العدد 503 - الأربعاء 21 يناير 2004م الموافق 28 ذي القعدة 1424هـ

فن الأناقة

عبدالله العباسي comments [at] alwasatnews.com

اشتغلت مرة في إحدى المجلات البحرينية مع زميل كنت أشعر بالضيق والتشاؤم كلما شاهدته، لكني كنت أغبطه على أناقته فهو لم يكن يحضر إلى المجلة إلا بملابس أنيقة، بياضها غير عادي، وكانت (الغترة) التي يلبسها مكوّية بشكل عجيب، لكنه كان بشعا وإن كانت أناقته وملابسه تغطي ذلك، وكان يحاول استفزازي دائما، فكلما رآني كان يحاول التقليل من شأني أو التهكم عليّ ليجعل من نفسه إنسانا له مكانته عكس هذا المتصعلك المطارد من مكان إلى مكان. وكان يعتقد أن من حقه أن يتعالى علي لأنه موظف ثابت وله راتب جيد إضافة إلى الهدايا التي يحصل عليها من المسئولين بين وقت وآخر، فيحصل على ساعات قيّمة من هذا الوزير أو ذاك، أو من سيد هذا وسيد ذاك، وكان يريني ساعاته الجديدة التي يرمونها إليه كما يرمي الأرستقراطي العظمة إلى كلبه فيسألني لإحراجي: هل تعرف كم قيمة هذه الساعة؟ وكل وظيفته أنه كان يكتب الأخبار على لسان المسئولين وبالكليشيهات المعروفة والعبارات المكررة المملة ما كان يزيد في غروره. وكانوا يرمون له بتلك الهدايا لأنه يرفع عنهم عبء إملاء تلك الكلمات عليه.

أذكر أنني أول ما عملت معه أعلنها أمام زملائه (هالسنة كلنا بيودونا السجن، الله يستر اتعدي السنة ابخير)، سألته مرة: أود أن أصبح أنيقا مثلك فكم يكلف ذلك؟ فأجاب باستهزاء (مُب كفو). سألته: لماذا؟ أجاب: أنا أقف نصف ساعة كاملة بنفسي لأكوي الغترة إذ لا أثق بأحد في كيّها وأرش نصف أنبوبة من النشا عليها، هل تستطيع أن تفعل ذلك؟ قلت: لا طبعا!

ذكّرني ذلك الزميل وأنا أرى اجتماعات القمم واجتماعات وزراء الخارجية بتلك الأناقة الراقية فغبطت الرؤساء والقادة والملوك على أناقتهم ومن اجتماعات وزراء الخارجية، فتساءلت بيني وبين نفسي: ترى هل هم أيضا يكوون غترهم على طريقة الزميل المذكور أم لديهم خادمات ذوات خبرة خاصة ممن يرشون علبة (نشا) كاملة على كل غترة كما كان يفعل الزميل العظيم أم ان لديهم مكاوي من نوع خاص؟ عيني باردة على حكامنا، فأكثر ما يلفت النظر في اجتماعاتهم هو أناقتهم وبالذات الغتر ذات المرازيم الثابتة حفظهم الله من عيون كل الحساد وأطال أعمارهم

العدد 503 - الأربعاء 21 يناير 2004م الموافق 28 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً