العدد 511 - الخميس 29 يناير 2004م الموافق 06 ذي الحجة 1424هـ

العراق والمخاوف من الحرب الأهلية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حذرت تقارير الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي. ايه) الرئيس جورج بوش من احتمال نشوب حرب أهلية في العراق في حال انسحبت قوات الاحتلال من بلاد الرافدين. هذا التحذير هو مجرد كلام نقل إلى الرئيس الأميركي قبل أيام من القاء خطابه عن «حال الاتحاد» أمام الكونغرس، وحتى الآن لم يتحول الكلام إلى تقارير دقيقة تحدد بوضوح عناصر الانفجار الأهلي.

الرئيس الأميركي تجاهل التحذير في خطابه مركزا على الإيجابيات بلغة انتصارية تشي بوجود نزعة مستكبرة على الوقائع وإصرار على المضي في سياسة خارجية تدميرية أظهرت النتائج فشلها الميداني في أفغانستان والعراق.

إلا أن التجاهل لا يعني أن تقدير المخابرات تعوزه الدقة ولا يستند إلى وقائع بدأت تتجمع من هنا وهناك وكلها تدل على وجود مخاوف حقيقية من انتقال الصراع من المقاومة ضد الاحتلال إلى معارك جانبية بين الفئات المختلفة من الشعب العراقي.

ما هي عناصر الحرب الأهلية التي يمكن أن تنفجر في حال قررت الولايات المتحدة الانسحاب في نهاية يونيو/ حزيران المقبل وقبل خمسة أشهر من الانتخابات الرئاسية؟

هناك عناصر كثيرة إلا أن الأساس فيها يمكن تلخيصه سياسيا في خمسة عوامل.

العامل الأول، اختفاء الدولة بعد الحرب والاجتياح الأميركي للبلاد. وحتى الآن لا تبدو أن الدولة قادرة على العودة أو إعادة انتاج نفسها أو ظهور بوادر لدولة جديدة تحل مكان الأولى وتأخذ مهماتها. فالاحتلال كما ظهر ميدانيا تعمد منذ اللحظات الأولى لسقوط بغداد ترك البلاد مفتوحة للفوضى والحرق والنهب مضافا إليها تعمده حل كل المؤسسات السابقة بذريعة التخلص من رموز النظام وهذا مازاد من الفراغ الأمني والفوضى الأمر الذي أعطى ذريعة للاحتلال بالتدخل في شئون البلاد والسيطرة على مختلف مرافقها.

الثاني: ضعف البدائل التي اصطنعها الاحتلال واعتمد عليها لتبرير حربه واستمرار وجوده. فالبدائل كانت هزيلة وغير قادرة لا على الفعل اليومي ولا التفاعل مع التداعيات الميدانية واحتواء المستجدات التي نهضت بعد انفكاك القبضة - الحديد وتلاشي الحزب الحاكم السابق. وضعف البديل ربما يكون عملية مقصودة أيضا ليبقى الاحتلال هو المشرف على إدارة البلاد وهو الطرف الضامن لوجود تلك الرموز التي اصطنعت أو جلبها معه من لندن وواشنطن.

الثالث: عدم اتفاق أعضاء مجلس الحكم الانتقالي ووزراء الحكومة المعينة على استراتيجية موحدة لمستقبل العراق. فالبدائل متفقة على الغاء النظام السابق ولكنها مختلفة على شكل النظام البديل وجوهره السياسي والدستوري. واختلاف وجهات نظر البدائل يستفيد منه الاحتلال لأن واشنطن تريد تبرير استمرار وجودها في منطقة تبدو غير قادرة على التكيف مع استراتيجية انقلابية تزعزع الاستقرار الإقليمي بين دول المنطقة.

الرابع: بروز قوى عراقية تتمتع بثقل سياسي وشعبية واسعة. وهذه القوى أخذت تطور أساليب عملها السياسي وبدأت تنتقل من المراقب إلى الضاغط على الاحتلال سواء على مستوى المقاومة المدنية أو على مستوى تعطيل قرارات الاحتلال ذات الصلة بشكل الدولة ودستورها وأدوات انتاج (انتخاب) السلطات البديلة. ولكن المشكلة أن هذه القوى النشيطة والشابة تحتاج إلى خبرات ووضوح في الرؤية في وقت تبدو أنها أيضا غير موحدة على شعارات مشتركة ومفاهيم ثابتة. ولا شك في أن تنوع المراجع السياسية والمرجعيات وعدم اتفاقها يزيد من فرص الاحتلال لمواصلة لعبه على التعارضات حتى تبقى قواته هي الواسطة الوحيدة القادرة على ضبط التوازن ومنع الفوضى من الامتداد والانتشار إلى مختلف المناطق.

العامل الخامس وهو الأخطر في حال استمر يتداعى سياسيا. ويتناول مسألة بروز تعارضات أيديولوجية عميقة بين أبناء البلد الواحد الأمر الذي يعطل مستقبلا نهوض دولة عراقية حرة ومستقلة. ومن خلال رصد تلك التعارضات يمكن رسم خريطة جغرافية مذهبية - قومية بين جنوب العراق وشماله ووسطه. هذه المسألة خطيرة في حال لم تستوعب منذ الآن. وأساس هذه المسألة موروث عن النظام السابق ولكن الاحتلال ضاعف من عبثيتها وزاد من عناصرها المتفجرة ظنا منه أنها تفيده في عملية إضعاف القوى التوحيدية في العراق من خلال ضرب مراجعها ببعضها بعضا أو استغلال خلافات تلك القوى لتأسيس مراكز متناحرة تبرر وجود الاحتلال وتعطيه شرعية للاستمرار على الأقل في قواعد عسكرية ومطارات جوية.

لا شك في أن من مصلحة الاحتلال إبقاء مراكز القوى العراقية في حالات توتر لا تساعد على التفاهم على قواسم مشتركة تضمن عودة الدولة موحدة وعادلة من دون تمييز بين عربي وكردي وسني وشيعي إلى آخر التنويعات الأهلية والمحلية. والمشكلة أن القوى العراقية في مرجعياتها المتعددة لم تتوصل إلى صيغة تفاهم على مستقبل العراق ودستوره وهذا ما يتمناه الاحتلال.

تحذير المخابرات الأميركية ليس سحابة صيف بل هو محاولة للاصطياد في الماء العراقي العكر. فواشنطن لا تريد الانسحاب، وإذا انسحبت بالقوة أو عن طريق الضغط الدولي أو بسبب الانتخابات الرئاسية فإنها تفضل أن تندلع الحرب الأهلية على عودة العراق حرا موحدا وعادلا. فالعراق كما يرى بوش عليه أن يختار بين الاستعمار أو نار الحرب الأهلية. وبدوره على الشعب العراق أن يختار بين الاحتلال أو الحرية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 511 - الخميس 29 يناير 2004م الموافق 06 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً