العدد 534 - السبت 21 فبراير 2004م الموافق 29 ذي الحجة 1424هـ

لا ترجموا أبطال الإصلاح في إيران

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

ربما يذكر عنوان المقال أولئك المتنافسين على النفوذ السياسي في إيران بالإنجازات التي حققتها الجمهورية الإسلامية في الآونة الأخيرة وكسبت التقدير العالمي. وبدأ الملل يساور المتتبعين للحوادث داخل إيران لعدم تبلور صورة واضحة عما يجري من نزاع على النفوذ بصورة تهدد الانجازات الكبيرة التي تحققت وبعودة إيران إلى الساحة الدولية كدولة تؤخذ على محمل الجد. إن الخلاف بشأن الترشح للانتخابات البرلمانية ليس خلافا على الديمقراطية وإنما كما توضحه التقارير والتحليلات السياسية، خلاف على النفوذ. هذا الخلاف الذي لا يخدم مصالح إيران الطامحة للحصول على مقعد متقدم في النظام الجديد لمنطقة «الشرق الأوسط الكبير».

ربما ينبغي تذكير أطراف الخلاف، وما أكثرها عددا، وهذا هو المشكل، بالانجازات الإيرانية التي تمت خلال العام الماضي. في البداية لابد من ذكر القرار الإيراني بالتوقيع على بروتوكول إضافي للمعاهدة الدولية للحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل. بهذه الخطوة حالت إيران دون تصعيد الخلاف مع العالم الغربي بزعامة الولايات المتحدة وجنبت المنطقة توترات جديدة في الوقت نفسه زاد الضغط على «إسرائيل» لدفعها إلى بدء التفكير بالتخلي عن أسلحة الدمار الشامل التي تملكها منذ الستينات. ويذكر أن «إسرائيل» لم تكن لتحصل على الخبرة والمواد اللازمة لإنتاج رؤوس نووية وأسلحة كيماوية وبيولوجية من دون مساعدة دول غربية في مقدمتها الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا.

ثم توقف الحديث في الدوائر السياسية في واشنطن ولندن عمّا أشيع بعد غزو العراق والإطاحة بنظام رئيسه السابق صدام حسين أن البلد الثاني على قائمة الغزاة، إيران ثم سورية. هذه الفكرة التي صدرت عن الاستراتيجيين «المحافظين» في واشنطن، لم تجد موافقة عند الألمان والفرنسيين وبصورة خاصة لم تحظ بقبول عند البريطانيين أبرز حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا. ودفع هذا الرفض أن تلجأ القوة العظمى لمراجعة حساباتها من جديد إذ تبيّن للاستراتيجيين المحافظين في إدارة الرئيس بوش أن انفراد القوة العظمى، بعمل عسكري جديد في منطقة الخليج، لن يكون في مصلحتها على الأقل في الوقت الحاضر، إذ الولايات المتحدة تبحث عن طرق وحلفاء لمساعدتها من أجل الخروج بأقل ما يمكن من الخسائر من المستنقع العراقي وإذا أمكن قبل موعد انتخابات الرئاسة في تشرين ثاني/ نوفمبر المقبل كيلا يتحول موضوع الخسائر في صفوف الجنود الأميركيين إلى ورقة انتخابية من شأنها أن تحرج بوش ضد منافسه من الحزب الديمقراطي المعارض.

لم تخرج إيران خاسرة من حرب العراق بل تعد بعد الولايات المتحدة من أبرز البلدان التي لها نفوذ على العراقيين. ذلك أن غالبية قادة الشيعة في العراق لجأوا إلى إيران حين فروا من اضطهاد النظام العراقي السابق. وتعرف واشنطن أنه ينبغي عليها الحديث مع إيران بشأن مستقبل نظام جديد في العراق. ويرى المراقبون أنه في حال تمت انتخابات حرة في العراق سيحصل الشيعة على الغالبية وستصبح إيران أكثر اهتماما بالشأن العراقي. إيران لديها نفوذ على القادة الأقوياء في العراق الذين يمثلون مصالح أكثر من نصف عدد سكان العراق. لن تنجح الولايات المتحدة في بناء عراق جديد من دون إيران وبالتأكيد ليس ضد إرادتها.

أكد قادة العراق أنهم لا يصبون إلى إقامة جمهورية إسلامية مماثلة للجمهورية الإسلامية في إيران على أرض العراق، لكن ليس معنى هذا أنهم يديرون ظهورهم للبلد الذي وفر لهم الملجأ وأشكال الدعم ويرتبطون معه بصلة وثيقة جدا. ربما لم يكن في حساب الأميركيين أنهم سيتسببون من وراء حرب العراق باتساع نفوذ إيران، الخصم التقليدي للولايات المتحدة. غير أن إيران لا تظهر أن لها أطماعا في العراق. وكل ما ظهر منها بعد غزو العراق أنها مستعدة للتعاون حتى مع الولايات المتحدة في بناء عراق جديد ولإثبات حسن النوايا كانت أول بلد اعترف بمجلس الحكم الانتقالي في العراق. وحين زار حديثا الزعيم الكردي جلال طالباني مع سبعة من أعضاء مجلس الحكم طهران، لم يتردد لحظة في تقديم الشكر إلى المسئولين الإيرانيين على الدعم الذي قدموه إلى العراقيين في الظروف الصعبة. كما تخطط إيران للمساهمة بدور كبير في عملية إعادة إعمار العراق وتم وضع اتفاق بالخصوص جاهزة للتوقيع. وهناك خطوة مهمة قامت بها إيران إذ أدانت هجمات المقاومة ضد المدنيين واعتبرتها جرائم كما قالت انها تريد مكافحة الإرهاب في العراق.

كل هذه الخطوات لم تؤثر على السياسات الداخلية في إيران إذ المنافسة مستعرة على الدوام بين التيار المحافظ وتيار الإصلاحيين. وأصاب مؤيدو الإصلاحات حال من الإحباط لأن خاتمي لم ينجح في تحقيق وعوده.

إن خاتمي الذي كان رمزا للإصلاح أصبح بنظر الكثيرين في إيران رمزا للإحباط. ثم وجد الإيرانيون رمزا جديدا في شخص المحامية شيرين عبادي الحاصلة على جائزة نوبل للسلام للعام 2003، لكنها رفضت الدخول في شرك السياسة وعارضت فكرة أن تصبح أيقونة.

خسارة أن يتوقف قطار التحديث في إيران وحرام أن يواجه الأبطال في هذا البلد والفشل مجددا

العدد 534 - السبت 21 فبراير 2004م الموافق 29 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً