العدد 491 - الجمعة 09 يناير 2004م الموافق 16 ذي القعدة 1424هـ

الإرهاب الوهمي... يخدم طموحات السياسيين في الحملات الانتخابية

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

هل هي مجرد مصادفة فقط أن يسارع وزير الداخلية في ولاية هامبورغ ديرك نوكيمان الذي ينتمي لحزب القاضي السابق المعروف بتطرفه اليميني، رونالد شيل، لإعلان حال الإنذار القصوى في هامبورغ التي هي ولاية ومدينة في وقت واحد، تعرف بلقب بوابة ألمانيا على العالم، بعد ورود تحذير من مكتب حماية الدستور في بحر الأسبوع الماضي عن احتمال تعرض مستشفى القوات المسلحة الألمانية في ضاحية فانديزبيك لاعتداء من قبل من وصفهم التحذير متطرفين إسلاميين دخلوا البلاد حديثا للقيام بعمل مماثل للاعتداء الدامي الذي حصل أخيرا في مدينة اسطنبول. وتم الحديث عن ليلة رأس السنة كموعد لهذا الاعتداء المرتقب.

غرقت مدينة هامبورغ في ذعر رهيب وانتشرت قوات الأمن ووحدات عسكرية خاصة عن الهدف المحدد والذي أشيع أن الإرهابيين اختاروه لاعتقادهم أن جنودا أميركيين أصيبوا في حرب العراق يتلقون العلاج فيه. قبل أيام قليلة فقط حصل في هامبورغ ما لم يثر اهتمام العالم إذ انهارت الحكومة الائتلافية المحلية التي كانت تجمع الاتحاد المسيحي الديمقراطي وحزب شيل المتطرف. ويعرف شيل وهو قاضي سابق بتعصبه ضد الأجانب ويغلب طابع الفاشية والبلاهة على كلامه، وعلى رغم هذا نجح حزبه حين رفع شعارات معادية ضد الأجانب في دخول البرلمان وكتب للحزب أن يشارك المسيحيين الديمقراطيين السلطة. ومارس شيل ضغوطا على العمدة الأعلى الحاكم أولي فون بويزت الذي قرر أخيرا الخروج إلى الرأي العام بعد ساعة على اتخاذه قرار طرد شيل من منصب وزير الداخلية بعد أن حاول الأخير ابتزازه سياسيا حين جاء يوما إلى مكتبه لإخطاره أنه حصل على معلومات بأن فون بويزت على علاقة شاذة مع وزير العدل في الحكومة المحلية والأخير صديق صبا للعمدة الأعلى الحاكم ورفض فون بويزت هذا الاتهام ثم مرت أسابيع وانتهى مصير حكومة ولاية هامبورغ وفقا لتوقعات الكثيرين.

لم يسمع أحد من قبل باسم ديرك نوكيمان لكن هذا الرجل له طموحات سياسية ووجد الفرصة والوسيلة. الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش استخدم الحرب المناهضة للإرهاب بعد هجوم 11 سبتمبر/أيلول العام 2001 وأرسل جنوده إلى أفغانستان ثم إلى العراق. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقول إن الحرب الخاصة في الشيشان هي حرب ضد الإرهاب. رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون، سفاح صبرا وشاتيلا يقول إن عمليات جيش الاحتلال الإسرائيلي في مناطق السلطة الفلسطينية وبناء السور ضد الإرهاب. من يطالع الصحف الغربية يجد أن الإرهاب أبرز موضوع يتناوله المعلقون والمحللون وجيش من الخبراء الذين يصوبون بأصابعهم إلى أطراف عربية وإسلامية. ولأن الدعاية الإعلامية المركزة التي تمارسها وكالات الأنباء الغربية وتتبناها وكالات أنباء وصحف عربية تزعم أن جذور الإرهاب موطنها في العالم العربي والإسلامي، اصبح المرء يبحث جاهدا في الصفحات عن تعليق ناقد للاحتلال الأجنبي للعراق الأمر الذي يكشف أن الأوروبيين الذين ناهضوا حرب العراق، يؤيدون اليوم احتلال العراق وكل همهم أن يساوموا مع الولايات المتحدة على تقاسم ثروات هذا البلد العربي الذي يضم ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم بعد السعودية.

لقد استفاد كثيرون من الإرهاب، ليس الإرهابيون فقط الذين نجحوا في نشر الخوف في نفوس البشر من بالي إلى اسطنبول، منذ 11 سبتمبر يستخدم السياسيون الإرهاب وسيلة لتحقيق مآربهم. ويعرف الناخبون في مدينة هامبورغ اليوم، مبتغى وزير الداخلية نوكيمان الذي يريد الحصول على تأييد لحزبه من خلال الدعاية ضد الإرهاب بعد أن صعد حزبه في السابق بفضل الدعاية ضد المواطنين الأجانب. ويبدو أن نوكيمان قرأ جيدا مبدأ بوش واطلع على تفاصيل إجراءات الأمن التي شرعت بها القوة العظمى بعد هجوم 11 سبتمبر وصعدتها بعد حربي أفغانستان والعراق وبدأ يطالب بوقف الأشخاص الذين يشتبه فيهم عند وصولهم الموانئ الألمانية. وليس هذا غريبا فالأمن الداخلي كان دائما هاجس حزب شيل: في الماضي معاداة الأجانب واليوم نشر الخوف من الإرهاب. وأبلغ نوكيمان الصحف المحلية أن لديه معلومات بأن تنظيم «أنصار الإسلام» الكردي العراقي يخطط للاعتداء على مستشفى القوات المسلحة في هامبورغ وهو واحد من سبعة مستشفيات تابعة للقوات المسلحة في أنحاء البلاد يتلقى العلاج فيها إضافة إلى العسكريين، كبار السياسيين والمسئولين من داخل وخارج ألمانيا. أضاف نوكيمان وكأنه يكشف لسكان هامبورغ عن سر خطير: لدي معلومات مفادها أن الذين يخططون لهذا الاعتداء ينتمون لنحو مئة من مؤيدي هذا التنظيم. وهناك 30 ألف إسلامي في ألمانيا بينهم بضعة مئات يخضعون إلى رقابة دائمة من قبل البوليس السري. لم يقل نوكيمان شيئا جديدا ففي تقرير مكتب حماية الدستور للعام 2002 وتقرير العام 2003 يجد القارئ هذه المعلومات لكن ذكرها في الوقت الحالي يخدم أغراضا انتخابية. ورفع نوكيمان صوته متحديا حين قال: إنني أطالب وزير الداخلية الاتحادي أوتو شيلي أن يقوم بواجبه شخصيا من أجل تغيير قوانين الأجانب حتى يصبح بوسعنا إبعاد هؤلاء الأشخاص. هذه العبارات أسقطت القناع عن وجه نوكيمان الذي وعد بتصحيح سياسات حزبه بعد إقصاء شيل وكشف أنه لا يختلف في طموحاته عن القاضي السابق وأنه يستغل الفرصة لبدء الحملة الانتخابية وخصوصا أن موعد انتخابات هامبورغ محددة بتاريخ 29 فبراير/شباط المقبل.

منذ 11 سبتمبر العام 2001 ارتبط اسم مدينة هامبورغ بالهجوم على الولايات المتحدة. في ضاحية هاربورغ عاش الطيارون الثلاثة محمد عطا ومروان الشحي وزياد الجراح ويقال إنهم وضعوا فيها جزءا من خطة الهجوم. على رغم المداهمات التي قامت بها شرطة المدينة والبوليس السري مازال يعتقد بوجود مئتي إسلامي متطرف يعيشون في المدينة. بتاريخ 28 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي تم إلقاء القبض على الجزائري عبد الرزاق.م بتهمة تجنيد شباب عرب ومسلمين في ألمانيا وإسبانيا للقتال في العراق. ومنذ مطلع العام 2002 يجلس الألماني من اصل سوري محمد حيدر الزمار وراء القضبان في سورية وكان على صلة وثيقة بالطيارين الثلاثة وكان أيضا يقيم في مدينة هامبورغ وكذلك المغربي منير المتصدق الذي يقضي عقوبة الحبس خمسة عشر عاما بعد إدانته بالشروع في القتل بأكثر من ثلاثة آلاف حالة. وتواصل المحكمة النظر في مصير ابن بلده عبدالغني المسعودي الذي نجح محاموه في إخلاء سبيله مؤقتا بانتظار القرار النهائي للمحكمة. من برلين رد وزير الداخلية الاتحادي بعنف على زميله في هامبورغ وقال إنه ارتكب خطأ في الكشف عن المعلومات التي زوده بها مكتب حماية الدستور الاتحادي نقلا عن معلومات بعثتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) التي تحذر منذ وقت الحلفاء من احتمال وقوع اعتداءات داخل أراضيها تستهدف أهدافا أميركية وتم في السياق التحذير من تعرض القاعدة العسكرية الجوية الأميركية رامشتاين لهجوم من قبل تنظيم «أنصار الإسلام». منذ بحر الأسبوع الماضي تحيط مصفحات الشرطة مبنى مستشفى القوات المسلحة في هامبورغ كما تمت زيادة إجراءات الأمن حول مطار رامشتاين الذي يستخدم كهمزة وصل بين الولايات المتحدة والدول التي فيها فرق عسكرية أميركية. ويعتقد ديرك نوكيمان أنه قدم مساعدة جلية لحزبه بعثوره على ورقة انتخابية من شأنها أن تعزز فرصه في الفوز في الانتخابات المحددة بتاريخ 29 فبراير المقبل

العدد 491 - الجمعة 09 يناير 2004م الموافق 16 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً