العدد 533 - الجمعة 20 فبراير 2004م الموافق 28 ذي الحجة 1424هـ

مشروع برسم البيع

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

من المتوقع أن تناقش مجموعة «الدول الصناعية الثماني» نص مشروع «الشرق الأوسط الكبير» في مدينة سي آيلاند في الولايات المتحدة في يونيو/ حزيران المقبل. أميركا التي تقدمت بالمشروع وزعت منه نسخا على الدول المعنية لمناقشته وإبداء الملاحظات عليه قبل اقراره والبدء في تنفيذه على مراحل تمتد إلى سنوات خمس.

لم يبقَ من المدة سوى أربعة أشهر وعلى الدول والأطراف والجهات أن تدرس مواقفها جيدا قبل اتخاذ خطواتها في هذا المجال. وتوقيت واشنطن شهر يونيو ليس مصادفة فهو يرتبط بأكثر من جانب يحتاجه الرئيس جورج بوش لتبرير سياساته الدولية وتحديدا في منطقة حساسة واستراتيجية يطلق عليها الآن «الشرق الأوسط الكبير». فالرئيس الأميركي قرر موعد يونيو لأن التوقيت يتصادف مع نقطتين: الأولى تجميع القوات المحتلة في العراق في قواعد عسكرية (سبع قواعد) وإعادة نشرها على حدود إيران وتركيا وسورية والسعودية والأردن وفي مهابط الطيران. ويترافق التجميع العسكري مع تسليم السلطة إلى مجلس الحكم الانتقالي بعد أن قرر مبعوث الأمم المتحدة ان وضع العراق غير مؤهل لإجراء انتخابات حرة وعامة في مختلف المناطق.

النقطة الثانية تتعلق بالانتخابات الأميركية. فمن الآن وحتى يونيو تكون ملامح صورة منافس بوش على الانتخابات الرئاسية وضحت وبات الحزب الجمهوري على بينة من الأمر. المسألة الانتخابية مهمة في تحركات بوش لأنها ستحدد مستقبل استراتيجيته والفضائح التي رافقت فترة رئاسته الأولى وأظهرت الحوادث مدى سلبيتها نظرا للاجماع الدولي المضاد لها وهذا ما صب في صالح منافسه الحزب الديمقراطي.

بوش إذا بحاجة إلى تأييد معنوي من دول العالم وتحديدا من الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول الثماني وأيضا من المجموعات العربية والمسلمة لتعزيز دوره الداخلي في معركة تبدو أنها تدور في الاتجاه المعاكس لمصلحته. وانطلاقا من هذه الحاجة الانتخابية قرر بوش إعادة تجميع قواته في العراق (وربما أفغانستان) درءا لمخاطر تعرضها لهجمات في الأسابيع الأخيرة من ولايته.

المشروع إذا ليس حسنة تبرع بها بوش لانعاش اقتصادات ما يسميه «الشرق الأوسط الكبير» بل هو حاجة داخلية أملت عليه التراجع بعد أن دلت المؤشرات على وجود تناقص في شعبيته وسلسلة ارتفاعات في معدلات البطالة والفقر والقرف من هواجسه الأمنية.

وحتى يأخذ بوش لابد له أن يعطي، لذلك تقدم بهذا المشروع (المهزلة) إلى الدول الصناعية الثماني لنيل الموافقة منها على خطة كُتبت على عجل ومن دون تدقيق في الأرقام ويلفها الغموض والضبابية وتحديدا من ناحيتي الأساليب والأهداف.

خطة بوش الآن برسم البيع ولأنه طرحها في سوق التداول ظهرت ردود فعل سلبية ضدها لا من ناحية عدم الموافقة على فكرة التنمية والتحديث بل من ناحية الأساليب والخطوات والمراحل المقترحة للتنفيذ. الأمين العام لجامعة الدول العربية وصفها بالسطحية وبأنها تجانب الحقائق. ووزير الخارجية السعودي سعود الفيصل قال إن العرب يريدون التنمية والتحديث ولكنهم يأبون فرض الإصلاح عليهم بالقوة وباستخدام الوسائل العسكرية. وكرر الأمر نفسه وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دوفيلبان إذ وافق على الأفكار ورفض استخدام الأساليب العسكرية (والحروب الدائمة) لإقرارها على الواقع. وأيضا وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر عارض في كلمة ألقاها في «مؤتمر ميونيخ» أمام الحلف الأطلسي (الناتو) اتباع أساليب القوة والافراط في استخدام العنف والحروب لتمرير مشروع يهدف إلى التنمية والتحديث، مقترحا سلسلة خطوات مرحلية تتماشى مع روح مشروع بوش ولا تتطابق معه.

خطة بوش الآن معروضة للتداول (البيع والشراء) وهو بحاجة إليها في الشهور المقبلة من أجل تحقيق حلم تجديد رئاسة ولاية ثانية... ثم استكمال الأشواط المتبقية من استراتيجيته الهجومية التي بدأها في أفغانستان والعراق وانتهت إلى ما انتهت إليه من نجاحات عسكرية واخفاقات سياسية وأمنية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 533 - الجمعة 20 فبراير 2004م الموافق 28 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً