العدد 493 - الأحد 11 يناير 2004م الموافق 18 ذي القعدة 1424هـ

صورة اللامتوقّع في العام 2004!

إلياس حنا comments [at] alwasatnews.com

كاتب لبناني، عميد ركن متقاعد

كنا قد تناولنا في هذه السلسلة من المقالات، صورة العالم في العام 2004، وذلك استنادا للثوابت والمتغيّرات. في الحلقة الاولى عالجنا الثوابت، والتي تتعلّق بالقوة الاميركية كقاطرة للعالم، مع المشروعات الرسمية الاميركية المعلنة (نشر الديمقراطية في العالم العربي مثلا)، بالإضافة إلى العدو اللدود لها والمتعلّق بالارهاب. في الحلقة الثانية، رسمنا صورة جنوبي آسيا، الهند وباكستان. وفي الثالثة، تناولنا الموضوع الاهمّ والمتعلّق بصورة الشرق الاوسط في العام 2004. لكن دراسة اوضاع العالم من خلال الثوابت التي ذكرناها، يحتّم علينا تناول صورة العالم في حال وقوع اللامتوقّع، أي المفاجآت الكبرى.

وإذا كنا قد ارتكزنا على الثوابت المذكورة اعلاه لمحاولة رسم صورة العالم في العام 2004. فإن هذه الثوابت، ايضا هي التي ستأتي حتما بالمفاجآت. أي بطرح آخر، سيأتي اللامتوقّع من خلال عمليّة التفاعل، الكرّ والفرّ ما بين اميركا والارهاب. فالعالم يسير، أو يعيش حاليّا تحت مظلّة الهاجس الأمني. فالأمن قد تقدّم على كل ما عداه من هواجس. فهناك جبّار لا مثيل له في التاريخ البشري، يقاتل عدوا جديدا لا شكل ولا لون ولا قاعدة له. واصبحت الحرب على الارهاب، مثلها مثل الحروب الاخرى خصوصا في جهود الحشد لها. وهذا العدو الجديد، لا تنفع معه المبادئ السياسية التقليدية والتي تتعامل بها الدول الرسميّة. لا ردع ينفع معه، ولا يمكن توقيع السلم او الاستسلام، وحتى لا يمكن قياس النصر معه. بالاضافة إلى ذلك، هو مستعد في مواجهته إلى الذهاب إلى الحدّ الاقصى في استعمال العنف من اجل قتل المزيد من الابرياء، حتى عبر استعمال اسلحة الدمار الشامل. وقد يقول البعض: إن هذا الارهاب هو من صنع اميركا. وهي التي تستخدمه كسبب لتثبيت هيمنتها. لكن الجواب قد يأتي بالإيجاب، وهو، أي الارهاب قد اصبح امرا واقعا لا يمكن تجاهله. والخطر الأكبر يأتي في ان قتال الارهاب، يحصل على المسرح الاسلامي بشكل عام، والعربي بشكل خاص. وقد نستمرّ في اتهام اميركا إلى اجل غير مسمّى، لكن المقصود هو نحن.

في ظلّ هذا الوضع، تتصرّف القوى الكبرى بشكل لا يغيظ الولايات المتحدة الاميركية، فالكل بحاجة إليها. اما الدول الصغرى، فلكل منها سياستها، وذلك بحسب موقعها من الاهداف الاميركية. لكن الاكيد ان كل دولة صغيرة كانت او كبيرة، هي تسعى حاليا إلى استغلال الفرصة والاستفادة من الحرب الاميركية على الارهاب، خصوصا إذا كان موقعها مهما لأميركا ويمكنها تقديم الخدمات المطلوبة. أما إذا كانت مقصودة تحديدا، اسميّا كما نحن مقصودون حاليا، فما على هذه الدول إلا أن تعتمد استراتيجيّة تقليل الخسائر.

ماذا عن اللامتوقع؟

إذا كنا قد اعتبرنا أن الولايات المتحدة الاميركية هي القاطرة للعالم في كل الابعاد، الاقتصادية، السياسية كما العسكريّة. وأنها هي التي تسيطر وتضبط إيقاع وسلوك الدول الكبرى المنافسة. وإذا اعتبرنا انها تحاول رسم صورة النظام العالمي الذي ستهيمن فيه، والذي قد يكون بوعد العالم «بالسلام والاستقرار في ظل الهيمنة الامبراطورية». إذا، إن أي تراجع او سقوط للنسر الاميركي في العام 2004، سيعتبر من اللامتوقّع. وهو سيؤثّر حتما على كل الاوضاع والمناطق التي كنا قد تناولناها في المقالات السابقة. إذ كلما ضعُفت الولايات المتحدة وعجزت عن الامساك بزمام المبادرة في إدارة شئون العالم. كلّما خفّ الضغط عن الدول الطامحة لاحتلال المراكز الاولى ومنافسة أميركا، وكلما أصبحت هذه الدول حرّة اكثر وغير مقيّدة او مرهوبة من القوة الاميركية. فتصبح الارضيّة العالمية اكثر حركية وخطورة، كما تكثر المشكلات. فالتغيير على هكذا مستويات يترافق عادة مع ارتفاع كبير في حرارة التعامل. فما هو اللامتوقع، الايجابي والسلبي؟

في اللامتوقع الايجابي

- هل سيكون الرئيس بوش الاعظم في تاريخ البشريّة وتاريخ اميركا، فيعلن مثلا انه عازم على إدارة العالم بالتعاون مع القوى العظمى الاخرى؟ وهل سيعمد إلى لعب الدور التاريخي والذي كانت أميركا قد لعبته دائما فيما خصّ خلق المؤسسات الدوليّة، مثل عصبة الامم والامم المتحدة، وذلك بعد كل ازمة دوليّة تهدّد الأمن العالمي؟ هل سنرى منظمة دوليّة جديدة، يكون فيها مجلس الأمن موسّعا، لتنضم إليه كل من الهند، اليابان، البرازيل، المانيا، استراليا؟ وإذا كان ذلك، فهل سنرى لهذا المجلس جيشه الخاص الدولي؟ هذا اقتراح عقلاني لانه قد يعطي المجلس كل عوامل ومواد النجاح. وهو لصالح اميركا لانها ستكون الاكثر قدرة على إدارته وإدارة شئون العالم.

- هل سنرى عزما اميركيا للضغط على «إسرائيل» للانسحاب من الجولان، وبدء المفاوضات مع سورية؟ هل سيفرض حلّ فلسطيني عادل على شارون، يكون فيه موضوع اللاجئين القدس اساسيا؟

- هل ستستمرّ المحادثات الباكستانية - الهنديّة فيما خصّ كشمير، لتصل إلى شاطئ الأمان؟

- هل سيتمّ القبض على بن لادن؟ وإذا نعم، فمن هو العدو المقبل؟

- هل سنرى جامعة عربيّة رائدة تقود الامةّ، إذا كان هناك من أمة؟ فعندما كانت بعض الدول العربية قويّة (مصر، السعودية، العراق)، كانت الجامعة ضعيفة تجاه مراكز القوّة وضلّت الطريق بين الصراعات العربية - العربية. والآن، هي ضعيفة في ظل ضعف كل الدول العربية. فما النفع منها؟

- هل سنرى حلاّ سلميا نهائيا لقضيّة الصين وتايوان؟

- هل سنرى مشروعا كبيرا لمحاربة المجاعة والامراض في افريقيا؟

- هل سنرى اوروبا موحّدة بدستور جديد، ولها سياسة خارجية واحدة؟

هذا غيض من فيض، لكن الامور لا تسير بطريقة مثالية. فالقوّة، والقوة هي التي لاتزال تحدّد السلوك العام لكل دول العالم. الاقوى يضغط، والاضعف يحاول الصمود قدر الامكان إذا استطاع لذلك سبيلا. ولاتزال العلاقات الدوليّة تقوم على الخوف المتبادل بين الدول. باختصار، لايزال العالم كما وصفه هوبز منذ فترة طويلة، لذلك هو يستطيع النوم هنيئا لأن وصفته تبدو ابديّة.

في اللامتوقّع السلبي

كما قلنا آنفا، السلبي يتعلّق بما قد يجدّ في حرب اميركا على الارهاب، فماذا عنها؟

- إن اسوأ ما قد يحدث لاميركا حاليا، هو في وقوع حدث مشابه لما حصل في 11 سبتمبر/ ايلول. والاسوأ فيه، هو عندما يكون غير تقليدي. فاميركا الآن تحضّر امنها، وتستعد استنادا للنموذج الذي كانت القاعدة قد استعملته في 11 سبتمبر، أي استعمال الطائرات كسلاح دمار شامل. أي ان اميركا تحارب الحرب المقبلة المنتظرة بعقلية الحرب الماضية. ومن قال ان القاعدة ستخوض تلك الحرب؟ فمن طبيعة الحرب الارهابيّة أن تعتمد على المفاجأة، والضرب في المكان غير المتوقع. فحتى الآن، وبسبب ما تتمتّع به اميركا من قدرات، وليونة. استطاعت اميركا الخروج بسرعة من الصدمة، ونقلت الحرب إلى خارج ارضها. كما قدمت للشعب الاميركي نموذجين من الانتصار العسكري (غير مقنعين حتى الآن) لتهدئته وطمأنته على امنه. لكن أيّة ضربة على مثال 11 سبتمبر، قد تفتت المجتمع الاميركي، وتفقد ثقته بحكومته. فماذا عن نتائج حادثة مماثلة؟

قد تتراجع اميركا على كل الاصعدة، السياسية، الاقتصادية والعسكرية، وهذه ابعاد مرتبطة ببعضها بعضا. فأميركا تعاني من مشكلات اقتصادية كبيرة مع عجز في الموازنة كبير جدا. وهي مضطرة إلى الصرف كي تستمر في الوفاء بتعهداتها كقوة عظمى. وبهدف تأمين السيولة، وجب عليها ان تبقى متحركة، فالوقوف بالنسبة إليها يعني السقوط. وهي مضطرة إلى استيراد رأس المال يوميا وبشكل كبير، وذلك بحسب المفكر الفرنسي ايمانويل تود.

قد يعني التراجع الاقتصادي، تراجعا في التأثير السياسي. وقد يعني هذا تراجع مرتبة الولايات المتحدة على الصعيد العالمي. وعدم قدرتها على إدارة شئون العالم. فيصبح العالم من دون نظام يديره، فتسود لغّة القوة ومبدأ تصفية الحسابات في ظل الافتقاد إلى قوّة رادعة.

في حال فقدت اميركا ما ذكرناه اعلاه، فهي قد تضطرّ إلى استعمال القوة العسكرية حتى حدودها القصوى للمحافظة على مركزها. أو قد تقرّر حسب ما يطالب به الكثير من الاميركيين، الانسحاب من الساحة العالمية إلى داخل القارة الاميركية الخاصة بها. وفي الحالتين، هناك فوضى عالمية. إذا انسحبت اميركا من العالم، فسيسقط حلفاؤها معها. وستحل الفوضى في أي مكان كان لها سابقا تواجد فيه، ومؤثرة في ضبط إيقاعه كقوة رادعة. فماذا سيحل بالقضية الكورية؟ ماذا عن اليابان في ظلّ الهيمنة العسكرية والعددية الصينية. ماذا عن موقف الصين من تايوان؟ ماذا عن الهند وباكستان؟ ماذا عن الانظمة العربية التي كانت موالية لاميركا، وموقفها من الحركات الاصولية؟ ماذا عن «إسرائيل» تجاه العرب، بعد فقدانها الحليف الاهم؟ ماذا عن الموقف الروسي تجاه الشيشان؟ ماذا عن المستقبل الأوروبي؟ ماذا عن بن لادن، والقاعدة؟ وأخيرا وليس آخرا، ماذا عن الموجة الرابعة من انتشار الديمقراطيّة، بعد ان كان قد كتب صامويل هانتنغتون عن الموجة الثالثة في السبعينات؟ ماذا عن فكرة فوكوياما بشأن انتهاء التاريخ بعد انتصار الرأسمالية على الشيوعيّة، وهل سيكون هناك ديمقراطية في عالم الغاب؟

في ظل هذا العرض المتشائم، هل تحضّر اميركا نفسها للسيناريو الأسوأ؟

كما قلنا في مطلع هذا المقال، فإن كل الامم تحضرّ نفسها وكأنها مستمرّة إلى ما لا نهاية. فاميركا كانت قد حضّرت كل شيء على صعيد الساحة الداخلية الاميركية، خصوصا في الشق الامني. فما هو الجديد خارجها، خصوصا في منطقة الخليج؟

إلى جانب اعتقال الرئيس صدّام حسين، قد يتمثّل الجديد، في إعلان وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد في السادس من الشهر الجاري، عن نيّته بتعيين قائد عسكري من رتبة أربع نجوم للمسرح العراقي. ماذا يعني هذا الأمر؟

- من المعروف أن العراق يقع ضمن مسئوليّة القيادة الوسطى، والتي يرأسها الآن الجنرال جون أبي زيد. وهي، أي المنطقة تمتدّ من كينيا في إفريقيا، وحتى كازاخستان، مرورا بمصر، السعودية، الكويت، العراق، إيران وغيرها. وهذه منطقة تعتبر جغرافيّا كبيرة جدا.

- إن عزم الوزير رامسفيلد تعيين قائد عسكري على العراق، قد يعني نزع العراق من تحت إمرة القيادة الوسطى. وقد يحتّم هذا القرار، إنشاء أجهزة جديدة لهذه القيادة.

- وقد يعني هذا القرار ان رامسفيلد يريد استعادة زمام الامر في المسرح العراقي، فيلتفّ بذلك على بول بريمر والذي بدأ نجمه بالصعود.

- قد يندرج هذا القرار في إطار التحضير للمعركة الرئاسيّة للرئيس بوش. وعكس ذلك، قد يعني ان رامسفيلد يعارض سياسة الرئيس بوش في المنطقة، هذا مع التذكير ان أي قرار في هذا المجال هو قرار يأتي من البيت الابيض مباشرة.

- هل يعني هذا القرار ان «البنتاغون» هي في إطار إجراء تعديل جذري في تركيبة القوات الاميركية، عبر إعادة توزيع مناطق المسئوليات؟ هل يعني هذا القرار ان رامسفيلد مستمر في ثورته ضمن «البنتاغون» لتغيير العقليّة القديمة، خصوصا في طريقة القتال، وعلى رغم ممانعة الحرس القديم؟

- لكن القرار قد يعني أيضا ان المنطقة قادمة على تقلبات امنيّة مهمّة. فهل ستكون الحملة في افغانستان او باكستان للقبض على بن لادن، لتصبح طريق الرئيس بوش لولاية ثانية مؤمّنة؟

- هل ستكون هناك عمليات عسكرية خارج العراق، أو في محيطه، بشكل ان يهتم القائد الجديد بالعراق فقط على ان يترك الباقي لابي زيد، أو لغيره؟

- هل يترقّب الاميركيون فترة مضطّربة في منطقة الخليج او في محيطها، أم ان هذا القرار يندرج في إطار مأسسة السيطرة، وتوزيع المهمات وإستغلال النجاح، وخصوصا ان المنطقة كبيرة جدا جغرافيا، وتشكّل بمخاطرها المسرح الاميركي الاساسي وبامتياز؟ وقد يعني هذا الامر، ان العراق هو حملة من حرب طويلة جدّا.

في الختام يبدو ان اميركا تستعد لكل طارئ. فهي انتقلت من مرحلة الماكرو إلى مرحلة الميكرو. وهي بدأت بمأسسة وجودها حتى المستوى الادنى. وقد يعني هذا الامر صفة الاستمرارية للوجود الاميركي في المنطقة. وفي حال وقوع اللامتوقع السلبي، يبدو ان قدر العالم العربي هو في انه سيكون الساحة الرئيسية للمعركة القادمة ولنتائجها السبية جدا جدا. فإذا كانت اميركا استعدّت، وهي تعرف ماذا تريد. فهل نحن كعرب، أمة أو دولا، نعرف ما نريد، او استعدينا لكل الاحتمالات؟ لا اعتقد ذلك، وخصوصا ان المطلوب منه التخطيط والصمود ابان الازمات الكبرى، أي المجتمع المدني، كان لمدة نصف قرن من الاستقلال العربي، إما في سبات عميق قسري، أو مستغل ومهمش. فكيف نطلب ممن ليس بيده حيلة؟

العدد 493 - الأحد 11 يناير 2004م الموافق 18 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً