العدد 510 - الأربعاء 28 يناير 2004م الموافق 05 ذي الحجة 1424هـ

العراق: الاحتلال وما بعده

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل تتحول مسألة الديمقراطية في العراق إلى مشكلة سياسية - أهلية بعد خروج قوات الاحتلال؟ ميدانيا يمكن القول إن الجيش الأميركي لن يخرج كليا من بلاد الرافدين. فالانسحاب المرجح هو إلى داخل العراق لا خارجه وهذا تدبير عسكري تريده إدارة واشنطن أن يحصل بعد نهاية يونيو/ حزيران المقبل حتى تتفرغ لمعركة الرئاسة في نوفمبر/ تشرين الثاني. فالإدارة الأميركية لا تريد الانسحاب الكامل ولا تنوي الإبقاء على وضعها كما هو عليه الآن.

ومصلحة الرئيس الأميركي في هذه الظروف الصعبة هي إعادة انتشار جيشه في نقاط ومراكز استراتيجية واستكمال السيطرة على مختلف نقاط العبور الميدانية والتحصن في القواعد العسكرية ومهابط الطيران. وهذه المصلحة الحزبية - الانتخابية أملت على البيت الأبيض اعادة التفكير في المخاطر الناجمة عن انتشار الجيش الأميركي في مساحات متفرقة وشاسعة من الأراضي العراقية واستبدال ذاك الانتشار بإجراءات تنظيمية تقضي بتجميع القوات تحسبا لحصول عمليات كبيرة عشية الانتخابات الرئاسية.

إذا القرار الأميركي يهدف إلى خدمة الإدارة الجمهورية في واشنطن وليس بسبب تخلي أميركا عن استراتيجيتها العدوانية التي أكد عليها مجددا بوش في خطابه الأخير عن «حال الاتحاد».

هذه هي مصلحة أميركا. والسؤال ما هي مصلحة الشعب العراقي من الانجرار وراء حسابات صغيرة تسهم في حال لم تطوق في إثارة القلاقل السياسية بذريعة أن «الديمقراطية» مسألة غير متفق عليها بين الأطراف الرئيسية في المجتمع وما تبقى من الدولة؟

المصلحة الأميركية واضحة. فواشنطن لا تريد الهدوء في العراق في حال قررت سحب جيشها إلى القواعد والمهابط ونقاط العبور. ومصلحتها ايضا تقضي بأن يستمر عدم الاتفاق بين العراقيين حتى الأيام الأخيرة وأن ينفجر الصراع السياسي بين القوى العراقية ويتحول إلى حرب أهلية مدمرة. فهذه هي مصلحة واشنطن. وتلك المصلحة ليست خافية على أحد لأنها تشكل لها ذريعة إضافية للعودة إلى الاحتلال المباشر بعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية. وستكون حجة إدارة البيت الأبيض أن الاحتلال يمنع الحرب الأهلية والانسحاب يعني اقتتال الشعب العراقي من شماله إلى جنوبه ووسطه.

أميركا خططت وتخطط للحرب الأهلية ومن مصلحتها انفجار الوضع الداخلي وتضارب القوى المحلية في حال قررت الانسحاب المؤقت من المدن وتجمعت في النقاط الاستراتيجية التي تعطيها مرونة في الإشراف والعودة إلى الانتشار بطلب من العراقيين لوقف الاقتتال في حال نشب.

السؤال اذا ما هي مصلحة الشعب العراقي في تحويل مسألة الديمقراطية إلى مشكلة سياسية - أهلية وتكرار تجربة الهند بعد خروج القوات البريطانية؟

طبعا ليس هناك مصلحة. وبالتالي فمن البديهي ان يعاد اكتشاف المخاطر الحقيقية التي تهدد العراق في حال انسحب الاحتلال قبل توصل الأطراف المعنية إلى سلسلة تفاهمات ناضجة على صيغة الدولة ودستورها والآليات التنظيمية (الإجرائية) التي تقتضيها الاصول الديمقراطية وفي طليعتها وضع تصورات أولية للحكم ووسائل إنتاج السلطة البديلة.

المهمة صعبة ولكنها تبقى الأسهل قياسا بالمشروع التدميري الذي تخطط له الولايات المتحدة في حال قررت إدارتها الانسحاب (أو إعادة ترتيب الاحتلال) من المناطق الرئيسية في العراق.

حتى الآن الفرصة متوافرة وقطار التسوية لم يفت. وتستطيع القيادات العراقية البديلة التي لم تتلوث بالهيئات المتعاملة مع الاحتلال أن تتوافق على مجموعة قواعد عمل للانطلاق بالعراق الجديد واستكمال عمليات التحرير الكامل واستعادة السيادة المطلقة. وهذا يعني الاتفاق على دستور واضح يحدد هوية الدولة وشكلها السياسي في الفترة المقبلة.

والاتفاق يقتضي عدم التخاطب عن بُعد أو من خلال الوسيط الدولي أو الشخصيات المنتدبة من الاحتلال. فالعراق الواحد يقتضي تشكيل هيئة واحدة مؤلفة من المراجع الحقيقية في البلاد تلتقي على مبادئ مشتركة تحدد الخطوط العريضة للدستور وتختار النظام المناسب لعملية إنتاج السلطة. وحين يتم التفاهم على آليات الانتخاب تصبح العملية الديمقراطية مجرد واسطة لنقل البلاد من طور الاحتلال الى طور السيادة . وهذا أضعف الإيمان

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 510 - الأربعاء 28 يناير 2004م الموافق 05 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً