العدد 490 - الخميس 08 يناير 2004م الموافق 15 ذي القعدة 1424هـ

مفهوم الجودة في بناء شخصية وسلوك الإنسان المسلم

بنظرة متفحصة ناقدة في مجتمعنا نجد الكثير من المظاهر والممارسات لدى مختلف الأفراد والمؤسسات، والتي تعبر عن ضعف حضور وتبني مفاهيم الجودة والتطور والإتقان وتتجلى هذه الظاهرة في عدة مستويات:

1- على المستوى الفردي

ينعكس هذا الضعف على مختلف جوانب شخصيته وسلوكه فنلاحظ ضعفا كبيرا في قوة معتقداته الإيمانية التي باتت عنده أفكارا وتصورات لا تكاد تنفعل بها الجوارح لتباشر دربها في تغيير الإنسان إلى الأفضل فليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي وإنما ما وقر في القلب وصدقه العمل.

2- على مستوى الأسرة

التي تمثل ركيزة أساسية في بناء المجتمعات نرى تصدعا وشرخا عميقين فلا نتلمس داخل أسرنا في أغلبها حرصا لأعضائها على إعادة التعامل والعشرة بينهم و تطوير بنائها الداخلي بما يساهم في تحقيق الأهداف والأدوار المناطة بها سواء داخل الأسرة أو خارج الأسرة في علاقاتها التفاعلية مع المجتمع.

3- على مستوى الأمة

المسألة أعظم فمظاهر اللاجودة أصابت الأمة في صميم سيرها إلى الرقي الحضاري، فبدل أن تكون أجود وخير امة أخرجت للناس، قائدة للأمم الأخرى إلى الخير والهدى صارت تنعت بالتخلف والضعف.

وبالإمكان رصد مظاهر وآثار الضعف والتراجع في الجودة والإتقان في المجال السياسي والثقافي والاقتصادي وغيرها في حياة الأمة.

لذلك فانه يبرز الحاجة الملحة إلى وجود أفراد تتحرى الجودة في جميع الشئون الحياتية وتسعى بكل طاقتها إلى بلوغ أعلى الدرجات في التطور والإتقان وهي تمارس أدوارها المتعددة في الحياة.

فعلى رغم أن مفهوم الجودة هو مفهوم اقتصادي بحت يرمي إلى توفير منتوجات وخدمات بمواصفات مطلوبة تكون مطابقة لمعايير محددة فإنها تعتبر كذلك أساسا مهما ينبغي أن نستحضرها في بناء الإنسان وارتقائه في درجات الإيمان والفكر والمعرفة والأخلاق والثقافة.

النصوص القرآنية وصور وأشكال الجودة

هناك إشارات إلى مفهوم الجودة في القرآن بمعان وألفاظ متعددة وهي تشير إلى أهمية السعي والاجتهاد لتوخي الدقة والجودة في جميع الأمور ومن بين هذه المعاني والألفاظ:

أتقن: «صنع الله الذي أتقن كل شيء»(النحل: 88).

أحسن: «لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم» (التين:4) ثم «الذي أحسن كل شيء خلقه» (السجدة:7).

قوة: «فخذها بقوة وامر قومك يأخذوا بأحسنها» (الأعراف:145).

خير: «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله» (آل عمران:110).

وهذا غيض من فيض كثير من الآيات التي تعبر عن معنى الجودة والتحسين من الأعمال.

لماذا يسعى المسلم إلى تحقيق الجودة في بناء شخصيته وسلوكه؟

المسلم وهو يتجه إلى الجودة في أعماله وأقواله ومعتقداته فإنما ينطلق من منطلقات مرجعية وعقائدية واضحة لتحثه على تحري الدقة والجودة في كل مجالات حياته المادية والروحية.

مجالات بناء الجودة على مستوى شخصية وسلوك الإنسان:

بالتأمل في نصوص القرآن نجد أن الإسلام يحرص على تربية أفراده تربية قوامها الترقي والتطور المستمر في درجات الإيمان و التقوى وحسن الخلق والسلوك والتعامل وهناك مجالات متعددة لهذه التربية على الجودة والإتقان.

1- مجال الإيمان والاعتقاد:

يقول الله عز وجل «إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا و جاهدوا بأموالهم و أنفسهم في سبيل الله، أولئك هم الصادقون» (الحجرات:15). تبين الآية الكريمة أن الإيمان الصادق مرتبط باليقين.

2- مجال العلم والمعرفة:

يقول الله عز وجل «وقل ربي زدني علما» (طه:114). فالمسلم حريص على تحسين وزيادة قدراته المعرفية والعلمية.

3- مجال الكلام والتعبير:

يقول الله عز وجل «فإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها» (النساء:86). فالمطلوب من المسلم أن يرد التحية بأحسن منها.

ويقول الله تعالى «وقل لعبادي يقولوا بالتي هي أحسن» أي أن على المسلم أن يختار من بين الألفاظ والتعابير والكلمات أحسنها وأجودها لمخاطبة الناس.

3- في مجال الدعوة:

يقول سبحانه «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن»(النحل:125). فالداعية إلى الله يجب أن يكون حريصا في دعوته على اختيار الأساليب الحكيمة والطرق الناجعة والخطاب الجيد المتقن.

لعل أن الكثير من آليات ووسائل الجودة المعتمدة في عالم الصناعة والخدمات يمكن الاستعانة بها واستلهام منهجيتها لتحسين شخصية الإنسان وسلوكه، وتبقى عزيمة وهمة الإنسان ضرورية لشحذ الطاقات للارتقاء والسمو والتطور. يقول الله تعالى «ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه»

العدد 490 - الخميس 08 يناير 2004م الموافق 15 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً