العدد 2691 - الأحد 17 يناير 2010م الموافق 02 صفر 1431هـ

الدور السياسي المميز لمنظمات المجتمع المدني (1)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يشوب الحديث عن منظمات المجتمع المدني في البحرين وتاريخها مسحات من الحزن والكآبة والتحسر في آنٍ، نظرا لما عانت منه تلك المنظمات، من قمع وإرهاب ومصادرة لأدنى شكل من أشكال الحريات التي تحتاجها، والتي لم ينتشلها من تلك الحرب التي شنتها ضدها أجهزة الدولة، سوى المشروع الإصلاحي في مطلع القرن الحالي، والذي كان، في حقيقة الأمر، محصلة طبيعية وتتويج صحيح، للتضحيات الكبيرة التي قدمتها الجماهير البحرينية عبر العديد من مؤسساتها النضالية وفي القلب منها منظمات المجتمع المدني.

ما يثير هذه الحالة المتشعبة من الكآبة، بشأن هذه الوضعية غير الطبيعية التي عانت منها تلك المنظمات البحرينية، والتي استمرت منذ الخمسينيات من القرن الماضي، هو أن سياسة القمع والإرهاب تلك حالت، بشكل مباشر ومؤثر، دون النمو الطبيعي لتلك المنظمات، كي تمارس دورها الحقيقي في عمليات البناء والتطوير التي كان المجتمع البحريني في أمس الحاجة لها، بخلاف ما عرفته منظمات مدنية في دولة قريبة من البحرين مثل الكويت، أخذا بعين الاعتبار أسبقية البحرين على هذا الطريق، كما تشير أدبيات الحركة السياسية عندما ثمنت دور «هيئة الاتحاد الوطني»، التي أدركت في مرحلة مبكرة أهمية العمل الذي تقوم تلك المنظمات، والتي شكلت رافدا أساسيا من روافدها، الأمر الذي دفعها إلى تأسيس البعض منها مثل اتحاد عمال البحرين، أو الاستفادة من تلك القائمة كما كان عليه الحال في النوادي الاجتماعية مثل «نادي البحرين» في المحرق وسواه من الأندية الأخرى في المنامة. وهي جميعها علامات بارزة على ذلك الطريق الذي عرف الكثير من مؤسسات أخرى، بما فيها مؤسسات نسائية مثل «جمعية نهضة فتاة البحرين» التي تأسست كأول جمعية نسائية في الجزيرة العربية في العام 1955.

بعد ذلك دخلت منظمات المجتمع البحريني في نفق الحالة القمعية التي سادت البحرين، وتوّجت بالعمل بما جاء به «قانون الدولة».

حينها عرفت تلك المنظمات حالة النفي في المهاجر، كما جرى بالنسبة للاتحاد الوطني لطلبة البحرين، وفي مرحلة لاحقة منظمة الشباب البحريني، وتعرضت جمعيات مثل «جمعية أوال» إلى سياسة معادية من قبل الدولة وأجهزتها هدفت إلى حشرها في زاوية ضيقة تمسك بخناق كل أنشطتها التي أصبحت، من منطلقات ذلك القانون قريبة من الأعمال «الإرهابية» التي تستحق بموجبه عضواتها، وبشكل خاص عضوات مجالس إدارتها إلى الملاحقة بل وحتى الاعتقال والاستجواب. وحاولت الدولة حينها إشهار منظمات بديلة موازية، لعل من أبرزها اتحاد الأندية الطلابية، الذي رفضته القاعدة الطلابية البحرينية، وعانى من تعثر لم تنقذه منه حتى جرعات الدعم الكبيرة التي تلقاها دوريا وبسخاء من أجهزة الدولة المختلفة دون استثناء، وعلى وجه الخصوص من لدن سفارات دولة البحرين في الخارج.

حالة منظمات المجتمع في البحرين، قريبة، إلى حد بعيد بحالتين عربيتين أخريين هما الأراضي المحتلة، والعراق. فعلى مستوى فلسطين، يرى الناشط الفلسطيني ناصر عدوي، أن الستين عاما التي تلت نكبة 1948 ، وتأسيس دولة العدو الصهيوني، حالت دون تشكيل حتى الأطوار البدائية من منظمات المجتمع الوطني، نظرا لانخراط الشعب الفلسطيني عميقا في الكفاح ضد تلك الدولة من جهة، ومحاربة المؤسسات الصهيونية لأي شكل من أشكال العمل المنظم الفلسطيني، لما في ذلك منظمات المجتمع المدني. واستمرت تلك الحالة حتى التسعينيات من القرن الماضي مع إبرام اتفاقية أوسلو في التسعينيات من القرن الماضي، عندما، وكما يقول عدوي، دخلت «الأراضي الفلسطينية في وضع أكثر استقرارا، فبدأ الحديث عن مفهوم المجتمع المدني بشكل عام متمحورا حول تفسير عملية المشاركة الجماعية الطوعية والمنظمة في المجال العام، والدور المترتب على منظمات المجتمع المدني تجاه بناء الكيان الفلسطيني، والتحول الديمقراطي للمجتمع الفلسطيني من المقاومة إلى المقاومة والبناء بما ينسجم مع متغيرات المرحلة الجديدة سياسيا».

أما بالنسبة للعراق، والتي يصف المحامي العراقي عبير الهنداوي، تطور هذه المنظمات «من أقصى المركزية إلى أقصى الحرية والانفتاح»، ليصل عددها اليوم، إثر سقوط نظام صدام الدكتاتوري، إلى ما يربو على ثلاثة آلاف منظمة من منظمات المجتمع المدني، من بينها منظمات كثيرة يفترض أن تعنى بحقوق الانسان، حيث لم يكن ذلك النظام، كما كان عليه الحال في البحرين، إبان سيادة قانون أمن الدولة، يسمح بقيام «أية مؤسسات مجتمع مدني بالمعنى الحقيقي، وإن كانت هناك بعض أطرها وأشكالها فهي كانت منظمات شكلية كرسها النظام لخدمة أهدافه وتوجهاته السياسية لهذا نستطيع القول إن العهد السابق لم يشهد ولادة منظمات مجتمع حقيقية كما هو معروف في العالم وخصوصا الديمقراطي، بحكم طبيعة النظام الاستبدادي الدكتاتوري». ويؤيده في ذلك الكاتب في موقع «النبأ» أحمد عبد الأمير الأنباري، الذي يؤكد أنه «قبل التاسع من أبريل/ نيسان 2003، لم يكن في العراق منظمات مجتمع مدني بما تعنيه هذه المنظمات من نشاطات وتأثير في حياة الأفراد، وهذا يرجع إلى أسباب عديدة منها، أن النظام السابق لم يكن يسمح بوجود سلطة يمكن أن تحدّ من سلطة الحكومة، وكذلك لم يكن ليسمح بممارسة أي نشاط خارج أنشطة الحزب الحاكم أو الأنشطة الموجهة من قبل الحكومة، وهذا يتنافى مع طبيعة منظمات المجتمع المدني وأهدافها وآليات عملها. وبعد 9/4/2003 ظهرت أعداد كبيرة جدا من منظمات المجتمع المدني في العراق».

هذا يعني ان منظمات المجتمع المدني العربية، ومن بينها البحرينية، عانت كثيرا، بشكل مباشر من قمع الأنظمة التي كانت ترى في تلك المنظمات الجماهيرية، بما فيها تلك التي تشكلت على أيدي نخبوية، تهديدا حقيقيا للسلطة الاستبدادية التي كانت تتمتع بها، والتي لم تكن على استعداد للدخول في أي شكل من أشكال المساومة السياسية للانتقاص منها أو تقليصها.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2691 - الأحد 17 يناير 2010م الموافق 02 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 9:23 م

      بعض المواطنين لم يحسنوا التعامل مع مؤسسات المحتمع المدني (خاص وسرى من أروقة بعض الجمعيات)

      لا يزال بعض المواطنين لم يحسنوا التعامل مع مؤسسات المجتمع المدني والبعض منهم ينضم لتلك الجمعيات لأسباب نفعية وبشراهه حيث افاد رئيس أحد الجمعيات أن فلان يريد الجمعية أن تدفع فاتورة الكهرباء لمنزله وآخر يطلب كوبونات للجامعة الخاصة وأخر وظيفته فقط يراكض خلف الأعضاء ولا يزال بعض المواطنين لا يرتقون عن المستوى الرعوي - إجتماع مائدة غداء - عشاء أو غبقة رمضانية وهكذا والبعض منهم يركض خلف النساء في تلك الجمعيات عارضا شهوته الحيوانية (مع تحيات إبراهيم بوعمر الصنقيحي)

اقرأ ايضاً