العدد 2342 - الإثنين 02 فبراير 2009م الموافق 06 صفر 1430هـ

«حماس»... والبديل الفلسطيني (2)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

استمرت الانتفاضة الفلسطينية تتصاعد وتتسع إلى أن وقعت حرب الخليج الثانية (أزمة الكويت) في العام 1991 وأدّت إلى تحطيم العراق وتدمير قوته العسكرية وانشطار الوضع العربي إلى معسكرين ما أعطى فرصة لـ «إسرائيل» للضغط وتحسين شروط التفاوض مع الجانب الفلسطيني على قاعدة «مؤتمر مدريد».

لم يكن أمام ياسر عرفات من خيارات أخرى. فالعمق العربي للقضية دخل آنذاك في متاهات انقسامية أضعفت الموقف الفلسطيني وعرضته للعزل والتطويق. والبديل الوطني عن منظمة التحرير كان من الصعوبة تأسيسه في ضوء الانقسامات التي أخذت تضغط على القيادة الفلسطينية بالقبول بالحد الأدنى المضمون دوليا والانتقال لاحقا نحو توسيع دائرة السلطة وتطويرها بناء على تجربة وطنية أخذت تتأسس في الداخل لا في الشتات.

«اتفاقات اوسلو» في العام 1993 جاءت لتعكس ميدانيا معادلة دولية - عربية - فلسطينية ولم يكن بإمكان عرفات انتزاع أفضل منها. فالأمر الواقع فرض شروطه على الإيديولوجيا والمبادئ والبرنامج الأساس الذي بدأت منه منظمة التحرير مشروع التحرير. وبسبب شروط الواقع الموضوعي بدأت الإرادة الفلسطينية تتكيف مع المعادلة الدولية - العربية التي لم يكن بإمكانها إعطاء الأفضل ولا تحقيق المزيد من الشروط لضمان ولادة الدولة في إطار السيادة والاستقلال. فالسلطة التي تأسست في الضفة والقطاع كانت ضعيفة وناقصة الاستقلال ولا تنص صراحة على السيادة التي تعتبر في القانون الدولي أهم نقطة تشريعية تمنع الاحتلال من إعادة احتلال الأراضي التي انسحب منها.

في ظل هذا الفضاء الرمادي أخذت «حماس» تنمو في إطار السلطة الفلسطينية مستفيدة من ذاك الهامش النسبي الذي نصت عليه «اتفاقات أوسلو» كذلك من تهرب حكومات «إسرائيل» على تنفيذ تلك الاتفاقات التي وقعت عليها في أوسلو وواشنطن والقاهرة وشرم الشيخ. وأدى هذا الأمر إلى توليد شرارة فلسطينية أطلقت موجات من المصادمات ما دفع عرفات إلى إعلان الانتفاضة الثانية.

محاصرة عرفات

الانتفاضة الثانية لم يحالفها الحظ أيضا، إذ جاءت الظروف الدولية والعربية والإسرائيلية مخالفة لنموها الفلسطيني في الداخل. إسرائيليا فاز ارييل شارون بالانتخابات وأعلن رفضه لاتفاقات أوسلو وعزمه على تحطيم سلطة عرفات. وعربيا بدأت دول الجامعة العربية تعاني من ضغوط دولية تتهمها برعاية ثقافة الإرهاب. ودوليا أخذ العالم يمر في مرحلة أميركية قادها تيار «المحافظين الجدد» ضد العرب والمسلمين بعد حصول هجمات سبتمبر/ أيلول 2001.

طبيعة الرد الأميركي المعطوف على دعم إسرائيلي بذريعة الحرب على الإرهاب وضع عرفات في زاوية صعبة وحصار طويل بعد أن صدرت عن قمة بيروت في العام 2002 مبادرة عربية تقايض الأرض بالسلام. آنذاك لم يكن بإمكان الدول العربية مساعدة عرفات على الخروج من العزلة بسبب الهجوم الأميركي الصاعق الذي أطاح بالنظام العراقي وأدى إلى احتلال بلاد الرافدين في العام 2003 وإخراج العراق من المعادلة العربية.

كل هذه العواصف الدولية والعربية والإقليمية المترافقة مع حصار عرفات في مقر الرئاسة في رام الله أعطت فرصة زمنية لحركة «حماس» حتى تؤسس مواقعها المستقلة خارج دائرة منظمة التحرير الفلسطينية مستفيدة من فشل «اتفاقات أوسلو» والهجوم الدولي على الدول العربية وتهديدها بتغيير الأنظمة أو تعديل السياسة.

حين رحل عرفات بظروف غامضة في نهاية العام 2004 كانت الوقائع الجارية تصب في مصلحة «حماس» التي استفادت من غياب مؤسس الثورة وقائدها وما نتج عنه من تخلخل في قوة «فتح» ومؤسسات السلطة إضافة إلى تقهقر دور منظمة التحرير. وكل هذه العوامل الموضوعية والذاتية مجتمعة ساهمت في نمو قوة «حماس» وفوزها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي جرت في ظل رئاسة محمود عباس.

فوز «حماس» استغلته إدارة واشنطن الجمهورية للضغط على السلطة والشعب الفلسطيني بذريعة أنها لا تعترف باتفاقات أوسلو ولا تقر بحق «إسرائيل» في الوجود والبقاء. كذلك استفادت تل أبيب من الانقسام الفلسطيني للتهرب من تنفيذ الاتفاقات الدولية متذرعة بضعف السلطة الفلسطينية وعدم وجود شريك مفاوض يضمن أمن «إسرائيل» في حال تم التوافق على الانسحاب من الأراضي المحتلة في العام 1967.

شكل الانقسام الفلسطيني حجر زاوية في السياسة الإسرائيلية والاستراتيجية الأميركية خلال الفترة التي امتدت من العام 2005 إلى الأسبوع الأخير من مغادرة جورج بوش البيت الأبيض. فالانقسام شكل ذريعة للتهرب من القرارات الدولية وأعطى فرصة للتلاعب على المسارين السوري والفلسطيني وأحيانا «الخيار الأردني»، وبات التشرذم يمثل الغطاء لتوسيع المستوطنات وزيادة الوحدات السكنية والتهديد بالطرد والاقتلاع ردا على «الصواريخ» التي تطلق من غزة. فالقطاع الذي دخل في منعطفات ومتغيرات منذ العام 2006 أعطى ذريعة لتل أبيب للتسويف والمماطلة وتركيز خطة الاستيطان في الضفة بعد أن انسحبت من غزة في العام 2005. واستمرت ذريعة «الصواريخ» تنمو وترتفع إلى أن أعلنت تل أبيب حربها العدوانية على غزة.

الآن أخذت الصورة الدولية تتغير نسبيا بعد وصول إدارة ديمقراطية إلى البيت الأبيض معطوفة على احتمال عودة «الليكود» إلى إدارة الحكومة الإسرائيلية في نهاية الشهر الجاري. والصورة ليست بالضرورة وردية في اعتبار أن سياسة بنيامين نتنياهو تقوم على تجميد المفاوضات ورفض «اتفاقات أوسلو» والتهديد بتقويض السلطة الفلسطينية وإعادة احتلال الضفة والقطاع. ومثل هذا التطور السلبي المحتمل يتطلب في المقابل تعزيز الدعوة للتوحد وإعادة إنتاج سلطة فلسطينية مشتركة تعتمد مشروع تصحيح البرنامج الوطني على قاعدة الحد الأدنى والمحافظة على منظمة التحرير بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

دعوة مشعل إلى الخيار البديل التي أطلقها في مؤتمر صحافي عقده في الدوحة جاءت في زمن غير مناسب لأن مفعولها السياسي سيكون إضعاف القوة الفلسطينية وتفكيكها إلى مراجع تتنافس على مراكز النفوذ وتتناسى الحد الأدنى من الحقوق المشروعة المضمونة دوليا والمنصوص عليها في مبادرة السلام العربية.

ردود الفعل الفلسطينية على دعوة مشعل كانت صحيحة وساهمت في ضبط الأمور في إطارها الموضعي والقانوني من خلال التأكيد على وظيفة المحافظة على وحدة ومرجعية منظمة التحرير في سياق التحولات التاريخية والظروف الدولية والعربية والإقليمية المحيطة الآن بالقضية الفلسطينية. فالخلافات موجودة وستبقى وهي ليست جديدة ولكن الأصل يجب ألا يغيب عن المسألة. المشكلة كانت ولاتزال في الاحتلال وغير ذلك يخدم الاحتلال ويصب في اتجاه تحطيم القضية الفلسطينية وشرذمتها على غرار ما حصل في العراق. والخيارات المصيرية لا تخضع دائما للنزعة الذاتية والإرادية أو للتفكير البرنامجي (الإيديولوجي) أو للتخاطب بلغة «الحق العام» وإنما أيضا تتحكم بإدارتها الظروف الموضوعية (التاريخية) وقوانين الجغرافيا - السياسية وموازين القوى والقدرة على التكيف مع المتغيرات. وهذا بالضبط ما حصل مع منظمة التحرير منذ تأسيسها إذ مرت في محطات وتحولات حتى وصلت بعد حروب وتضحيات إلى معادلة تتطلب من كل القوى الفلسطينية حمايتها وتطويرها لا التفريط بها.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2342 - الإثنين 02 فبراير 2009م الموافق 06 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً