العدد 2344 - الأربعاء 04 فبراير 2009م الموافق 08 صفر 1430هـ

الأوهام في عصر رامتان!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

آخر الأوهام الاسرائيلية دعوة وزير الخدمات الاجتماعية والشتات يتسحاق هرتسوغ إلى إطلاق تلفزيون على شاكلة «الجزيرة»، يبث بعدة لغاتٍ من بينها العربية والفارسية!

الوزير (الذكي جدا) طرح اقتراحه في ندوةٍ بمؤتمر هرتزليا الأخير بعنوان «شرعية (إسرائيل) تحت القصف»، وتحدّث عن التحديات الكبيرة التي تواجهها إعلاميا وقضائيا، ودعا حرفيا إلى «بناء مواقع إلكترونية دفاعية تواجه المواقع المعادية، وإظهار الوجه الحريري الجميل للسياسة الإسرائيلية»!

هذه الفكرة الساذجة عزّزها الكاتب اليميني في «معاريف» بن درور بانتقاده ضعف الدعاية الإسرائيلية، بينما تحقّق الدعاية العربية نجاحات في نزع شرعية «إسرائيل» بالعالم. ويبدو أن النخبة الإسرائيلية تخدع نفسها أكثر وأكثر بمزيدٍ من الأوهام، فبدل البحث عن أسباب تردّي سمعتهم في العالم، بما فيه بريطانيا وأميركا... تراهم يعلّقونها على شماعة الإعلام المضاد!

الإعلام لا يصنع واقعا، وإنّما ينقل الحدث بلا تزويق، وهو سر النجاح أيضا في تجربة «رامتان»، تلك القناة الصغيرة التي برزت أثناء حرب غزة كمنافس حقيقي لكبرى الفضائيات. وهي لم تكن تملك قدرات مالية وبشرية كبيرة، لكنها قدّمت الصورة الحقيقية لما جرى في غزة، بنقلها المباشر لقتل المدنيين وقصف المدارس والمنازل ومؤسسات الإغاثة. كل ما كانت تملكه رؤية وطنية إعلامية واضحة للتأثير والتغيير، وهو أمرٌ تعتز به بكل تأكيد.

العالم تغيّر كثيرا، وخصوصا في مجال الإعلام... وهي حقيقةٌ ساطعة على بساطتها فإن هناك اليوم من ينكرها لأنه لا يزال يعيش بعقلية السبعينيات. ولم يسمع بعدُ عن شيء اسمه الإعلام الشعبي أو الديمقراطي (citizen media)، ويجهل أن عصر الرأي الواحد انتهى، والخيار اليوم للجمهور في ظلّ تنوع الخيارات الإعلامية.

بعض المنغلقين على الذات والمصالح الفئوية، الذين لا يرون أبعد من أرنبة أنوفهم، يظنّون أن حمل قضية الناس والدفاع عن مصالح الفئات الشعبية تحريضٌ وتدليس. هؤلاء المدافعون عن الحكومات بالحق وبالباطل، لا يرون أن هناك زمناَ جديدا بزغ مع بدء عصر الإنترنت، وأن رأيا عاما يتشكّل بعيدا عن وصاية ديناصورات الإعلام القديم والأوصياء على تفكير البشر.

هؤلاء الذين تشكّلت عقولهم في قوالب «أمن الدولة»، لا يتحمّلون وجود مواطن يحمل رأيا مختلفا عن رأي الحكومة، أو ناقدا لسياساتها، وأن من طبيعة الأمور أن يعيش المعارضون إما مطاردين أو منفيين أو مسجونين. وإذا ارتفع صوت أحدٍ بدولة المواطنة وسيادة القانون والمساواة واحترام حقوق الإنسان لكي لا نصبح مسخرة بين الأمم... فإنه يقدّم دعما لوجستيا للشباب المتحمس ويدفعهم للتخريب!

هؤلاء المنغلقون لا يتوقعون أن يكون للكاتب رأيٌ أو موقفٌ واضحٌ في قضايا مجتمعه، والمفروض أن يطبطب على السياسات الحكومية ويجمّلها قدر الإمكان، والتفرّغ لسبّ المعارضة في 90 بالمئة مما يكتبون.

هؤلاء المنغلقون لا يدركون سر جمال هذا البلد وجاذبيته وحيويته، وهو هذا التنوع البشري والديني والفكري والسياسي. إنهم يقتلون أجمل ما في البحرين حين لا يرون في كل هذا الحراك غير حكومةٍ من الملائكة، ومعارضةٍ من الشياطين، وشعب أخرس من الرعاع المغفّلين.

لقد انتهى عصر الرأي الواحد، وسقطت أسطورة «ما أريكم إلا ما أرى»، وبدأ عصر الإعلام الذي لا يحتاج إلى ملايين لشراء الضمائر والأقلام، وإقامة المواقع الإلكترونية والشبكات... بل إلى ضمير ورسالة وموقف حر في الحياة.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2344 - الأربعاء 04 فبراير 2009م الموافق 08 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً