العدد 517 - الأربعاء 04 فبراير 2004م الموافق 12 ذي الحجة 1424هـ

الرأي العام الأميركي وحرب العراق

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

تجاوز عدد الجنود الأميركيين القتلى في العراق الخمسمئة منذ بدء الحملة العسكرية التي استهدفت نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين. ولم يتوقع الذين وضعوا خطة الغزو أن تتكبد القوة العظمى هذا العدد من الخسائر في صفوف الجنود الأميركيين. على العكس تماما وضع هؤلاء في حساباتهم أن يستقبل العراقيون الغزاة بالورود والزغاريد. في حين تهتم أجهزة الإعلام الغربية بصورة خاصة بعدد القتلى في صفوف قوات التحالف فإن أحدا لا يعير أهمية لعدد القتلى في صفوف المدنيين وأفراد الشرطة العراقيين. منذ حرب فيتنام لم تتكبد القوات الأميركية هذا العدد الكبير من القتلى والجرحى الأمر الذي يدفع المراقبين إلى التكهن بأن الضغط سيزداد على الرئيس الأميركي بوش كي يفسح المجال لهيئة الأمم المتحدة للقيام بدور بارز في عملية إعادة بناء عراق جديد وسحب أعداد متزايدة من جنوده. لأول مرة منذ زمن بعيد ظهرت في واشنطن معارضة تستهدف الإطاحة بالرئيس بوش ووضع العراقيل أمام حلمه بأن يحصل على ولاية ثانية في البيت الأبيض. في الوقت الذي بدأ الشارع الأميركي يشعر بعدم جدوى الحرب التي قامت على حجج واهية ومعلومات مبالغ فيها، بدأت المعارضة المتمثلة بالحزب الديمقراطي استخدام خسائر الحرب البشرية والمادية والسياسية ضد بوش.

العدد الأكبر من الجنود الأميركيين الذين قتلوا في حرب العراق، سقطوا بعد إعلان بوش نهاية المعارك في الأول من مايو/ أيار الماضي حين بدأت حرب ما بعد الحرب. ويزيد هذا العدد يوما بعد يوم ويحقق رقما قياسيا بعد الآخر إذ لم يسبق وأن سقط مثل هذا العدد من الجنود في نزاعات تدخلت فيها القوات العسكرية الأميركية مثلما حصل في لبنان والصومال وبنما وغرينادا وكوسوفو وأفغانستان وحرب الخليج الثانية العام 1990/1991. وبلغ عدد الجنود الأميركيين الذين سقطوا في حرب الخليج الثانية 315 جنديا. مقارنة مع الحروب السابقة يعتبر رقم الخمسمئة أو زيادة بعض الشيء متواضعا. ففي الحرب العالمية الثانية سقط 290 ألف جندي أميركي وفي الحرب الأهلية الأميركية التي استمرت من العام 1861 حتى العام 1865 620 ألف جندي من طرفي الحرب وفي فيتنام سقط 58 ألف جندي أميركي.

كيلا تتكرر صورة فيتنام

على رغم أن الرأي العام الأميركي لا يسكت عادة عن سقوط خسائر بشرية في صفوف القوات المسلحة الأميركية في الحروب التي تجري بعيدا عن أرض الوطن، فإن وسائل الإعلام تنشط في الحديث أن الخسائر التي وقعت في العراق حتى اليوم، ليست كبيرة، ولا تسهم في تأليب الرأي العام على إدارة الرئيس بوش. ويستبعد مايكل دونوفان من مركز إعلام الدفاع في واشنطن أن يطالب الرأي العام الأميركي بسحب الجنود الأميركيين من العراق ويؤيده بهذا الرأي لورانس كورب نائب رئيس مجلس العلاقات الخارجية. ويقول دونوفان إن غالبية المواطنين الأميركيين مازالوا يعتقدون أن أبناء وطنهم يقومون بتأدية خدمات كبيرة للشعب العراقي وأن الأمر يستحق التضحية. لهذا ليس من المنتظر أن يتراجع تأييد غالبية الأميركيين للحرب. في الوقت نفسه تنفي القيادة العسكرية الأميركية في العراق معلومات تحدثت عن انهيار معنويات الجنود الأميركيين وزيادة ملحوظة في عدد الجنود الذين أقدموا على الانتحار. ونقل عن القائد العسكري مارك كيميت قوله في بغداد: إن جنودنا لا يحصون عدد القتلى في صفوفهم وهم يعرفون حق المعرفة أن الأمة الأميركية معهم، وكذلك الجيش.

ويقول كورب إن الحزب الديمقراطي المعارض تنبه لقضية الحرب إذ بدأ لأول مرة يلفت النظر إلى عدم جدوى بقاء الجنود الأميركيين في العراق. هذا يساعد مرشحي الحزب الذين عارضوا الحرب منذ البداية وأبرزهم ويسلي كلارك الذي قاد حرب الناتو ضد يوغسلافيا السابقة. وتعتزم إدارة بوش في مواجهة هذا الهجوم أن تسعى إلى الحد من الخسائر والاستنجاد بهيئة الأمم المتحدة لتدعيم التعاون معها وإشراك قوات دولية في فرض الأمن والاستقرار في العراق لخفض الخسائر البشرية في صفوف الجنود الأميركيين. وفقا لآراء بعض المراقبين حاولت الإدارة الأميركية التقليل من انعكاسات الخسائر الكبيرة في صفوف الجنود الأميركيين وقامت باستخدام نفوذها الواسع في وسائل الإعلام للضغط عليها كي لا تتحدث باستمرار عن هذه الخسائر. بالكاد تصدر عن وزارة الدفاع الأميركية بيانات تشير إلى الخسائر كما تتجنب الوزارة نشر صور جنازات الجنود وليست هناك إحصاءات عن عدد الجرحى. إن ما حصل في حرب فيتنام ينبغي أن لا يحصل في حرب العراق. فقد ساعدت التغطية الصحافية لحرب فيتنام في إبراز الوجه البشع للحرب وتحرك الرأي العام الأميركي والأوروبي وخرج ملايين البشر إلى الشوارع مطالبين بوقف الحرب فقط حين شاهدوا صور قذارة الحرب، قتلى وجرحى ومشوهين إضافة إلى معاناة الجنود الأميركيين النفسية. هذه الصور البشعة تحرص وزارة الدفاع الأميركية على أن لا تظهر في وسائل الإعلام الأميركية. لهذا يبقى أكثر من خمسمئة قتيل أميركي من دون وجوه ومن دون أسماء

العدد 517 - الأربعاء 04 فبراير 2004م الموافق 12 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً