العدد 492 - السبت 10 يناير 2004م الموافق 17 ذي القعدة 1424هـ

2004 عام انفراج الأزمات الدولية

ابراهيم خالد ibrahim.khalid [at] alwasatnews.com

تشير الدلائل والمعطيات المتواترة على الساحة الدولية هذه الأيام إلى أن العام 2004 سيكون عام الانفراج للكثير من المعضلات والمشكلات التي ظلت على مدى عقود من الزمن تؤرق الكثير من الدول في مختلف القارات. وبعض هذه المشكلات تعد من مخلفات الاستعمار القديم والحرب الباردة بين القوتين العظميين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق.

يذكر أن أهم عوامل حلحلة هذه المعضلات التدخل الأميركي المباشر وغير المباشر في ظل تسيّدها بلا منافس على الساحة الدولية عن طريق القوة العسكرية في الكثير من الأحيان أو ممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية في أحيان أخرى.

من أبرز نماذج الانفراج الدولي ما تمخض في الأيام الماضية على هامش قمة «سارك» الآسيوية التي عقدت في إسلام اباد، إذ أعلنت كل من الهند وباكستان العدوين اللدودين عزمهما على استئناف المفاوضات بينهما في شهر فبراير/ شباط المقبل على أمل حل مشكلة كشمير المزمنة وتطبيع العلاقات الدبلوماسية بين العاصمتين إسلام اباد ونيودلهي.

ومن المعروف ان مشكلة كشمير تعد من مخلفات الاستعمار البريطاني وظلت تستنزف الموارد البشرية والمادية للبلدين الجارين ودفعت بهما إلى الدخول في سباق تسلح انتهى بإجراء الجانبين تجارب نووية أذهلت العالم ووضعت البلدين على حافة حرب مدمرة لا تبقِ ولا تذر.

التقارب الأميركي مع باكستان عقب أحداث سبتمبر/ أيلول وتعاون باكستان مع التحالف الدولي الذي أطاح بحكومة «طالبان» في أفغانستان فتح الباب للدبلوماسية الأميركية - التي تقيم علاقات استراتيجية مع الهند أصلا - إلى إحداث تقارب في وجهات النظر بين الهند وباكستان كان من نتائجه تبادل الطرفين بعض المعلومات النووية وإعادة خطوط النقل البري والجوي للعمل بين البلدين بعد فترة من التوقف أعقبت حادث الهجوم المسلح على البرلمان الهندي.

نموذج آخر للانفراج التقارب الإيراني المصري وما تخرج من تصريحات من البلدين تؤكد أن عودة العلاقات الدبلوماسية بين طهران والقاهرة أصبحت وشيكة خصوصا بعد الخطوات التي اتخذتها إيران في الآونة الأخيرة لإزالة بعض جوانب الخلاف والقطيعة بين الجانبين ومنها تحويل اسم شارع (خالد الإسلامبولي) إلى شارع (الانتفاضة).

ساءت العلاقات بين مصر وإيران منذ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران التي اعتبرتها القاهرة تهديدا للمنطقة والخليج العربي، وازدادت سوءا عقب موقف إيران من حادث مقتل الرئيس المصري الراحل أنور السادات إذ أطلقت اسم الاسلامبولي على احد شوارع طهران تخليدا لدوره في هذه العملية. ومن المعروف ان إيران اعتبرت السادات خائنا لتوقيعه اتفاق كامب ديفيد مع «إسرائيل». ومنذ ذلك الوقت تمثل طهران وحليفتها دمشق محورا منافسا لموقف مصر من القضية الفلسطينية وهو الأمر الذي يحتاج إلى الكثير من الحوار لتحسين العلاقات بين البلدين حتى تعود إلى صورتها الطبيعية مع وضع الاعتبار للتحولات التي شهدتها المنطقة في السنة الماضية.

نموذج ثالث للتقارب والانفراج الدولي الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس السوري الشاب بشار الأسد إلى تركيا في الأيام الماضية. تعد هذه الزيارة نقطة تحول مهمة في تاريخ المنطقة، إذ شهدت العلاقة بين البلدين الكثير من حالات التوتر أوشكت أن تدفع الطرفين إلى حافة الحرب، فبين البلدين الكثير من الخلافات المتعلقة بالسدود التركية التي تمنع حصول سورية على نصيبها المحدد من مياه الأنهار التي تتدفق من الأراضي التركية، كما أن العلاقات التركية مع «إسرائيل» وخصوصا في المجال العسكري عملت على زيادة التوتر بين الطرفين. وهناك مشكلة الأكراد التي تؤرق البلدين ولعلها ستكون هذه المرة القاسم المشترك الذي يجمع بينهما خصوصا في ظل الاحتلال الأميركي للعراق والمخاوف المتزايدة لدول المنطقة من قيام دولة كردية في شمال العراق الأمر الذي يؤثر سلبا على استقرار كل المنطقة.

نموذج رابع لانفراج الأزمات يتعلق بقرب التوصل لتوقيع اتفاق سلام شامل بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان مهد له التوصل لاتفاق قبل أيام لأصعب النقاط المتعلقة باقتسام الثروة. وقد ظلت الحرب الأهلية في جنوب السودان مستعرة منذ سنوات وساهم في تفاقمها تدخل بعض دول الجوار لخلافات مع حكومة الخرطوم وبإيعاز من تحالف المعارضة الشمالية في بعض الأحيان.

وعلى المستوى الافريقي حدث تطور خامس أيضا في الانفراجات تمثل في انتهاج ليبيا أسلوب الحوار مع الغرب عقب تجاوز أزمة لوكيربي ما حذا بها لإعلان تخليها طواعية عن برنامج سري لتطوير اسلحة الدمار الشامل لتعيد نفسها إلى المجتمع الدولي على أمل إقدام واشنطن على الصفح عنها برفع العقوبات التي تفرضها عليها.

في ظل هذه التحولات نأمل أن تشهد المنطقة العربية المزيد من الانفراجات ونتمنى أن تتفهم الولايات المتحدة ان سبب وجود جرثومة «إسرائيل» في قلب الوطن العربي قد انتفى خصوصا في ظل توليها زعامة الحرب على الإرهاب العالمي. فما خلفه وجود «إسرائيل» من سلبيات اكبر من الايجابيات التي حققها الغرب. فحال عدم الاستقرار الذي ظلت تعاني منها المنطقة ولدت جماعات التطرف والإرهاب التي تقلق مضجع أميركا حاليا، وعليه فالأصوب تصحيح المعادلة حتى نتجاوز بسلام هذه المرحلة التي دفعنا ثمنها غاليا

إقرأ أيضا لـ "ابراهيم خالد"

العدد 492 - السبت 10 يناير 2004م الموافق 17 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً