العدد 507 - الأحد 25 يناير 2004م الموافق 02 ذي الحجة 1424هـ

أكذوبة الحرية...

عبدالله الملا abdulla.almulla [at] alwasatnews.com

سعت الولايات المتحدة بل ومازالت تسعى مظللة بقطيع الدول التي لا تملك حولا ولا قوة إلى إخراج نفسها بالرداء الأبيض الذي لا تشوبه شائبة. كيف لا وأن العالم الإسلامي كان يبيح الاستعباد في يوم من الأيام، بل واستعبد المرأة بصورة غير مباشرة. ومازال حملة لواء السلام الدولي يرددون ذلك في كل محفل ويذكرون المسلمين بسواد أعمالهم، أفلم تكن بعض قصور الخلافة مليئة بالعبيد والإماء؟

ولا يختلف اثنان على أن الاستعباد كان موجودا في يوم من الأيام، ولكن هل تناست دولة السلام الأعداد الهائلة من العبيد الذين استجلبوا من أصقاع القارة الإفريقية، وهل تناست الأعداد الهائلة من العبيد الذين ماتوا فقط على متن البواخر، لم يموتوا بسبب المرض ولا بسبب الجوع ولم يموتوا ميتة طبيعية، بل ماتوا لأن الزاد يكاد ينفذ عن الطاقم وتم إلقاؤهم في المحيط أحياء ليقاسوا ويتجرعوا غصص الموت غصة بعد غصة.

ولو رجعنا للخلف قليلا، وأخذنا نظرة شمولية على وضع العالم قبل الانتقال للقارة الجديدة وتسائلنا ماذا كان يفعل بالعبيد في القارات الثلاث؟ أما في القارة العجوز وهي أوروبا، فقد كان العبيد يقتلون لكي لا يشكلوا أعباء على الأمة الأوروبية، والأغرب ما كان يحدث في القارة الإفريقية، فقد كان العبيد أو أسرى الحروب بمعنى أدق يتحولون إلى مادة غذائية وكانت أجساد الأسرى تشوى وتخزن ليقتاتوا بها. وعندما نبحث في التاريخ في حقيقة معاملة الأسرى في العالم الإسلامي فإننا نرى أنهم يتحولون إلى عبيد.

صحيح أن كلمة العبودية كلمة ممقوتة ولا يمكن استهجانها، ولكن الإسلام شرع هذا الجانب لغرض غير الذي طبق في فترات متلاحقة، فالعبودية كانت مشروعا إسلاميا يرمي إلى تأهيل غير المسلمين للدخول في العالم الإسلامي، فكيف يمكن لصبي أو شاب أن يدخل مباشرة للإسلام ويدفع الزكاة والخمس ويؤدي الفروض وهو غير قادر أصلا على ذلك، ولا يعني سوء التطبيق - وهو الأمر الذي حدث فعلا - أن الأساس لم يكن صحيحا. ولو تمعنا وبحثنا لوجدنا أن جيلا من العلماء الذين كانت لهم بصمتهم في الإسلام تخرجوا من هذه المؤسسة، أفلم يكن سلمان الفارسي (المحمدي) مولى رسول الله، ولو عددنا لتهنا في القائمة التي تطول.

نحن لا ننكر بأن العبيد في مراحل وفترات من التاريخ الإسلامي عوملوا معاملة سيئة، ولا ننكر أن الدولة الأموية والعباسية خصوصا بعد ثورة الزنج الذي قادها صاحب الزنج والتف حوله جمع كبير، لجأت إلى استيراد الأتراك والفرس والصقالبة وملئت القصور بالفتيات الفاتنات وبالصبيان من الصقالبة وقد كانوا خصى ليخدموا الحريم. لقد عومل هؤلاء معاملة سيئة جدا وانتهكت حقوقهم، ولكن لو تمعنا كثيرا لنظرنا أن هؤلاء الحكام الذين ظلموا العبيد ظلموا الناس جميعا، لم يستثنوا المسلمين ولا العبيد ولا أهل الذمة ولا غيرهم.

وفي الوقت الذي تراجع فيه استيراد العبيد، وتوقف نخاسو العبيد عن عملهم في العالم الإسلامي، بدأت أميركا توجه أنظارها للقارة السوداء، وفعلا استجلبت الشبان والشابات للعمل في الحقول ردحا طويلا من الزمن، وعلى رغم رفعها لشعار الحرية وإيهامها العالم بمحاربة العنصرية، فإنه مازالت إلى يومنا هذا تمارس أبشع السياسات ضد السود، وعلى مرأى من عيونها هناك مدارس خاصة بالسود وأخرى بالبيض. والأضحوكة الأكثر إيلاما أنه وبعد زمن طويل من نضال السود تصل كوندوليزا رايز إلى البيت الأبيض، ولعل أحد أبويها كان من البيض...

وهكذا تبقى أكذوبة الحرية ماثلة، وتبقى الأوهام مجرد غطاء يخفي خلفه حقيقة لم تعد جديدة على أحد، فالولايات المتحدة ليست تلك التي تظهر في أفلام هوليوود حتى أن المرء منا يتمنى أن يكون جزءا من ذلك النظام الدقيق، يتمنى أن يعيش ولو للحظات في الفردوس المفقود والذي تمكن أباطرة أوروبا من إيجاده، وسكنوه وعمروه ولكن بعد أن أفنوا ساكنيه. وتبقى الأحدوثة من دون نهاية

إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"

العدد 507 - الأحد 25 يناير 2004م الموافق 02 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً