العدد 529 - الإثنين 16 فبراير 2004م الموافق 24 ذي الحجة 1424هـ

معذرة للسعدون... معذرة للكويت

«خطاك السوء يابو عبدالعزيز»

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هل لنا أن نذكّر البعض بأن الكويتيين قريبون من قلوبنا جدا بحكم الجوار ومستوى التعليم والوعي وحياة البحر وأيام الشقاء، يوم كان الأجداد ينتزعون اللقمة الحلال من بين أضراس البحر والشعاب المرجانية وصخور قاع الخليج؟ عوامل كثيرة كانت وستبقى توحّد وتقرّب بين القلوب، لعل أهمها روح التسامح التي يتحلى بها الشعبان الشقيقان.

تحت زخات المطر

وأحمد السعدون ليس بالشخص النكرة حتى يعاد من على الجسر، فهو يمثّل أحد رموز السياسة الكويتية البارزة، طالما قرأنا تصريحاته في مختلف الشئون المحلية والخليجية والعربية، لا يجادل أحدٌ على وطنيته وعروبته وإسلامه. شخصيا لم ألتقه عيانا إلا في الفعالية التي عقدت قبل أشهر في جمعية الأطباء البحرينية، بعد أن مُنِعت «الوفاق» من الاجتماع في النادي الأهلي، فاضطر آلاف الحاضرين إلى الوقوف في تلك الليلة الشتوية الباردة تحت رذاذ المطر، وكنت أحسن حظا من غيري إذ أذن لي كصحافي بالدخول. وفي القاعة شاهدت الضيف الكريم وقد قام خطيبا في الحاضرين. ولا أخفيكم القول ان الرجل أعجبني تدفق كلماته الصادقة، التي تعبّر عن صدق المودة. والكلام من القلب، يدخل القلب بالضرورة من دون ممانعةٍ أو تكلفٍ أو تزييف، على غير ما تتناقله بعض الأقلام الرخيصة عنه من كلماتٍ معلبة تنقصها الكياسة والتهذيب والنبل. .

وقبل أن يكمل العام دورته، يعود السعدون مرة أخرى إلى البحرين، مدعوا من قبل جمعيات سياسية تعمل على الساحة بشكل رسمي، وإذا به يفاجأ بالصد والمنع من دخول البحرين، في سابقةٍ من أغرب ما تكون السوابق الخطيرة في حياة الشعوب الشقيقة. ونحن الخليجيون نقول ونؤمن بأن مصيرنا واحد، ومستقبلنا واحد، أمورٌ تربّينا عليها منذ الصغر، تربطنا روابط العقيدة ويفرضها التاريخ وتعززها الجغرافيا وتؤكدها اللغة وتحوطها المحبة الصافية والواقع الشعبي المعاش.

يوم نُكبت الكويت بالغزو العراقي الغاشم وقف البحرينيون مع إخوتهم الكويتيين، فتحوا لهم وطنهم وضمّوهم إلى الأحضان، ولسان حالهم يقول: «إذا لم يسعكم البيت فالقلب أوسع»، كأن المتنبي كان يتحدث عنهم قبل ألف عام: «فليسعد النطق إن لم يسعد الحال». حتى السجناء في «جو» كانوا عندما يسمعون قصص تشرّد الكويتيين يبكون. واجبٌ لم يفعله أهل البحرين طمعا في مال أو ثناء، وإنما استجابة لما يفرضه الشرف والمروءة والخلق النبيل.

وعندما مرّت البحرين بحوادث التسعينات العنيفة تضامن معهم الكويتيون من صميم قلوبهم. ومنذ قديمٍ عندما يضطر البحريني إلى الهجرة إلى بلدان الجوار فإن عيونه تقع أول ما تقع على الكويت، لما يلقاه من دفء أصيل. واسألوا آباءكم، ربما لا تخلو منطقةٌ من المناطق لم يهاجر بعض أهلها إلى الكويت، قديما وحديثا. كما لا تخلو منطقة من المناطق في البحرين اليوم من الآثار البيضاء، لو عدّدناها لغضبوا وقالوا: «واجبٌ في العنق». بعض حقائق التاريخ نتلوها لننبّه النيام على ما اقترفت أيديهم من سوءٍ في حق الوطنين الشقيقين.

ميراثٌ كريم

كل هذا الميراث الحسن الذي تعلمناه من أجدادنا وتربيّنا عليه، ينسفه هذا الموقف الغريب من وزارة الإعلام. قرارٌ أقلّ ما يقال فيه إنه غير مدروس، وينبغي ألاّ يمر من دون أن يقول البرلمان فيه كلمة حقٍ يبتغي من ورائها مصلحة الوطن وسمعته التي يدأب بعض الرسميين اليوم بأفعالهم على تشويهها ونسف مسلّماتها للأسف الشديد.

وكم يسوؤنا أن نقرأ تصريحا لوزير إعلامنا يصف فيه إخواننا الكويتيين الذين جاءوا زوارا مشاركين في فعالية أهلية سلمية بالأجانب، وكأنه يتحدث عن مجموعة من المردة والشياطين. إخوة أعزاء كرام، لا نشك في أنهم يحملون للبحرين كل محبة ووداد، نعاملهم بهذه الطريقة المخجلة التي تضطرنا لتنكيس الرأس خجلا ونحن ننظر في عيون الكويتيين حين نلقاهم غدا في أحد شوارع المنامة أو المحرق أو القفول؟

ويسوؤنا أكثر أن نقرأ تصريحات الأشقاء وردود الفعل التي انعكست على مانشيتات الصحف... أليس من المحزن أن يتساءل أحد «الممنوعين» من دخول البحرين بقوله: «هل بمشاركتنا مع إخوة لنا في البحرين نكون خطرين؟».

ألا يفكر هؤلاء بما قاله أحد الممنوعين من أن هذه التجربة «تجعلنا نتوقف أمام التجربة الديمقراطية في البحرين»، ألا يكفي ذلك لإعادة هؤلاء حساباتهم لما يلحقونه - بسبب تصريحاتهم وأفعالهم - بالبلد وسمعة البلد واقتصاد البلد في الأسبوعين الأخيرين؟ أليس هناك من وقفة محاسبة مع الذات، بدءا من «ترويج» قصة تدني نسبة إشغال الفنادق وانتهاء بطرد الأخوة الأشقاء. ويحق لنا أن نتساءل: أما لهذا المسلسل المؤذي للوطن أن يتوقف؟ اللهم لا تؤاخذنا بما فعل الوجهاء منّا، إن هي إلاّ فتنتك، تصيب بها من تشاء!

وأخيرا نقول من باب التذكير: البحرين أمانة، فاحرصوا على سمعة هذه الفتاة العذراء مادامت في عهدتكم، ومن العيب أن نسعى ليل نهار في تشويه سمعتها ونلقي بالتهم على الآخرين. أما إخواننا في الكويت، فعتبكم علينا أيها الأشقاء، ومعذرة للسعدون... ومعذرة للكويت وأهل الكويت

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 529 - الإثنين 16 فبراير 2004م الموافق 24 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً