العدد 2675 - الجمعة 01 يناير 2010م الموافق 15 محرم 1431هـ

الاقتصاد المنخفض الكربون وأثره على البلدان النامية

محمد العشري comments [at] alwasatnews.com

في كثير من المنتديات حول العالم، ندخل في جدل غير مكتمل مع الجمهور حول تغير المناخ. ونحاول الاجابة عن أسئلة حول الحدود القصوى المفروضة على التلوث، والجداول الزمنية، وكلفة التصرف وعدم التصرف، وأسواق الكربون وحصصه، ولا نولي اهتماما كبيرا للهدف الرئيسي في المدى البعيد: بناء اقتصاد قوي يقوم على الطاقة النظيفة. ولئن تكن السياسة المناخية لمنع الاحترار العالمي الخطير لا تدور حول التضحية أو المقايضات، فهذه فرصة ذهبية للتصدي في وقت واحد لتحديات التمويل وفرص العمل والطاقة والصحة والمياه والغذاء التي واجهها العالم مؤخرا.

إن اعادة بناء الاقتصاد العالمي بعد الأزمة المالية على أساس الطاقة المنخفضة الكربون سوف تخلق ملايين فرص العمل ـ ما يسميه البعض «وظائف الياقات الخضر». وقد ازداد عدد المستخدمين في نشاطات متعلقة بالمناخ في أنحاء العالم منذ العام 2004 أكثر من ضعفين، من نحو مليون الى نحو 2,4 مليون. لكن إطلاق العنان لقدرة رجال الأعمال على الابداع والاستثمار في حل هذه التحديات الكبرى يقتضي سياسة وقيادة سياسية. ان السياسة الذكية تعامل الطاقة المنخفضة الكربون على أنها قيمة استراتيجية وفرصة لدفع الابتكار والاستثمارات الجديدة عبر اقتصادات وطنية. وكما أظهرت الأزمة المالية، فإن تصرف الحكومة وسياسة الحكومة هما أمران حاسمان في استعادة النظام على الجبهة الاقتصادية. وبالمثل فان تصرف الحكومة وسياسة الحكومة هما أمران حاسمان في التصدي لتغير المناخ وفي السعي الى مستقبل منخفض الكربون ومستدام.

وبحسب وكالة الطاقة الدولية (IEA)، إن لم تعتمد سياسات جديدة فسوف ينمو الطلب العالمي على الطاقة الأولية وما يرتبط بها من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بنحو 50 في المئة بحلول سنة 2030 وسيكون نحو 80 في المئة من هذه الزيادة في بلدان نامية، وستستأثر الصين والهند بأكثر من نصفها. وبحسب ماكينزي وشركائه، فإن 77 في المئة من البنية التحتية العالمية المطلوبة بحلول سنة 2030 ما زالت تحتاج الى بناء، وسيكون معظمها في بلدان نامية.

ان اقامة بنية تحتية للطاقة النظيفة، مع تركيز على المصادر المتجددة، أمر معقول من الناحيتين الاقتصادية والبيئية. فالامكانات التقنية للطاقة المتجددة هائلة، وهي تفوق اجمالي الطلب الحالي على الطاقة عدة مرات، خصوصا في توليد الكهرباء. ولقطاع الطاقة المتجددة امكانية تحفيز الاقتصادات وخلق ملايين فرص العمل وتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة وملوثات أخرى، وتحسين الأمن الطاقوي وإتاحة الوصول الى الطاقة لمن يفتقرون اليها حاليا.

إن قطاع الطاقة المتجددة هو من أسرع القطاعات نموا في العالم. وقد ازداد الاستثمار الاجمالي في الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة بشكل مثير في السنوات الأخيرة، فبلغ أكثر من أربعة أضعاف عالميا و14 صعفا في البلدان النامية بين العامين 2004 و2007 وفي العام 2008، تغلب الاستثمار في الطاقة المتجددة على الركود الاقتصادي العالمي، فنما بنحو 5 في المئة منذ العام 2007 ليبلغ 155 مليار دولار. ومن المحطات الرئيسية البارزة العام 2008 أن الشركات التي تبيع السلع والخدمات المنخفضة الكربون تولد حاليا عائدات أكثر من قطاعي الفضاء / الطيران والدفاع مجتمعين، ما يجعل هذا القطاع من المحاور الجديدة للاقتصاد العالمي، وفقا لبحث أجراه مصرف HSBC. كذلك، فان أكثر من 50 في المئة من اجمالي القدرة الطاقوية المضافة العام 2008 في الولايات المتحدة وأوروبا كانت متجددة ما يفوق القدرة الجديدة للنفط والغاز والفحم والطاقة النووية مجتمعة.

أفاد استطلاع أجرته مؤسسة «نيو إنرجي فاينانس» «ودوتشي بنك» أن 75 في المئة من 106 مؤسسة استثمارية، بما في ذلك صناديق تقاعد وصيرفة وتأمين أصول تبلغ قيمتها تريليون دولار قيد الادارة ، تتوقع زيادة انخراطها في استثمارات الطاقة النظيفة والمشاريع الأخرى المنخفضة الكربون بحلول سنة 2012وكانت الطاقة المتجددة الموضوع الاستثماري الأكثر شعبية لدى المستثمرين المشاركين في الاستطلاع، اذ عبر 97 في المئة عن اهتمام بها، فيما كانت كفاءة الطاقة الموضوع الشعبي التالي بنسبة 64 في المئة. ولم يقل أي مالك أصول شارك في الاستطلاع أن احتمال استثماره في الطاقة النظيفة أقل مما كان قبل 12 شهرا.

إن الاتجاهات في صناعة الطاقة المتجددة مشجعة، لكنها تحتاج الى زيادة كبيرة لتضاهي حجم التحديات التي نواجهها. وقد أخذ عدد من الدول النامية زمام القيادة. فعلى سبيل المثال، تبنت الصين هدفا لتوليد 30 في المئة من امدادتها الطاقوية الاجمالية سنة 2030 من مصادر متجددة. ولدى الهند هدف الحصول على 20,000 ميغاواط من الطاقة الشمسية بحلول سنة 2020، وهذا أكبر هدف للطاقة الشمسية في العالم، ويتم تشييد أكبر مجمع للطاقة الشمسية بقدرة 3000 ميغاواط وبكلفة 10 مليار دولار في ولاية غوجارات.

وفي المنطقة العربية أيضا عدد من المشاريع الواعدة، مع أن استثمارها 2,6 مليار دولار في الطاقة النظيفة وكفاءة الطاقة لم يشكل إلا جزءا طفيفا من استثمار 24,2 مليار دولار في آسيا و12,3 مليار دولار في أميركا الجنوبية. وفي العام 2008، أعلنت قطر أنها تستثمر نحو 240 مليون دولار في الصندوق القطري ـ البريطاني لتكنولوجيا الطاقة النظيفة. وتخطط الكويت لاطلاق مناقصة سنة 2010 لانشاء محطة طاقة شمسية، وتعتزم توليد 5 في المئة من كهربائها من مصادر متجددة بحلول سنة 2020. وتقوم مصر، اضافة الى عدد من مزارع الرياح، بإنشاء محطة طاقة حرارية شمسية بدعم من مرفق البيئة العالمي (GEF). وتبنت تونس هدف توليد 10 في المئة من اجمالي طاقتها الأولية من مصادر متجددة بحلول سنة 2011. ولدى أبوظبي هدف لتوليد 7 في المئة من كهربائها من مصادر متجددة بحلول سنة 2020، وهي تحتل موقعا رياديا عالميا بانشاء مدينة «مصدر» الخالية من الكربون، التي تهدف الى أن تكون محايدة تماما من حيث الانبعاثات الكربونية، وتبشر بوضع المنطقة في دائرة الضوء كمركز للابتكار. والجدير بالذكر أن مقر وكالة الطاقة المتجددة الدولية (IRENA) الجديدة سيكون في مدينة مصدر.

من جهة أخرى، وفيما اعتمد 64 بلدا حول العالم سياسة ما لترويج الطاقة المتجددة، فان الجزائر وتونس هما البلدان العربيان الوحيدان اللذان تبنيا سياسات ترويجية. فعلى سبيل المثال، لدى الجزائر سياسة تحديد تعرفة على تغذية الشبكة العامة بطاقة متجددة ينتجها القطاع الخاص، ولدى الجزائر وتونس سياسات للاستثمار والاعتمادات الضريبية، فيما بدأت مصر تطوير سياسات لتغذية الشبكة العامة.

إن الامكانات الهائلة للطاقة المتجددة التي لا يتم استغلالها في المنطقة العربية تجتذب اهتمام أوروبا والاستثمارات الأوروبية. ويتم حاليا تنفيذ «الخطة الشمسية المتوسطية» التي ستنتج 20 ألف ميغاواط بحلول سنة 2020، وقد اجتذبت ستة بلايين دولار من المغرب. ومؤخرا أعلن كونسورتيوم شركات وبنوك استثمارية أوروبية، بما في ذلك ميونيخ ري لاعادة التأمين ودوتشي بنك وسيمنز، مشروعا لتطوير مقدار ضخم من قدرة التوليد الحراري الشمسي في شمال أفريقيا، يكون جزء كبير منه للتصدير الى أوروبا. وفي المجموع، قد يتجاوز مشروع <>ديزرتيك>> بسهولة 300 ألف ميغاواط، ما يعادل نحو ثلاثة أضعاف قدرة التوليد الكهربائي في فرنسا.

فأين موقع المنطقة العربية؟ هل يكفي أن ننتظر بقية دول العالم كي تبتكر فنستورد تكنولوجياتها بعد حين؟ أم يجب على البلدان العربية أن تتضافر خارج المصلحة الذاتية، لحشد مواردها البشرية والمالية وتحفيز الاستثمار الخارجي، ولتكون رائدة في مجال الطاقة النظيفة؟ الاستثمار اليوم في تطوير ونشر تكنولوجيات نظيفة لن يساعد فقط بعض البلدان في تحقيق أمن الطاقة، بل سيخلق أيضا فرص عمل ويعزز الابتكار ويحسن صحة الناس والبيئة. ومع تحول العالم الى اقتصاد منخفض الكربون، ستكون هناك ميزة تنافسية لأولئك الذين يعتنقون التكنولوجيات النظيفة أولا. يتصدى تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية لتأثيرات تغير المناخ على المنطقة العربية، ويوحي بسياسات وأفعال للتكيف معها. لكن لدى المنطقة أيضا فرصة كبيرة لتصبح قائدة على جبهة التخفيف، خصوصا في مجال الطاقة المتجددة، ليس لأن لديها التزامنا في المدى القريب بتخفيض الانبعاثات، بل لأنهـا بذلك تنحت لنفسها قطعة من المستقبـل.

العدد 2675 - الجمعة 01 يناير 2010م الموافق 15 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً