العدد 518 - الخميس 05 فبراير 2004م الموافق 13 ذي الحجة 1424هـ

إيماءات «الصامت الأكبر» تعيد خلط الأوراق

الانتخابات الرئاسية في الجزائر

سمير صبح comments [at] alwasatnews.com

.

إذا كانت بعض الأوساط الغربية المعنية بالشأن الجزائري تؤكد أن المرشح لولاية رئاسية ثانية، أي عبدالعزيز بوتفليقة، قد تمكن في الشهرين الماضيين من تسجيل عدة نقاط إلى صالحه، حاسمة إلى حد مسألة عودته لقصر «المرادية»، إلا أن المواقف الإيمائية الصادرة أخيرا عن «السلطة الفعلية»، أي الجيش، والتي جمعت بين الإشارة لحيادها وتحذير أي من الشخصيات السياسية المتنافسة في هذه الانتخابات الرئاسية التي تنوي المساس بالدستور وبالتعددية - في تلميع بوتفليقة - تؤكد أن المسألة لم تحسم بعد، وبأن الباب لايزال مفتوحا على مصراعيه أمام كل الاحتمالات، بما فيها «سيناريو الكارثة».

من الخارج، كما من الداخل، يبدو الوضع في الجزائر معقدا أكثر من أي وقت مضى. ما يجعل مهمة المحللين السياسيين المختصين بهذا البلد معقدة للغاية. فهنالك من جهة، رئيس حالي يريد بأي ثمن التجديد، على رغم عدم رضا «عرابه السابق» المؤسسة العسكرية التي أوصلته منذ خمس سنوات للسلطة على حصان أبيض، عن الأسلوب الذي يعتمده في الحكم والأدوات التي يستخدمها لتعزيز سلطاته بهدف تأمين ولايته الثانية. ومن جهة أخرى، قوى سياسية وصل عددها إلى 11، تلاقت مع بعضها بعضا اليوم، واضعة خلافاتها وتبايناتها جانبا، بعد أن تجاوز الرئيس بوتفليقة وفريقه، الحدود الدستورية. ما ينذر بإجراء انتخابات غير نزيهة، حتى ولو وعد الوزير الأول الحالي، أحمد أويحي - الحليف العلني لرئيس الجمهورية المرشح - في تصريحاته شبه اليومية التي يؤكد من خلالها ضمان الحياد الكامل لجهاز الإدارة والعمل على «التطبيق الصارم لأحكام الدستور والقوانين، في الاقتراع الذي لم يحدد تاريخه النهائي حتى الآن، فيما إذا كان في شهر مارس/ آذار، أو أبريل/ نيسان المقبلين.

اليوم وقبل أقل من ثلاثة أشهر على هذا الاستحقاق، ترى الدوائر الغربية، في طليعتها الفرنسية، بأن بداية الطلاق بين بوتفليقة و«الجنرالات، صانعوا الرؤساء» في الجزائر، قد قطع شوطا، وبأن إعادة خلط الأوراق على النحو الحاصل، جعل من الأربعين مرشحا ممن تقدموا بطلباتهم حتى الساعة يضيعون البوصلة، فالتخبط العام، الذي انعكس بحدة على مجريات الانتخابات الرئاسية يدعو للاعتقاد بأن المرحلة القريبة المقبلة ستفسح المجال أمام كل أشكال التجاوزات... والاضطرابات. ما يفرض عندئذٍ، كما حدث في العام 1991، التدخل «القانوني» والمبرر «للصامت الأكبر» أي الجيش. هذه القوة الحاسمة سياسيا، الذي ذكر رئيس أركانها، الفريق محمد لعماري، الذي يمثل محصلة قرار الولايات العسكرية السبع في حديثه مع عدد محدود من الصحافيين في 14 يناير/ كانون الثاني الماضي «من قال إن الجيش محايد؟». تصريح جاء بعد يوم واحد من نشر المقابلة التي أجراها وزير الخارجية، عبدالعزيز بلخادم، أحد أكبر مهندسي التجديد لبوتفليقة مع صحيفة عربية أكد خلالها أن «الجيش سيبقى على الحياد في الانتخابات حتى لا يتهم بالتدخل والتزوير».

معادلة وأوراق

من أجل محاولة فهم أبعاد ما يمكن أن يحدث سياسيا على أرض الواقع في الجزائر واتجاهات الرياح التي تشتد وطأتها مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي، يكفي العودة إلى عملية الاقتراع التي جرت في العام 1999. يومها، تمكن وزير الخارجية الأسبق، عبدالعزيز بوتفليقة - الذي وصفه في حينه، الفريق المتقاعد خالد نزار «بالأفضل بين الأسوأ» - من الحشد تحت رايته كل ما تملك الجزائر من شبكات نفوذ مثل: «حزب جبهة التحرير الوطني» التاريخي، و«الاتحاد العام للعمال الجزائريين» - القوة النقابية الفاعلة في المجتمع - وجزء لا يستهان به من الإسلاميين المعتدلين، إضافة إلى كبريات الصحف الناطقة باللغة الفرنسية والمؤثرة بشكل كبير في الرأي العام المحلي. في الوقت عينه، كان عبدالعزيز بوتفليقة المرشح المقبول لدى غالبية أصحاب القرار في المؤسسة العسكرية. ما فهمه المرشحون الآخرون مثل رئيس الوزراء السابق مولود حمروش الذي كان الأوفر حظا.

أما اليوم، فالوضع مختلف برمته، إذ لم يعد بوتفليقة يحظى بدعم هذه الشبكات. فالحزب بات في يد خصمه المباشر، علي بن فليس، على رغم محاولة الإطاحة به عبر خلق حركة تصحيحية لم يتمكن أعضاؤها في نهاية المطاف، وبعد ليلة ليلاء، سوى الاتفاق على تأييد ترشيحه. من جهته، يتردد الأمين العام لاتحاد العمال الجزائريين، سيدي سعيد - الذي لا يكن أي ود لبوتفليقة - من اتخاذ أي موقف علني حتى الآن، ذلك بانتظار معرفة اتجاه الريح، علما بأن المركزية النقابية قد دخلت منذ أشهر في عملية اختبار قوة مع الحكومة، خرجت منها منتصرة بعدما شلت الاضطرابات التي دعت إليها الحركة في المرافق الحيوية كافة. أما الإسلاميون المعتدلون الذين مد لهم بوتفليقة اليد من خلال مشروع المصالحة المتعارف على تسميته «الوئام الوطني»، فإنهم يلعبون على الحبال. فتارة يوجهون سهامهم لرئيس الدولة ويغازلون المؤسسة العسكرية، وتارة يتقدمون بمشروعات للحكومة تهدف لإنقاذ البلاد من أزماتها، من دون تقديم أي وعد بدعمها.

في ظل هذه المعاملات الصعبة، يحاول بوتفليقة العوم مع وضد التيار في آن معا، عاملا على إبقاء رأسه فوق الماء، منحنيا للعواصف، مصطادا للفرص، ومستخدما أحيانا سلطاته الدستورية وغير الدستورية لاضعاف خصومه السياسيين. ما وضعه في نهاية المطاف، أمام جملة من المواجهات والمعارك التي يتحتم عليه ليس فقط خوضها بل الانتصار فيها، إذا ما كان يريد البقاء حتى انتهاء الشوط أمر يبقى غير محسوم. ويراهن الرئيس الجزائري في هذه المرحلة بالدرجة الأولى على ما يصفه المقربون منه بالانجازات الاقتصادية التي حققها والتي تجلت بمعدل النمو الذي وصل بحدود 5,5 في المئة بنهاية العام 2003، وحجم العائدات من الهيدروكربورات التي زادت بنحو 30 في المئة، والتي تجاوزت الـ 24 مليون دولار. كذلك، مراكمة الاحتياطات من النقد الأجنبي التي ناهزت الـ 30 مليون دولار. ويستشهد هؤلاء بالتقرير السنوي الصادر عن صندوق النقد الدولي الصادر في نهاية يناير 2004، الذي يهنئ فيه السلطات الجزائرية على حسن أدائها الاقتصادي في السنتين الماضيتين. لكن غاب عن هؤلاء المقربين، بحسب رأي المعارضين لبوتفليقة ما أورده التقرير عينه لناحية التحديات الصعبة التي لاتزال مفروضة على الاقتصاد الجزائري، في طليعتها معدل البطالة المقدر بأكثر من 30 في المئة، وخصوصا بين الشباب الذين يشكلون ما يقرب الـ 68 في المئة من مجمل القوى العاملة. أيضا، ضعف القطاع الخاص وغياب الشفافية، ما يميز السوق المالية الجزائرية والقطاع المصرفي الذي شهد خلال السنة الماضية عدة افلاسات لمصارف خاصة في طليعتها فضيحة «بنك الخليفة». يضاف إلى ذلك، الفساد والرشوة المسيطران على القطاعات والإدارات كافة. في هذا السياق، يلحظ خبراء هذه المؤسسة المالية الدولية بأنه لا يكفي بأن تكون الدولة غنية في حين يزداد الشعب فقرا. ما يعني أن بوتفليقة بات محكوما بالدخول في سباق مع الوقت - لا يبدو بأنه يعمل لصالحه نظرا لضيقه - ليصحح بعض الأوضاع المعيشية. هذا وإلا سينعكس هذا العامل سلبا على معركته الانتخابية.

موازين قوى وسيناريوهات

من المواقف التي تؤخذ على الرئيس الجزائري الاستقواء بالخارج في بعض الحالات، بهدف احراج خصومه أو حتى المؤسسة العسكرية، عندما يدعو مثلا بعض جمعيات حقوق الإنسان للاضطلاع على مصير المفقودين في مراحل المواجهة مع الفصائل الإسلامية المتطرفة ومن ثم التراجع عن ذلك بسرعة. تماما كما حصل عندما بادر في حوج دوج لدعوة عدد من الفنانين اليهود من أصل جزائري لزيارة مسقط رأسهم، ما أثار ردود فعل عنيفة دفعته للتراجع عن خطوته لكن النقطة الأضعف في ميزان القوى بالنسبة إليه تكمن في العلاقة الوطيدة التي باتت تربط المؤسسة العسكرية الجزائرية بحلف شمال الأطلسي من جهة، ومن جهة أخرى، بأصحاب القرار داخل الاتحاد الأوروبي، الذين يصرون على الدوام على لقاء العسكريين الجزائريين. فإذا كان بوتفليقة توصل إلى تفاهم خلال حكمه على تقاسم القرار الاقتصادي المتعلق بشركة «سوناطراك» للهيدروكربورات، المتعارف على تسميتها بـ «الدجاجة التي تبيض ذهبا للنظام»، إلا أنه في المقابل بقي مبعدا بشكل كلي عن النشاط العسكري وقرار المؤسسة، حتى ولو كان هو من الناحية الدستورية الشكلية القائد العام. من هنا يفهم تدافع المسئولين الغربيين على أبواب الفريق محمد لعماري، كذلك رموز المجموعات الصناعية التسليحية من أميركية وفرنسية وبرازيلية وإسبانية.

في ظل هذه المعطيات، يبدو من الصعب على بوتفليقة أن يجدد ولاية ثانية إلا إذا وافق على شروط الجيش، الذي يفيد بعض المقربين من أوساطه أنه لم يعد يثق بهذا الأخير كونه لم يحترم التزاماته السابقة التي تعهد بها عندما وقع الخيار عليه. لذلك، فالسيناريوهات المتداولة اليوم متعددة، تتراوح بين تسوية في الوقت الضائع يخضع فيها بوتفليقة كليا لشروط «السلطة العقلية» التي تترك له بالتالي بعض مجالات الحكم، وبين أن يركب رأسه ويخوض الانتخابات في وجه العاتيات، ضاربا عرض الحائط بموازين القوى، محاولا تسجيل موقف تاريخي وفق نظرية «عليّ وعلى أعدائي يا رب». ففي حال لجأ بوتفليقة لهذا الخيار يكون، برأي المحللين، بمثابة براقش التي جنت على نفسها. عندئذٍ سيتحرك الاتحاد العمالي وينزل للشارع طارحا المشكلات دفعة واحدة، يحرك الجيش شبكات نفوذه المتعددة ويختلط الحابل بالنابل، ما يفرض اللجوء له من قبل الجميع لانقاذ البلاد، ذلك بدعم أيضا من الدول الغربية الكبرى المهتمة باستقرار الجزائر. عندما تتوقف العملية الانتخابية من قبل الجيش، تعين قيادة تشرف على انتخابات جديدة ويتم الاتفاق على نمطية مقبولة داخليا وخارجيا، مشهود لها بالانفتاح وبالديمقراطية ومن الأفضل أن تكون تقنوقراطية. كل هذه المواصفات موجودة في درج «السلطة العقلية» التي سيحفظ لها التاريخ تأمين «عملية الانتقال الديمقراطي» في الجزائر

العدد 518 - الخميس 05 فبراير 2004م الموافق 13 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً