، جليلة السيد، يوسف خلف، وحضر المحامي حسن رضي المحاكمة عضوا مراقبا عن اتحاد المحامين الدولي.

أطلق سراح أحمد الشملان في 21 أبريل/ نيسان 1996 إذ حكم القاضي بالإفراج عنه بضمان سكنه (إقامة جبرية في بيته لحين صدور الحكم) يقول الشملان: طلب القاضي أن لا أغادر بيتي ولا أكتب في الصحافة لحين انعقاد جلسة النطق بالحكم والفصل في الدعوى». وقد انعقدت الجلسة بتاريخ 5 مايو/ أيار 1996، ومباشرة أعلن قاضي محكمة أمن الدولة - في خطوة مفاجئة وغير مسبوقة - براءة أحمد الشملان مما نسب اليه من تهم.

بعد نيل البراءة انتهت الاقامة الجبرية التي قررتها المحكمة على أحمد الشملان فعاد ينشط على الصعيد السياسي تحت مظلة لجنة العريضة الشعبية، عاد الشملان من جديد واحدا من أهم متصدري الحركة المطلبية، كما عاد الى مزاولة عمله في المحاماة، فأولى اهتمامه لقضايا المعتقلين التي كانت ماتزال دائرة في أروقة محاكم أمن الدولة وتولى قضايا لمعتقلين جدد وعاد ليدلي للمراسلين بتصريحات عن واقع المحاكمات وسيرها، كما عاد لكتابة عموده الصحافي «أجراس» في الصحف الخليجية.


المرض:

انهماك أحمد الشملان النضالي المتواصل وضغوط وملاحقات السلطة التي لم تتوقف أثرت على صحته، كان واضحا بأي تعب وانهاك نفسي، عصبي وجسمي دخل أحمد الشملان معتقل التسعينيات وقد تراكم على كاهله حمل خمس سنوات من المهام والمسئوليات النضالية المتواصلة. وبعد أن خرج من المعتقل كان ملاحظا كيف أنهكه الاعتقال الأخير، صحيح أنه كان أقصر اعتقالاته، وصحيح أنه جرّب السجن الانفرادي قبل ذلك ولفترات أطول بكثير، لكن الشملان خرج هذه المرة من المعتقل ضعيفا واهنا.

يوم 18 من شهر ديسمبر/ كانون الأول 1996 أصيب الشملان بجلطة في القلب. وفي يوم 30 يوليو/ تموز 1997 أصيب بجلطة دماغية بعد يوم من استدعائه في تحقيق أمني ومنعه بشكل مفاجئ من سفرة راحة عائلية كان ينتظرها ويتمناها هو وعائلته. مرض الشملان واصابته بالجلطة الدماغية منذ يوليو 1997 سبب اعاقته عن الكلام والكتابة وفرض غيابه القسري عن ساحة النضال الوطني والمطلبي وأفضى لاعتزاله القسري للعمل السياسي.

قال ابراهيم كمال الدين: «ما أصيب به أحمد الشملان كان خسارة كبيرة للعمل الوطني، لقد شُلت جزئية هامة هي لسانه وقلمه، فقد كان الشملان قلما وطنيا ولسانا وفكرا فقدناه وفقدته الحركة الوطنية، بخسارة الشملان خسرت لجنة العريضة والحركة الوطنية انسانا كان بامكانه أن يقدم الأقدر والأكثر».

وقال سعيد الشهابي: «مما لا شك فيه أن مرض المناضل أحمد الشملان كان نقطة انعطاف كبيرة في تاريخ الحركة المطلبية المعاصرة في البحرين. فقد أدى ذلك الى ضعف التواصل بين التيارات السياسية المختلفة، وأحدث فراغا في المجالين الاعلامي والسياسي، فالشملان شخصية فريدة من نوعها: في انفتاحها، وسعة أفقها، وقدراتها الأدبية والاعلامية، وبتراجع دوره نتيجة المرض، فقدنا عمودا أساسيا في خيمة المعارضة».

وقال يعقوب جناحي: «كان دور أحمد الشملان في التسعينيات مهما جدا، وهذا شعرنا به بعدما أصابته الجلطة الدماغية، لقد ظللنا فترة تزيد عن العام لم يعلق أحد الجرس خلالها، ولم يتقدم أي أحد من لجنة العريضة ليتكلم ويعطي تصريحات الا بعد أكثر من عام حينما بدأ المحامي عبدالله هاشم يعطي بعض التصريحات. وخلال العام الذي أعقب اصابة الشملان جرت أحداث هامة وغاب صوت لجنة العريضة. كانت حركة «أحرار البحرين» هي الأبرز حينها من حيث التصريحات واصدار البيانات، أما اليسار الديمقراطي فلم يكن له وجود تقريبا. غبنا تماما بعد مرض أبي خالد وغيابه، الشملان ترك فراغا كبيرا، ومازال مكانه فارغا، وأنا أعتبر أن النضال الوطني والحركة الوطنية خسرا خسارة كبيرة بمرض أحمد الشملان».

العدد 2673 - الأربعاء 30 ديسمبر 2009م الموافق 13 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً