العدد 2700 - الثلثاء 26 يناير 2010م الموافق 11 صفر 1431هـ

تكريم الناشط هيثم مناع بجائزة المناضل الشملان

منحت الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان الناطق الرسمي باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان ورئيس المعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان والمنسق العام للتحالف الدولي لملاحقة مجرمي الحرب هيثم منّاع درع المناضل أحمد الشملان لحقوق الإنسان لسنة 2009.

ويأتي هذا التكريم في انطلاقته الثالثة، بعد أن ناله في عامه الأول اللورد البريطاني ايفبري، وفي عامه الثاني المحامي البحريني حسن رضي. وخاطب مناع الحضور بكلمة مشحونة بالعواطف، ولاسيما عندما تطرق للحديث عن الناشط السياسي عبدالرحمن النعيمي وصديق دربه الفقيد محمد السيد سعيد، مستذكرا مناقبهما ومواقفهما الشجاعة في لحظات كادت أن تدمع عينه فيها. وأكد مناع أن كلمته هذه جاءت بعد تفكير طويل للإجابة على سؤال من يكرم من؟، مستذكرا جملة من المناضلين البحرينيين.


وسط حضور كرم فيه أيضا من «وعد» و«المرسم الحسيني و«حقوق الإنسان السعودية»

تكريم الناشط هيثم مناع بجائزة المناضل أحمد الشملان

الجفير - هاني الفردان

كرمت الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان الناطق الرسمي باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان ورئيس المعهد الاسكندينافي لحقوق الإنسان والمنسق العام للتحالف الدولي لملاحقة مجرمي الحرب هيثم منّاع من خلال منحه درع المناضل أحمد الشملان لحقوق الإنسان لسنة 2009.

وقال الأمين العام للجمعية عبدالله الدرازي خلال الحفل الكبير الذي نظمته الجمعية في فندق الخليج مساء أمس: «إنه لشرف كبير للجمعية ولي شخصيا أن تتاح لنا الفرصة لتقديم درع الجمعية لشخصية إنسانية مناضلة المتمثلة في مناع الذي كرس سنين حياته في الدفاع عن قضايا الإنسانية محليا في بلده وعربيا وأمميا، مطبقا إيمانه ومبادئه بعالمية حقوق الانسان، فدافع ويدافع عن حقوق الناس قي سورية والبحرين ومنطقة الخليج والمنطقة العربية وفي جميع قارات العالم».

وسرد الدرازي السيرة الذاتية لمناع منذ مولده ونشأته ودراسته وحتى نضاله السياسي والحقوقي طوال السنوات الماضية التي كان من بينها السجن 16 عاما في ظل نظام البعث السوري.

وقال الدرازي: «إن التسعينيات مثلت لهيثم مناع سنوات الاختبار العملي لما راكم من نضالات أولية وكتابات وقراءات تكوينية. فقام فيها بأكثر من عشرين بعثة تحقيق شملت مناطق الصراع المسلح في يوغسلافيا السابقة ومنطقة البحيرات الإفريقية وآزاد كشمير وباكستان والجزائر، كذلك مهمات تحقيق ومراقبة قضائية في تونس والمغرب ومصر وتركيا والبرازيل وإسبانيا وفنزويلا ورومانيا وأوكرانيا. ومنع من الذهاب للشيشان ووادي كشمير وسيريلانكا وسيراليون وأفغانستان».

وتابع الدرازي «وزار مناع العديد من السجون الأوروبية وتدخل في محافل لجنة حقوق الإنسان في جنيف وخاصة في الملفات العربية والإفريقية. كان له دور هام في النضال من أجل المحاكم الخاصة في يوغسلافيا السابقة ورواندا وفي التعريف مبكرا بالعدالة الدولية وضرورة تطويرها ونشوء مؤسسة دائمة لها. كذلك ناضل من أجل فكرة كل الحقوق للجميع ردا على تركيز المنظمات الشمالية على الحقوق السياسية والمدنية. وشارك في ولادة أكثر من عشرين منظمة ومركزا ومعهدا لحقوق الإنسان في المنطقة العربية والمهجر. وقد رفض أية جائزة مالية لحقوق الإنسان (تجنبا لصدور حكم قضائي غيابي بتلقي أموال أجنبية بحقه في بلده بسبب حالة الطوارئ)، لكنه قبل ميدالية حقوق الإنسان من الأكاديمية القومية للعلوم في واشنطن باعتبارها جائزة رمزية».

وبين الدرازي أن الجمعية تمنح درع الشملان للعام الثالث على التوالي، والمخصص للمدافعين البارزين عن حقوق الإنسان، وأن الجمعية منحته في العام الاول للورد البريطاني أيفبري، وفي عامها الثاني منحته للمحامي البحريني حسن رضي.

وشكر الدرازي المناع لتحمله متاعب السفر والمشاركة في احتفال الجمعية وقبوله التكريم، كما قدم الشكر لـ «الوسط» ورئيس تحريرها منصور الجمري على المساندة والدعم لهذه الاحتفالية.

وبعد كلمات الاحتفال قدم المناضل أحمد الشملان الدرع التذكاري لهيثم المناع، كما شارك في تكريم المناع كل من جمعية العمل الديمقراطي (وعد) التي قدمت درعا تذكاريا والمرسم الحسيني الذي قدم لمناع والشملان لوحتين واللجنة الأهلية لحقوق الإنسان السعودية (تحت التأسيس) كذلك قدمت درعا تذكاريا أيضا.


الشملان: مناع شخصية حقوقية عالمية وصديق شعب البحرين

قال المناضل أحمد الشملان في كلمة ألقاها بالنيابة عنه ابنه خالد: «بفرحة غامرة وعظيم الاعتزاز تلقيت قرار الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان بمنح درع أحمد الشملان للشخصية الحقوقية العربية العالمية صديق شعب البحرين والمدافع الصلب عن حقوق الإنسان الناطق الرسمي باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان ورئيس المعهد الاسكندينافي لحقوق الإنسان والمنسق العام للتحالف الدولي لملاحقة مجرمي الحرب هيثم منّاع.

وشعر الشملان في كلمته خلال حفل تسليم جائزته لناشط الحقوق هيثم مناع بالفخر على اعتبار ان مناع أهم داعية لحقوق الإنسان على الصعيدين العربي والعالمي. ورأى الشملان أن ذلك ليس بغريب على منّاع الذي نشأ في بيت وطني وأمضى كل سنوات عمره في هذا العمل النضالي والإنساني النبيل، مشيرا إلى أن بِذرات النضال غُرِسَت في هيثم مناع منذ طفولته، كما غُرست بِذرات اشتغاله الفكري والثقافي منذ صباه. ومنذ أول شبابه تأصل لديه الفكر الديمقراطي وكذا الممارسة الديمقراطية عبر التجارب النضالية التي خاضها.

وتباع الشملان «حينما تحوّلَ - أواخر سبعينيات القرن الماضي - نحو النضال من أجل حقوق الإنسان بدأ يتعرض بشكل متواصل للملاحقات والمطاردات والنفي من قبل الأنظمة الرسمية القمعية، ومع دخول الثمانينيات تبلور عمله الحقيقي في المجال الحقوقي حيث عمَّدت تجاربه الشخصية القاسية اندفاعه في تبني قضايا حقوق الإنسان.

وأكد الشملان أن مناع نشط في تعزيز فكرة مُعارضةٍ سلمية ديمقراطية غير مرتبطة بأي نظام عربي أو غربي، وناضل من أجل ديمقراطيةٍ تعددية تُقر بحق كل المواطنين على اختلاف مشاربهم السياسية والعقائدية بالمشاركة في صنع حاضرهم ومستقبلهم. ووقف مدافعا صلبا عن حقوق المرأة التي اعتبرها الضحية الأولى للدولة التسلطية. هذا عدا اهتمامه بشكل خاص بحقوق الشعب الفلسطيني وعديد زياراته لمناطق الصراعات المسلحة والسجون. كما أبدى اهتماما كبيرا بتداعيات طروحات الحرب على الإرهاب في الهجمة على حقوق الإنسان، إضافة لذلك فهيثم مناع كان مشاركا رئيسيا في تأسيس العديد من المنظمات الحقوقية العربية والعالمية.

وأضاف الشملان «إلى جانب عمله النضالي الميداني في مجال حقوق الإنسان خاض مناع مجالا نضاليا آخر هو عمله الفكري والبحثي الدؤوب ذي العلاقة بمجال حقوق الإنسان حيث وضع أكثر من خمسة وثلاثين كتابا وثلاث اطروحات وعشرات الأعمال الجماعية وأكثر من ألف دراسة ومقالة منشورة تتناول جميعها قضايا حقوق الإنسان، فمن قضايا الديمقراطية والمجتمع المدني والفضاء غير الحكومي، الى معالجة واقع حقوق الانسان في عدد من المناطق العربية والغربية وعلى رأسها حقوق الإنسان الفلسطيني، الى البحث في عديد القضايا ذات العلاقة كقضايا التعذيب الجسدي، وقضايا الأصولية، وقضايا المواطنة، وقضايا التنوير والحجاب، الى قضايا حقوق المرأة والطفل، الى حقوق فئات مجتمعية أخرى كالصحافيين والمبدعين».

وخاطب الناطق باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان هيثم مناع الحضور في حفل تكريمه العواطف قبل العقول وجاءت كلمته المشحون بالشجون والكلمات التي تدغدغ القلوب بليغة وقوية تركت أثرها في الجميع، وخصوصا عندما تطرق للحديث عن الناشط السياسي عبدالرحمن النعيمي «أبوأمل» وصديق دربة الفقيد محمد السيد سعيد، مستذكرا مناقبه ومواقفهم الشهمة والشجاعة في لحظات كادت ان تدمع عينه فيها.

قال مناع: «زرت البحرين أول مرة، بعد ثلاثين عاما من تعرفي على مناضليها ومناضلاتها في المنفى، كان هؤلاء لي حملة صورة جميلة لهذا البلد وشعبه لا يمكن أن تغادر ذهني. كانوا قدوة وأمثولة تعلمت منها الكثير الكثير في حياتي النضالية السياسية والحقوقية، من شيمهم أنهم يؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة، ويعطون غريمهم السياسي التقدير الذي يستحق والغائب صورة تمنحه حقه... لذا أحببنا الشهيد معهم ودافعنا عن المعتقل وأعجبنا بمناضلي الداخل وعشنا لحظات السراء والضراء».

وأضاف مناع في الكلمة التي ألقاها في حفل تكريمه «عندما أقف اليوم بينكم أسأل نفسي بكل صدق وأمانة وتواضع: مَن يُكرّمُ مَن؟ أليس أحمد وعبدالرحمن وعبدالجليل وفوزية وسبيكة وموسى ومنيرة وعبدالنبي وعيسى وعبدالهادي ومنصور (وكل الأحبة لأن القائمة طويلة) أحق مني برسالة شكر أبدية لما قدموه لي في تجربتي المتواضعة وما علموني من خلق وقدرة على العطاء والصمود والتحمل».

ولم ينسَ مناع المناضل الكبير أحمد الشملان عندما أكد انه لا يمكن لكل من يتابع سيرة الشملان إلا أن يقف بإجلال على قدرته وجيله النضالي على اختصار حقب وأجيال ومراحل في حياة إنسان. فهناك شخصيات عرفت بنضالها من أجل التحرر من الاستعمار، وأخرى بنضالها النقابي والمطلبي، وثالثة بنضالها من أجل الإصلاح السياسي أو الاستقلال الثاني، ثمة من عاصر ما سمي بالمنظمات الشعبية وفشل في استعادة شبابه النضالي مع ما صار يعرف بالمنظمات المدنية.

وقال مناع: «»ثمة من اختار العريضة أو الإضراب ومن اختار الانتفاضة بكل تعبيراتها، في حالة «أبو خالد»، نحن أمام تجربة متعددة الميادين والموضوعات، عابرة الأجيال بلغتها المتجددة، وغنية بالقدرة على الجمع في كائن انساني واحد بين التحرر الوطني والحقوق الإنسانية والحريات الأساسية، بين محبة البحرين والنظرة الوحدوية والروح الأممية، من الاحتجاجات السلمية في الاعتصام والإضرابات والمسيرات والمظاهرات وإصدار البيانات، إلى حفر الخنادق وإقامة الحواجز في الشوارع والطرقات وتشكيل لجان مقاومة شعبية للهيمنة البريطانية ولعناصر الأمن والمخابرات وضرب دوريات المحتل وما يرمز له. ثم العودة لطاولة الدراسة وجلسات الرفاق السرية والبحث عن وسائل نضال جديدة تسمح باستعادة الأنفاس والمواقع بعد سنوات سجن رغم كل قساوتها، ويا لها من مفارقة، كانت استراحة لمحاربين لم يعرفوا معنى الإجازة والراحة والابتعاد عن الهموم العامة».

وتابع مناع «إذا كان السجن هو المآل الفردي لأحمد الشملان بعد كل هزة مجتمعية يجد نفسه في أتونها وتجده في قلبها المحرك، فما هو الفارق الموضوعي والتاريخي للبحرين والمنطقة بين انتفاضة 1965 وما قامت به لجنة العريضة الشعبية في 1995؟ كيف يمكن تحقيق متابعة دقيقة لتاريخ البحرين وأن نقرأ أهم محاور لعبة الأمم وصراعات الشعوب من أجل التحرر والحرية والخبز والكرامة عبر السير الذاتية التي كانت سواقي النهر الجميل الذي روى قدرة مجموعة صغيرة من الجزر لا يعرف الكثير مكانها على الخارطة صدّرت للعالم صورا جميلة للمبادرات والخبرات النضالية المتجددة في أهم المشارب الفكرية المعاصرة في العالم العربي، قومية واشتراكية وإسلامية، وأغنت الحركة الحقوقية العربية والآسيوية بحضورها الفاعل والدينامي؟».

ورأى مناع أن معظم معالم النضالات الحديثة لشعب البحرين لم تسجل بعد، وما فعلته المناضلة الباحثة فوزية مطر من محاولة تسجيل أمينة لتاريخ مازال معظم لاعبيه على قيد الحياة، ليس سوى قراءة سوسيولوجية سياسية ومدنية ساخنة ممزوجة بالدمعة والمحبة ومتربعة فوق أية حساسيات حزبية أو فئوية، محاولة تضعنا أمام كمٍّ هائل من الأسئلة ورغبة عارمة في استجواب كل قادر على الإدلاء بدلوه من أجل الاستيعاب الضروري لخصوبة مرحلة تاريخية نادرة والهضم السليم لهذه التجربة الغنية والحافلة بشكل يسمح للأجيال القادمة باستقراء حياة أفضل؟

وأشار إلى أن التاريخ عندما يمنح جيلا ومناضلين فرصة كهذه، فهو دون شك يقدم لهم فاتورة حساب ثقيلة على صعيد حياتهم الخاصة، في خياراتهم المهنية، في هواياتهم ورغباتهم الصريحة والدفينة، في دورهم اليومي الذي يتجاوزهم بكثير وأخيرا في صورة الناس عنهم التي تعتبر أنهم قدرة خارقة غير قابلة للعطب.

وتذكر مناع المناضلين عبدالرحمن النعيمي ومحمد السيدسعيد الذي تمنعه الأيام من التواجد في هذه اللحظات - على حد قوله -، مؤكدا أن واجب الجميع ألا ينسوا ما قدمه هؤلاء للإنسانية.


أصدر فيها الكثير من المطبوعات وقضى 16 عاما في المعتقلات

سنوات طويلة من النضال السياسي والحقوقي لهيثم مناع

ولد هيثم مناع في مدينة درعا في 16 مايو/ أيار 1951 وسّجل في أم المياذن مسقط رأسه. كانت نشأة المفكر هيثم مناع في بيت وطني: والد أمه (محمد عبدالرزاق الشرع) محامٍ حكم بالإعدام في عهد الانتداب الفرنسي وأنقذه الاستقلال من تنفيذ الحكم، والدته من الناشطات في الشأن الاجتماعي ومدرسة. أما جده لأبيه (ناصر عايش العودات) فلاح يعرف معنى الأرض وحياة الريف وقد قدم كل ما يملك لتعليم ابنه الوحيد يوسف في جامعة دمشق (كلية الحقوق)، والده من مؤسسي حزب البعث في جنوبي سورية وأمين فرع درعا حتى 1966.

درس اللغة العربية ثم عمل بالمحاماة بعد نفيه من درعا للجزيرة. كان في المجلس الوطني لقيادة الثورة ثم اعتقل أكثر من مرة وقضى من عمره 16 عاما في السجن في ظل سلطة البعث. في 1957 وشّح نفسه مع زملائه بعلم الجزائر لجمع التبرعات لحركة التحرير فيها وعمره 6 سنوات.

وفي سن الثامنة أصدر مع عبدالعزيز الخير صديق طفولته مجلة اسمها «التعاون». تبعها إصدار مجلة «الطلبة» في مدرسة المتنبي الإعدادية ثم أصدر مع زملاء ثلاثة مجلة «المهذب» بمساعدة مديرية التربية في درعا.

وفي المرحلة الثانوية حرر صحيفة «الفجر» بالإنجليزية مع أستاذ اللغة الإنجليزية الفلسطيني الشهابي الذي كان له عميق الأثر في قناعته المبكرة بأن القضية الفلسطينية ستكون في صلب أية معركة وطنية في المنطقة لأكثر من خمسين عاما وستترك بصماتها في الوضع الدولي برمته كذلك زرع عنده مبكرا ضرورة نهم الثقافات الأخرى بلغاتها.

في رده على سؤال لرئيس مؤسسة التنمية الفكرية علاء الدين آل رشي يقول مناع عن بداياته السياسية: «أول رغبة في السياسة في فكرة بسيطة تقول إن السياسة تحتاج للصدق والأخلاق في نشاط قمت به كتلميذ في المرحلة الإعدادية ثم أضيف له كلمة (والإيمان) بعد حرب 1967 حين شكلنا مجموعة طلابية صغيرة اسمها «الفتية المؤمنة» سمحت لي بحفظ القرآن الكريم وقراءة فكر البنا والمودودي وسيد قطب. ثم بدأت قراءة فرويد وماركس بنصيحة من أستاذ التاريخ. فشكلنا في 1970 جماعة اسمها «الإنسانيون العرب» كلف شخص فيها بنقد المودودية وشخص بنقد الفكر القومي العربي وكلفت بنقد الماركسية. وهكذا قرأت أهم المترجم لماركس وأحببت ما قرأت لكنني بقيت غير متأثر بلينين. وكان ذاك الزمان زمان «الماركسية اللينينة» لذا لم أنتسب لأي حزب شيوعي وشكلنا حلقة ماركسية. وبعد عامين اكتشفنا أن الحلقات ظاهرة وليست فقط إبداعا من جماعتنا فبدأت جديا فكرة تجميعها للوصول لتنظيم واحد. هنا اكتشفت أول قواعد العمل السياسي وهي أن الوحدة تتطلب التنازل عن جزء من الذات والقبول بمبدأ الأغلبية. لعل هذه التجربة هي التي أصلت الديمقراطية في أعماقي لأنني أذكر جيدا أن أصلان عبدالكريم مثلا قبل بأشياء تنظيمية كثيرة في مؤتمر حلب في 1976 لم يكن مقتنعا بها حرصا على احترام رأي الأغلبية وكان هذا هو الحال لي وللآخرين. ولكن بالتأكيد، كان للقمع الحصة الكبرى في تعزيز فكرة أن الديمقراطيات الشعبية تسير في طريق مسدود وأن أية كلمة تضاف للديمقراطية تقتلها. وكان لما تعرض له أحب الناس إلي من تعذيب وقتل أثره الواضح في تحولي نحو حقوق الإنسان وعدم القدرة على التواجد في تنظيم حزبي منذ عام 1978».

درس الطب في جامعة دمشق وفيها أصدر مجلة «دراسات فلسطينية» العلنية وقاد الطليعة الطلابية وكان يحرر مجلة «الثوريون» السرية، وفي سبتمبر/ ايلول 1973 نشر «دراسات عربية» (الأسرة الأبوية في الإسلام)، بعدها بشهر تعرف على سعيد سيف (عبد الرحمن النعيمي) الذي طلب منه التوجه لبيروت لدورة تدريبية لمناضلات الجبهة الشعبية في البحرين فكانت أول دورة تدريبية نسائية في حياته شجعته على تنظيم عدة دورات تكوينية للطالبات في سورية في 1974 و1975. وقد توجه مع عبدالرحمن النعيمي لدورة تدريب في مدينة تريم في اليمن لمناضلي الجبهة الشعبية لتحرير عمان. كذلك حاضر مناع في الدورات التي كانت تعقد في «سقيفة أبوأمل» كما كانت تسمى. وسمحت علاقات النعيمي الواسعة لهيثم وزملائه بالتعرف على أوساط الحركة الثورية العربية في المشرق العربي خصوصا وقتذاك واكتشاف ما يسميه «جيل العطاء الثوري».

فصل من الجامعة في السنة الأخيرة لدراسته الطبية ولوحق من أجهزة الأمن مع عدد كبير من أعضاء رابطة العمل الشيوعي واليسار الراديكالي بعد اغتيال كمال جنبلاط وسفر وفد معارض سوري للتعزية فيه. فبقي متخفيا لمدة عامين تقريبا قبل أن يغادر البلاد لمنفاه الطويل.

لجأ بأوراق مزورة إلى فرنسا في 27 مايو/ أيار 1978، وطلب اللجوء السياسي في لحظة لم يعد ينتمي فيها لأي حزب سياسي. فشكل جمعية صغيرة اسمها لجنة الدفاع عن المعتقلين السياسيين في الشرق الأوسط. ثم شارك في تحرير «الحوار الديمقراطي». إلا أن معركته الحقوقية الكبيرة بدأت بعد إضراب اليوم الواحد في سورية في 31 مارس/ آذار 1980 حيث اعتقل مئات النقابيين والديمقراطيين في سورية، فوضع نصب عينيه مهمة جدولة وتجميع وتوثيق حملة الاعتقالات كذلك الانتهاكات الأخرى التي حدثت أثناء الصراع المسلح بين السلطات السورية والطليعة المقاتلة لحركة الإخوان المسلمين ما بين 1978 و1982.

من المآسي، وبشكل خاص مأساة حماه ومن ثم العدوان على لبنان في 1982 بدأ يكتشف خطاب حقوق الإنسان أكثر فأكثر وليس فقط موضوع الاعتقال السياسي والمفقودين والقتل خارج القضاء. يقول مناع في هذا الصدد: «قرأت الشرعة الدولية لحقوق الإنسان في سن متأخرة، كنت أعرف بضعة مواد يستشهد بها الجميع، بل قرأت اتفاقية السيداو قبلها. لكن لم أكن مهتما بقراءة متمعنة لما كنت أسميه النصوص الباردة التي أفرزتها الأمم المتحدة. ما دفعني لحقوق الإنسان كان تجربتي القاسية ومعاناة من حولي، حيث تولدت لدي قناعة بأن الدفاع عن الإنسان وكرامته شرط واجب الوجوب لعودة السياسة إلى المجتمع والنهضة إلى الأمة: أعدم صديقي غياث شيحة بعد محاكمة مهزلية، وخسرت زوجتي الأولى بعد خمس أيام على زواجنا بعد ذلك بعام، فقدت عددا من أصدقائي في أيلول الأسود وعددا آخر في الحرب الأهلية اللبنانية، أمضى والدي في السجن 16 عاما تاركا مستقبل الأسرة لأمي، عدد من أصدقائي مفقود وأهم رفاق النضال كانوا في السجن. كان الضحايا من ألوان سياسية مختلفة وكانت حقوق الإنسان النافذة الوحيدة التي تسمح لي بالدفاع عنهم دون تمييز» (من شهادة لقناة آرته الفرنسية الألمانية).

شكل مناع في 2004 المكتب الدولي للجمعيات الإنسانية والخيرية، أول كونفدرالية تجمع منظمات هامة للعمل الإنساني من كل القارات، وانتخب بعد عام رئيسا له، كذلك شارك في تشكيل التحالف الدولي لملاحقة مجرمي الحرب في 31 يناير/ كانون الثاني 2009 وهو المنسق العام للتحالف حاليا. ومازال يقوم بمهمة المتحدث باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان ويرأس المعهد الاسكندينافي لحقوق الإنسان.

لم يمنع النضال اليومي هيثم من الكتابة، فحرر أكثر من 35 كتابا وثلاثة أطروحات وشارك في عشرات الأعمال الجماعية وله أكثر من ألف دراسة ومقالة منشورة.

العدد 2700 - الثلثاء 26 يناير 2010م الموافق 11 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 10:11 ص

      من تقصد؟

      ان كنت تقصد المقال_فاسأل هاني الفردان..
      وان كنت تسأل عن التعليق.. فأنت مصيب.. كان سهوا ليس الا..
      على العموم لهم والى كل المناضلين الشرافاء الاسلاميين_والتقدميين_والقوميين_والمستقليين.. وكل جماعه ام مجموعه حزب ام منظمه بل كل انسان صادق شريف امين عفيف عادل منصف هو يستاهل التقدير والاحترام......... تحياتي... أجودي..

    • زائر 2 | 8:38 ص

      ولكن

      لم يذكر شيئا عن المناضلين الدينين في البحرين
      ارجو ان تكون النية سقط سهوا ولا غير وتحياتنا الى الجميع

    • زائر 1 | 1:03 ص

      تحية حب لهما

      تحية حب للمناضلين... بصبركم وآلامكم تتحقق الأحلام.... تحياتي..... أجودي

اقرأ ايضاً