العدد 2680 - الأربعاء 06 يناير 2010م الموافق 20 محرم 1431هـ

عبدالحميد مراد: في شخصية الشملان يتمازج الفكر والأدب والسياسة

أحمد الشملان - سيرة مناضل وتاريخ وطن (12)

صدر مؤخرا في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كتاب يتناول سيرة المناضل البحريني أحمد الشملان بعنوان «أحمد الشملان - سيرة مناضل وتاريخ وطن» من تأليف زوجة المناضل الشملان فوزية مطر. صدر الكتاب في 1024 صفحة من القطع الكبير، ويضم أحد عشر فصلا متبوعة بملحقي صور ووثائق.

طوال مسيرته الحياتية والنضالية عكف أحمد الشملان - رغم ظروفه غير المستقرة - على القراءة الممنهجة والاطلاع الشامل في شتى صنوف الثقافة والمعرفة. وفي مجال الفكر السياسي بدأ بالقراءة في أصول الفكر القومي والاشتراكي، ثم في أصول الفلسفة الماركسية بجميع فروعها، كما اجتهد في الاطلاع على مختلف النظريات الفلسفية والمدارس الفكرية والأدبية في الثقافة الإنسانية العامة بمختلف مشاربها، ونكاد نقول هنا إن الشملان كان مفكرا ومُنظّرا قبل أن يكون قياديا أو ناشطا في تنظيم سياسي، وقد شهد على ذلك رفاقه على تعدد التنظيمات التي ناضل في صفوفها.

قال الشاعر قاسم حداد: «أحمد الشملان من الأشخاص القارئين منذ أن تعرفت عليه في الستينيات، كنت أعرف أشياء كثيرة من خلاله وشعرت باهتمامه بالمتابعة، بمتابعة الجديد ومعرفته ليس بالوسط الثقافي المحلي بل كان لديه اطلاع على مستوى الوسط الثقافي العربي على وجه الخصوص».

وقال الأستاذ عبدالحميد مراد: «هناك ارتباط بين تكوين أحمد الشملان الشخصي والإنساني وبين كونه يهوى الأدب والنقد والشعر والكتابة، شخصيته تتوافر على تمازج بين السياسي والفكري والأدبي، شخصية موسوعية، وبتقديري أن هذا أثر على تعاطيه الإنساني مع الآخرين. الشملان متعدد التوجهات والاهتمامات وهذه مسألة مسجلة له وتندر في الحقيقة لدى الآخرين حيث السائد هو أن السياسي سياسي والمُنظر منظر والمبدع مبدع».

وقال الكاتب بدر عبدالملك: «لدينا نمطان من السياسيين: نمط سياسي ولا يقرأ إلا في السياسة، ونمط سياسي ويقرأ في كل أنواع الثقافة، يقرأ سياسة بشكل جيد لكنه حينما تأتي الثقافة يُبدي اهتماما بكل شيء، بكل جوانب الفنون والثقافة، وأعتقد أن أحمد الشملان من النمط الثاني، هو قارئ جيد ولم يقف عند قراءة معينة، لديه اهتمام ثقافي حقيقي».

وقال المحامي يوسف يتيم: «أحمد الشملان لم يكن سياسيا فقط، كان مفكرا ولديه توجه في الفلسفة وفي الأدب والفكر ولديه طاقة الكتابة. كنت أدخل معه في مناقشات عديدة وجرى بيني وبينه صراع ونقاشات حادة ثقافية، فكرية وأدبية فقد كنت أعتقد أن الشملان لم يصل لإدراك الماركسية ثم تبين لي أن اعتقادي كان خاطئا، كان يتميز بأنه درس الماركسية بدقة وسعى لاستيعابها وهضمها، كان يمارس تثقيفا ذاتيا واسعا».

ومنذ أخذ الوعي السياسي لأحمد الشملان يتبرعم في مرحلة دراسته المتوسطة بمدارس الكويت أواخر خمسينيات القرن الماضي كان الفكر القومي هو الغالب على وعيه، تبنى ذلك الفكر وقرأ الكثير من أدبياته. ومع ما جرى من تغيرات في حركة القوميين العرب ومنذ ولادة تنظيمات اليسار العربي الجديد من أحشاء الحركة تبنى أحمد الشملان في أواخر الستينيات الفكر الاشتراكي العلمي، فكان يساريا يناضل على الصعيد الخليجي في صفوف تنظيم حزبي هو الحركة الثورية الشعبية في عُمان والخليج العربي يتبعه تنظيم جبهوي هو الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل.

ورغم اعتماد التيار اليساري الذي انتمى له الشملان استراتيجية الكفاح المسلح في عموم منطقة الخليج، فإن بوصلة الشملان الفكرية والنضالية كانت - ومنذ العام 1969 - ميالة نحو النضال السياسي بطابعه السلمي في البحرين وجوارها من دول الخليج، بل إنه حاول طرح أهمية اعتماد النضال السياسي في عموم منطقة الخليج منذ أن كان بين المقاتلين على جبال ظفار.

وحينما قرر أحمد الشملان الانتقال الى صفوف جبهة التحرير الوطني كان قد وجد في برنامجها السياسي ما يعبر عن القضايا النضالية التي تشغله ومحورها النضال من أجل الديمقراطية باعتبارها الطريق الأمثل لنيل الحقوق السياسية على وجه الخصوص ولبناء مجتمع العدالة والتقدم كما ورد في البند الأول الذي طرحه برنامج جبهة التحرير الوطني وينص على أن: «الجبهة تناضل من أجل البحرين دولة ديمقراطية ذات سيادة مستقلة استقلالا حقيقيا».

نورد في التالي استعراضا لتطور الفكر السياسي للشملان في مختلف محطاته النضالية:


التأسيس الفكري في مرحلة الطفولة والصبا

وضعت المدرسة الابتدائية في البحرين العتبة الأولى في التأسيس الفكري والثقافي لأحمد الشملان، فمنذ الطفولة ومع دخوله المدرسة برز ميل أحمد نحو الاهتمام بتكوين رؤية حول الحياة والعالم من حوله. كان الشملان مولعا بالقراءة منذ دخوله المدرسة، وبعد أن أكمل الصف الأول الابتدائي كان مستواه الدراسي متوسطا لكنه وجد نفسه مشدودا للقراءة مهتما بها.

يقول أحمد الشملان عن اهتماماته المبكرة بالقراءة: «كنت أهوى قراءة مجلة «سندباد» ومجلة «طرزان»، أجمع بعض النقود من مصروفي وأشتريها. كنت أتوجه من أم الحصم الى سوق المنامة على الدراجة مع الأصدقاء فأشتري المجلات من مكتبة «عبيد» ومكتبة «الماحوزي» وكنت أرتاد أيضا مكتبة عبدالرحمن المهزع بقرب سوق «المقاصيص» في المنامة وكان اسمها «مكتبة البحرين» فأشتري مجلة «سندباد» بسعر «آنتين» (فلسين تقريبا)، وأحرص أيضا على شراء سلسلة قصص «ألف ليلة وليلة» التي كانت تصدر دوريا على شكل قصص منفصلة».

ولشدة ولعه بالكتب والمجلات أسس أحمد الشملان مكتبة بيتية خاصة به، يقول عن مكتبته: «كانت مكتبتي البيتية عبارة عن صندوق حديدي صغير تزينه ورود كبيرة مصبوغة بألوان زاهية، كان هذا النوع من الصناديق منتشرا آنذاك في بيوت البحرين بمختلف الأحجام، كنت أحفظ كتبي ومجلاتي في الصندوق وأحافظ عليها كثيرا».

تقول ابنة خاله: «كنا نلعب مع أبناء عمتي أحمد وشملان وعبدالله (أحمد الشملان وأشقائه) والشيء الراسخ في بالي منذ طفولتنا أيام الدراسة الابتدائية هو أن أحمد كان يملك مكتبة فيها قصص، كانت مكتبة أحمد تشدنا كثيرا فكنا نقصده دائما. في البداية كانت القراءات كلها مجلات مثل مجلة «جحا» ومجلة «زوزو» و «سندباد»، ثم تحولت قراءاتنا الى القصص مثل: سلسلة قصص «المكتبة الخضراء». كان مصدرنا الوحيد في الثقافة هو أحمد فقد كنا نستعير مجلاته وقصصه، وكان شرطه الوحيد أن لا يتمزق الكتاب ولا تتكسر صفحاته ولا يتسخ، كان منذ صغره يحب القراءة ربما بتأثير مدرسيه في المدرسة، وبفضله هو تشجعنا نحن على القراءة، تكونت لدينا كلنا نزعة المعرفة، وأحمد لعب دورا في ذلك، كان هو مصدرنا الوحيد في الحصول على ما نود قراءته».

وعلى مستوى المدرسة شدت المكتبة المدرسية أحمد الشملان فكان يرتادها بشكل مستمر، يقول متذكرا: «كنت مولعا بارتياد مكتبة المدرسة والجلوس فيها للقراءة أطول فترة ممكنة، قرأت في المكتبة كثيرا حتى الكتب التي تصعب عليَّ، ولا أنسى أنني منذ تلك الأيام قرأت «البحتري» في مكتبة المدرسة، كما أن اهتمامي بالقراءة دفعني للمشاركة في أنشطة مدرسية ذات علاقة كالاشتراك في جمعية الخطابة والحرص على حضور جميع المسرحيات التي تقام بالمدرسة».

تحدث د. علي السندي الذي زامل أحمد الشملان في دراسته الابتدائية وكان من أقرب أصدقائه عن اهتماماتهما المشتركة بالقراءة والمشاركة في الأنشطة الثقافية والوطنية فقال: «درست مع الأخ أحمد في الصف الثالث الابتدائي، وكان الصف الثالث يتميز بحيوية نشطة، فانضممنا أنا والأخ أحمد لجمعية الخطابة وكان ذلك في العام 1954، في جمعية الخطابة كان المسئول عنا مدرس فلسطيني ذو حس وطني، وأذكر أننا كنا نساهم في حفلات المدرسة بإلقاء الخطب. كما اشتركنا في المسابقة الأدبية بين المدارس التي كانت تنظم تحت رعاية المستشار «بليغريف» والأستاذ أحمد العمران ومدير المدرسة الأستاذ حسن جواد الجشي. وكانت بالمدرسة مكتبة صغيرة نرتادها دائما، فقد كانت الثقافة تشكل في حياتنا جزءا مهمّا وبرز اهتمامنا بالكتب الأدبية، وكانت تنشط بالمدرسة أيضا جمعية الفنون والرسم، في المدرسة الغربية كان النشاط الطلابي ضخما وكذلك في كل مدارس البحرين. بالإضافة إلى ذلك كنا نرتاد متاجر الكتب والمجلات فنتواجد في مكتبة «إبراهيم عبيد» وكذلك مكتبة «أحمد الماحوزي» في المنامة وكانت تبيع مجلات الأطفال مثل «سمير» و «ميكي» وقبلهما مجلة «زوزو» ثم مجلة «طرزان»، كما كانت تبيع الصحف والمجلات المصرية مثل «المصور» و «الكواكب» و «آخر ساعة»، وكنا نرتاد مكتبة «المهزع» ونشتري منها مجلات الأطفال. كان المدرسون يشجعوننا على القراءة والاطلاع، كما كانت للإذاعة مكانة كبيرة في حياتنا وفي تطوير ثقافتنا الوطنية وخاصة إذاعة صوت العرب. كانت الحياة الدراسية تتميز بالاهتمام بالثقافة الوطنية والثقافة الاجتماعية ولم تقتصر على تحفيظ الدروس. كان للمدرسة دور وطني وثقافي وكانت الحياة الثقافية ناشطة، وكثر رجال الفكر في البحرين وتبوأت الصحافة دورا بارزا، ورغم صغر أعمارنا إلا أننا عرفنا صحف الخمسينيات مثل «القافلة تسير» و «الوطن» وتابعناها، كما كانت المجالس تموج بالفكر، وتنفذ نشاطات مسرحية وثقافية وأدبية».

وقال ابن خال أحمد الشملان وصديق صباه محمد بن خليفة الشملان: «توثقت علاقتي مع أحمد حينما بدأنا نغادر مرحلة الطفولة، فكان عمر أحمد 13 عاما تقريبا وعمري ما بين 17 و 18 عاما، كنا بصحبة بعضنا دوما، وكان لدى أحمد منذ ذلك الوقت تفهم في الاشتراكية ودائما يتكلم عن الاشتراكية. كان متحضرا يقرأ كثيرا في الكتب والمجلات، وكان تفكيره متجها للمدى البعيد، كنا جميعا نقطن في بيت كبير من السعف، وكنت أقول لأحمد: أنت تفكيرك متطور يتجاوز البيئة التي نعيشها هنا، فيرد عليَّ بقوله: نحن هنا نعيش كالحيوانات، كنت أراه متحضرا ذاهبا بتفكيره للمدى البعيد، كان حينما تقول له: الأمر هكذا، يطالعك مُصوِّبا نظره نحوك لفترة قد تطول، لا يجيبك، وإنما يتمعن فيك».

العدد 2680 - الأربعاء 06 يناير 2010م الموافق 20 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً