العدد 2710 - الجمعة 05 فبراير 2010م الموافق 21 صفر 1431هـ

مؤتمر اسطنبول لمراكز الفكر والبحث في الدول الإسلامية

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

بدعوة من معهد تاسام TASAM للأبحاث في اسطنبول عقد منتدى دولي شاركت فيه مراكز الفكر والرأي في دول منظمة المؤتمر الإسلامي في الفترة من 28 – 30 يناير/ كانون الثاني 2010، حيث بحث المؤتمر عدة قضايا تهم دول العالم الإسلامي، وفي مقدمتها قضايا الحضارة والسلام، والرؤية الجديدة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، دور المنظمة في حماية الأقليات الإسلامية في الدول غير الإسلامية، أمن الدول الإسلامية والمقاربات الجديدة للسياسات الأمنية، وفي هذا الإطار تناول قضايا العراق وأفغانستان وقبرص وكاراباخ وباكستان وفلسطين والصومال ونيجيريا والسودان وتايلاند وغيرها. كما بحث موضوع الإسلاموفوبيا وأثره على علاقات الدول الإسلامية مع الدول الغربية وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2010، ودور الدين في الحوار بين الحضارات لإقامة السلام وأساليب حل النزاعات وإدارة الصراعات. كما تطرق المؤتمر إلى قضايا الديمقراطية والحكم الرشيد وحقوق الإنسان والتنمية، والنماذج السياسية في الدول الإسلامية، وأثر العولمة في دور مراكز الأبحاث، وضرورة إنشاء شبكة اتصالات بين مراكز الأبحاث في الدول الإسلامية، والدعوة لتعزيز دورها في صنع القرار السياسي في بلادها لكي تتكون لدى قادة الدول الإسلامية رؤية متكاملة للأحداث والقضايا الدولية وأساليب التعامل معها، ولا تقع فريسة فقط أو أسيرة لوجهة النظر الرسمية. أكد المؤتمر أهمية أن تكون مراكز الأبحاث مستقلة في عملها وأنشطتها ولكن ينبغي أن تكون في نفس الوقت على صلة وتواصل مع دولها حتى يكون لدراستها وتصوراتها أثر في اتخاذ القرار.

ويهمنا هنا أن نشير إلى مجموعة من الملاحظات ذات الصلة بالموضوع البالغ الأهمية:

الأولى: أن دول منظمة المؤتمر الإسلامي يبلغ عددها 57 دولة وثلاث دول أعضاء مراقبين، ولكن لم يشارك سوى مراكز أبحاث ينتمون إلى 40 دولة فقط أي أن ما يقرب من ربع دول المنظمة ليس لديها مراكز أبحاث، أو ليست مهتمة بالمؤتمر أو ليست مدركة لأهميته.

الثانية: ان من بين الدول الأربعين التي شاركت مراكز أبحاث بها كانت الدعوة عادة قاصرة على مركز أو اثنين على الأكثر، في حين أن بعض تلك الدول بها عشرات من مراكز الأبحاث. ولكن على العموم فإن البداية كانت جيدة.

الثالثة: إن مملكة البحرين كانت مهتمة بالمؤتمر فقد شارك مركز البحرين للدراسات و البحوث، وكذلك شارك ممثل من وزارة الخارجية، وكانت مشاركة الجهات الرسمية من معظم الدول الأخرى بصفة عامة محدودة، ولكن هذه المشاركة الثنائية بين مركز البحرين للدراسات والبحوث وبين وزارة الخارجية رغم أنها جاءت من دون أي تخطيط مسبق فقد عكست تناغما وانسجاما بين دعاة الممارسة العملية في ميدان السياسة الخارجية وبين العاملين في البحث والدراسة العملية، وحبذا لو زاد مثل هذا التعاون والتنسيق. وفي نفس الإطار لاحظنا مشاركة مماثلة من عدد قليل من الدول الأخرى مثل إيران، وليبيا، وتايلند بصفتها عضوا مراقبا، والمملكة العربية السعودية وبالطبع تركيا.

الرابعة: إن دورا بارزا كان أكثر وضوحا هو دور تركيا الدولة المضيفة التي شاركت منها ثمانية مراكز أبحاث، وكان كثير من المشاركين ينتمون لوزارة الخارجية التركية، بصفتهم باحثين وأساتذة، تقاعدوا من العمل الدبلوماسي وانضموا للسلك الأكاديمي، ولكن تركيا لا تتركهم بل تستفيد من خبراتهم وعلمهم، ولعل ذلك أحد مصادر نجاح التجربة التركية وعقلانيتها ورشادها في الاستفادة من الكوادر وعدم إهمالها أو تجاهلها.

الخامسة: أما الدور البارز الآخر فهو لمنظمة المؤتمر الإسلامي حيث شارك أمين عام المنظمة البروفيسور أكمل إحسان الدين أوغلو، وهو من الشخصيات المتميزة والتي لها حضور واضح في الكثير من المحافل الدولية، كما شارك ثلاثة من كبار مسئولي المنظمة فضلا عن عدد أكبر من الشخصيات الأخرى العاملين في المنظمة. ويمكن القول إن المنظمة لعبت الدور الرئيس في أعمال المؤتمر وفي صياغة الإعلان الذي صدر عنه بالتعاون مع الجانب التركي.

السادسة: إن الوجود العربي والإفريقي والآسيوي كان واضحا في المؤتمر أي أن ثمة توازنا في مشاركة مراكز الأبحاث التي تنتمي لكافة تجمعات دول المنظمة في القارات المختلفة. هذا من الناحية الشكلية، ولكن من الناحية الموضوعية كانت بعض مراكز الأبحاث أكثر حضورا من مراكز أخرى. وهذا طبيعي ويحدث في كل المؤتمرات، ويتوقف على شخصية المشاركين وخبراتهم، وأيضا على تنظيم المؤتمر الذي أتاح لبعض المراكز فرصة أكبر من غيرها.

السابعة: كان الحضور الأكثر بروزا بعد تركيا ومنظمة المؤتمر الإسلامي هو حضور مراكز الأبحاث من إيران ومصر والسعودية والبحرين وبنغلاديش وباكستان وروسيا وتايلند وقبرص التركية ونيجيريا والعراق وأذربيجان وأوغندا وسيراليون وإندونيسيا، وهذا لا يقلل من الدور النشط الذي لعبته كافة مراكز الأبحاث المشاركة فقد حرص المنظمون على إتاحة الفرصة بالمداخلة ولو لدقائق لكل من حضر وإن تفاوتت عملية المشاركة هذه وفقا لظروف كل مشارك وأيضا ترتيبات جدول الأعمال التي أعدها المنظمون.

الثامنة: إن معهد تاسام التركي والسلطات التركية ومنظمة المؤتمر الإسلامي قاموا بجهد واضح في هذه المبادرة الطيبة وفي إنجاح المؤتمر وكان ذلك موضع تقدير كافة الوفود، ولكن مثل أي عمل فلابد له من بعض الهفوات أو الملاحظات التي غابت عن المنظمين ربما بحسن نية ولعلني أسوق بعض تلك الملاحظات في النقاط التالية:

- عدم التشاور الكافي مع مراكز الأبحاث المشاركة بالنسبة للبيان الختامي الذي طرح في الجلسة الأخيرة للمؤتمر وطلب من الأعضاء إبداء الرأي، ولكن بطريقة توحي بالسرعة والاستعجال لضيق الوقت، ولذلك فإن الصياغة لم تكن محكمة بالقدر الكافي ولا تتسم بالوضوح والشفافية المطلوبة وهو ما أدى لبعض النقاش.

- حرص الجانب التركي ومنظمة المؤتمر الإسلامي على المشاركة في كافة الجلسات والإدلاء بمداخلات مطولة وهذا أثر في وقت المؤتمر حيث أن وفودا أخرى لم تأخذ الوقت الكافي أو اللازم لعرض وجهات نظرها وأعطى ذلك انطباعا بأن المبادرة الطيبة احتكرها منظموها.

- لم تحظ بعض القضايا بالأهمية التي حظيت بها قضايا أخرى، فحظيت قضية قبرص التركية بأهمية كبرى فشارك البروفيسور حقي أتون رئيس وزراء تركيا الأسبق في الجلسة الافتتاحية، وترأس جلسة، وتحدث باستفاضة في جلسة ثالثة، وبالطبع هذه القضية مهمة لتركيا والبروفيسور حقي إنسان دمث الخلق، وكان موضع تقدير واحترام، ولكن قضية فلسطين مثلا لم يتحدث فيها والأغرب أن سفير فلسطين في تركيا، والذي كان مخصصا له وقت للحديث عن قضيته غاب في تلك الجلسة، ثم اختفى في باقي الجلسات ولذلك لم يشر للقضية أحد سوى في إشارات عابرة.

- شهد المؤتمر تدخلا غير موفق من أحد الشخصيات غير المسجلة على قوائم المتحدثين والذي لا ينتمي إلى أي مركز أبحاث وعندما طلب الكلمة ذكر أنه من اليونسكو، ولم يكن ذلك صحيحا فهو كان موظفا في اليونسكو، وعندما أعطيت له الكلمة لمدة دقيقتين تحدث لمدة عشر دقائق وفي الدقيقتين الأوليين كان عاقلا في كلامه، ثم انحرف في سيل من الاتهامات لسفراء الدول الإسلامية في اليونسكو وخاصة السعودية، ثم اتهم الرئيس الماليزي مهاتير محمد بأنه يسير وراء الخط اليهودي الصهيوني، ثم هاجم مصر بتحريف اسمها، مما اضطر بعض الباحثين المصريين للاعتراض بنقطة نظام لوقفه عن الكلام لخروجه عن الموضوع فانفعل وأخذ في صياح هستيري، فأوقفه رئيس الاجتماع فالتفت حوله أجهزة الإعلام وحولته بطلا لأنه رفع شعارات إعادة الدولة العثمانية وحزب الله وحماس، وأشاد بإيران وسوريا وهاجم باقي الأنظمة العربية وكان ذلك تصرفا غير لائق، وكان أجدر بالمنظمين أن يمنعوه من الحضور بعد ذلك لأنه عكر صفو النقاش العقلاني للمؤتمر.

ولكن باختصار كانت مبادرة تركيا ممثلة في معهد تاسام ومنظمة المؤتمر الإسلامي إيجابية وجيدة، وحبذا لو استمر هذا التنسيق مع تلافي الهفوات السابقة ومع تناوب عقد الاجتماعات كل عام كما نص على ذلك البيان الصادر عن المؤتمر ومع وجود مزيد من الشفافية في أعمال المؤتمر.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2710 - الجمعة 05 فبراير 2010م الموافق 21 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً