العدد 492 - السبت 10 يناير 2004م الموافق 17 ذي القعدة 1424هـ

«الحالمون»... صدمات ومخاوف

«بعد ثلاثين عاما من عرض فيلمه Last Tango في باريس احدث فيلم بيرناردو بيرتولوكش الأخير بعنوان «The Dreamers» صدمة في مهرجان فينيسيا السينمائي الأخير وأثار الخوف بين الموزعين الاميركيين».

ففي هذا المهرجان الخالي من الجدل الى حد كبير احدث فيلم بيرتولوشي انقساما بين النقاد وجلب فضيحة جنسية واوجد أول ضجة رقابية كبيرة للمهرجان وعرى الهوة الثقافية بين المشاهدين والنقاد الاميركيين والاوروبيين - كل ذلك بسبب هذا العمل الذي قدمه المخرج الذي تجاوز الستين من العمر والذي يبدو كما يعتقد الكثيرون ان أفضل سنوات اعماله قد انتهت.

وقد احتشد المشاهدون اثناء المؤتمر الصحافي في الاجنحة ورقدوا امام الشاشة ما خلق جوا مشابها للفترة التي تم فيها تصوير الفيلم في الايام العنيفة العام 1968 والتي يقول عنها بيرتولوشي انها تشكل اساس عمله. وبغض النـظر عن المصير النهائي للفيلم في الولايات المتحدة فمن المؤكد انه سيثير الاهتمام مجددا بحوادث تلك الفترة التي نسيها الكثيرون من الناس أو فضلوا تجاهلها.

ويبدأ الفيلم (الذي تم تعديله على غرار قصة غيلبيرت ادير) في فبراير/ شباط العام 1968 في الوقت الذي كان يعتزم فيه آندري مارلو، وزير الثقافة في عهد الرئيس الفرنسي شارل ديغول عزل هنري لانجلوا من منصبة كرئيس لهيئة السينما الفرنسية. وقد اطلق جين كوكتو على لانجلوا لقب «التنين الذي يحرس كنوزنا».

وبخلاف الكثير من أمناء الارشيف الآخرين كان لانجلوا أكثر اهتماما في عرض الافلام بدلا من حفظها. لقد كان شخصية غير منظمة، ولكنه كان محبوبا يحترمه الجمهور. وقد أثارت محاولات قتل التنين حفيظة جميع المثقفين البارزين في فرنسا ومنتجي الافلام أيضا. وكان من ضمن الاشخاص الذين ايدوا اعادة تعيين لانجلوا في منصبه رينوا وجين لوك غودارد ورولاند بارثي. ان الفضيحة التي نسيت الآن كانت الشرارة التي أشعلت أعمال الشغب والاحتجاجات العام 1968 (وبعد ثلاثة أشهر بعد مظاهرات منتصف مايو/ أيار انضم حوالي عشرة ملايين عامل فرنسي الى الاضراب).

وقد شكلت حوادث العام 1968 في فرنسا الإطار لفيلم The Dreamers الذي تحول الى دراما سيكولوجية قوية تركز على الخوف المرضي من الاماكن الضيقة. وتدور حوادث هذه الدراما داخل شقة ضيقة في باريس إذ يذهب الطالب الاميركي ماثيو (مايكل بت) ليعيش مع اخيه واخته ايزابيل (ايفاغبرين) وثيو (لويس غاريل). ويحتوي الفيلم على اشارات كثيرة لغودارد وحتى الى بونويل الذي أطلق فكرة حفل الغذاء الذي لا يمكن للضيوف مغادرته.

وقد كشف بيرتولوشي أخيرا عن احتمال حذف وتشويه اجزاء من الفيلم قبل عرضة في الولايات المتحدة. وكان الموزعون الاميركيون (شركة Fox) متحمسين في البداية، ولكنهم أصبحوا الآن قلقين بالنسبة إلى نشر فيلم يحمل شهادة NC-71 ومن المحتمل ان يقوموا بقص اجزاء من الفيلم كي يحصل على درجة R حتى يصبح أكثر قبولا.

وقبل وقت طويل من اكمال فيلم The Dreamers أبدى العارضون الاميركيون قلقا بالمحتوى العاطفي في الفيلم.

وعلى أية حال فعندما عرضت FOX لقطات من الفيلم في وقت سابق من هذا العام، حذرت الشركة أن على أي شخص يشعر بأن مشاعره قد جرحت أن يغادر قاعة العرض.

ويعتقد غلبيرت ادير ان الضجة حول المحتوى قد صيغت بعبارات خاطئة، إذ إن بعض الكلمات أنت كنوع من «لطف التعبير».

فنحن لا نتحدث عن العُرْي، اننا نتحدث عن الأمور التي لا يقبلها الناس، فبإمكاننا أن نعرض أي شيء على الشاشة باستثناء أعضاء معينة من جسم الانسان، وهذا ما يبدو غريبا بالنسبة إلي. فلو كان المشهد يظهر فقط قيام ثيو وايزابيل بقلع عيني ماثيو وقذفهما خارج النافذة لحصل الفيلم على درجة R ولم تكن هناك أية مشكلة، ولكن حدثت مشكلة كبيرة لاننا اظهرنا هؤلاء الاشخاص في صورة فاضحة. وبالنسبة إلى الشباب - وخصوصا الممثلين الذين لم تتم تجربتهم - فإن عمل فيلم عاطفي مثل The Dreamers كان عملا صعبا.

يقول ادير الذي كان موجودا طيلة فترات التصوير «إننا لم نجبر الممثلين على أداء هذا الدور ولم يكن هناك أي قلق كما يظهر على الشاشة».

ويعترف بت أنه كان حذرا قبل بدء التصوير ولكنه حاول تذكير نفسه أن الناس في أوروبا سينظـرون إلى الفيلم نظرة مختلفة عن بلدان أخرى، وقد تم تصوير اللقطات المشينة في وقت لاحق من عملية الانتاج.

وقد قام بيرتولوشي بعمل تغييرات كبيرة على قصة ادير إذ قلل بشكل خاص من العناصر التي تشير إلى الشذوذ. وكانت هذه العناصر موجودة في السيناريو الاصلي لادير ولكنها كبتت لأن المخرج شعر بأنها كانت ظاهرة بشكل مفرط.

ولكن ادير يصر أنه لم يتخلص من جميع المشاهد العاطفية في الفيلم. ويقول ادير إن المخرج لا يتوارى خلف السخرية أو يستخدم ميزة الإدراك المؤخر لهجاء وانتقاد الرادكاليين الشباب المحبين للسينما الذين عاشوا فترة العام 1968.

إن المخرج ينزلق ثانية في دوامة العنف التي سادت العام 1968 كما لو كان قد بقي فيها. إن هذه السمة التي لا تتسم بالكبت تجعل الفيلم مثيرا. ويتسم المخرج بالصراحة مثل ممثليه ولا يخشى تعريض نفسه لتهمة المحاكاة التهكمية الساخرة للذات أو ايذاء ممثليه من الشباب. ويزعم بيرتولوشي أن من احد الدوافع الرئيسة لعمل هذا الفيلم كان نقل الشعور بالمثالية في تلك الأيام. ففي العام 1968 كنا ننام اثناء الليل مدركين أننا سوف لن نستيقظ غدا ولكن في المستقبل. وكان يراودنا الأمل كل ليلة أن يصبح العالم شيئا مختلفا. ولا يوجد سوى القليل من هذه المثالية اليوم. يقول بيرتولوشي الذي يريد من الشباب الذين يشاهدون هذا الفيلم أن يحتضنوا هذه المثالية إن الشيء الذي يفتقده الشباب اليوم هو وجود نافذة اكبر تطل على المستقبل.

(خدمة الاندبندنت - خاص بـ «الوسط»

العدد 492 - السبت 10 يناير 2004م الموافق 17 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً