القليل منا يعرف عما تركه اجدادنا الدلمونيين من آثار وكنوز تروي تاريخهم الطويل على ارض جزيرة البحرين وروافدها الممتدة على الساحل الشرقي لشبه جزيرة العرب.
ليس هذا فحسب فالمسئولون في الدولة وحتى بالنسبة إلى رجل الشارع البسيط جميعهم يجهلون قيمة هذه الحضارة التي لاتزال محل تساؤل علماء الآثار من شتى بقاع العالم.
للأسف هذه العقلية تنصب على الغالبية التي لا تأبه بتاريخ هذه الحقبة فما بال ان كانت هذه العقلية معززة ومكرمة في مواقع صنع القرار الخاصة بالمرافق الخاصة بجهات الاعلام التي سئمنا من ثقافتها المتقوقعة في اطار ولون واحد لا يتعدى سوى ثقافة الالعاب النارية واغان وطنية مكررة وتقليدية على غرار الاسلوب الدعائي المتبع في معظم الدول العربية... فلا ابداع ولا حتى تجديد او تطوير للمفهوم الوطني الذي يعبر عن جميع ثقافات واطياف المجتمع البحريني.
وحتى عندما يأتي الحديث عن تدهور قطاع السياحة في البحرين وخصوصا في الاسابيع الماضية فهو يرجع إلى عدة اسباب كون هذا القطاع يرتبط بالثقافة والآثار بالدرجة الاولى وليس بسياحة الفنادق فقط...
وهنا نتساءل كيف نروج لسياحة حقيقية على غرار دبي وتونس مثلا... ان كنا نقمع الجهود التي تسعى الى تقديم الوان من الفن الراقي والملتزم من المسرح والفن الاستعراضي والاوبرا الى المهرجانات الثقافية والفنية التي نراها تروج في دبي وحتى في الدوحة التي لم تكن في الماضي تنظم او تحتضن فعاليات كتلك... كل ذلك يحدث ليس لان اهل الامارات وقطر من محبي فن الاوبرا الى احتضانهم لأشهر اعمال الفرق الفنية، ولكن المسألة قائمة على حسن التخطيط ووضع موازنة تحتضن الفنون الراقية - وعلى مستوى - لجذب السياحة.
وفي الواقع نحن نفتقدها في وطننا بل إنها لا تأتي ضمن خريطة ونهج ثقافة القائمين في وزارة الاعلام، فهؤلاء بعيدون كل البعد عن ما هو ثقافي وآثاري وكل ما يسعون اليه الاثارة الاعلامية من دون المستوى في تلك الفعاليات التي يحرص مسئولو الاعلام في البحرين على تقديمها للجمهور الذي للاسف هو الآخر بدا متطرفا في ذوقه وفي افكاره باتجاه أية فعالية فنية.
اما عندما نفتح ملف المواقع الآثرية فسنجد ان هذا الملف تعرض لعمليات عدة من القمع منذ تأسيس وزارة الاعلام مع بناء الدولة الحديثة وحتى الآن... وهي امور يجهلها الشارع الذي قلما شده موضوع ما شيده اهالي الحضارات القديمة على ارض البحرين بينما حرص بعض المسئولين - ربما لمصالح شخصية - على اسدال الستار على حساب تاريخ هذا البلد... وربما ما لا يعلمه الكثير منا هو ما بذله علماء الآثار الفرنسيون من جهود لانقاذ ما تم انقاذه في موقع قلعة البحرين ... وهذا طبعا لم يتم إلا بعقلية قطاع الثقافة والتراث الوطني المتمثلة في شخص الشيخة مي آل خليفة التي كشفت على الملأ حقيقة ما يحدث في ملف الآثار... وهو طبعا ما لا يعجب الكثير من مسئولي الاعلام وحتى من تضاربت مصالحه في بيع اراضي الآثار او توزيعها حسبما تشتهي نفس المنتفع.
ومع ذلك فالموقع اصبح بفضل عريضة علماء الآثار الفرنسيين وغيرهم - ممن شارك من جنسيات اخرى الى جهود الشيخة مي والسفارة البحرينية في باريس الى الحملة التي قادتها صحيفة «الوسط» - محميا، ويسجل قريبا ضمن قائمة التراث الانساني لمنظمة اليونسكو إلا ان ذلك لم يعجب مسئولي الاعلام ولم يثنوا هذه الجهود وتمنوا لو قطعت القلعة اربا وهم ممن يدعون وصاة للآثار!
وللامانة التاريخية التي ربما قد يجهلها الكثير فان ما قامت به الشيخة مي في ملف الآثار كشف الفساد الاداري الذي فاح مع فتح هذا الملف بل والذي فاق الحدود، فليست قلعة البحرين الوحيدة والمعنية بهذا الامر فهناك معابد باربار ومستوطنة سار وغيرها من المواقع التي قضي عليها من دون حق من اجل ملء الجيوب لا اكثر!
فالحرب التي شنت ضد ادارة الشيخة مي خلال هذه الفترة القصيرة لم تكن تنصب على الموسيقيين والفنانيين والمسرحيين وغيرهم كالذي كان يروج ومازال بل هي في الواقع ما كشفته ادراتها من تلاعب حقيقي في ملف الآثار... الذي هو ملف حساس ومهم اثار حفيظة المعنيين... ومنه توالى تعطيل المشروعات الثقافية الاخرى كالمسرح الوطني ومهرجان التراث وغيره...إلى درجة ان آخر فعالية لتكريم الموهوبين الصغار لمهرجان الطفل للثقافة والفنون اقيمت امس الاول في بهو المتحف الوطني بدلا من ان تقام على مسرح مهيأ وقاعة تتحمل الايقاعات الموسيقة التي عزفتها انامل الصغار... فالى متى تبقى العروض من دون مسرح وطني مهيأ على غرار الدول الخليجية والعربية الاخرى... ولمصلحة من تبقى البحرين بلا مسرح !
كل ذلك يدعونا الى وقفة تأمل عند سؤال وحيد نوجهه بكل امانة: أحقا تدني مستوى السياحة في البحرين جاء بسبب ضغط الشارع ام بسبب تدني الوعي الثقافي عند المسئولين بوزارة الاعلام...؟
ان قضية الشيخة مي مع وزارة الاعلام ودعواها بفصل قطاع الثقافة عن الاعلام هي قضية ليست عادية بل تحمل ابعادا كثيرة اذ كشفت مدى التخاذل والفشل الذي لحق بالوزارة في السنوات الاخيرة
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 538 - الأربعاء 25 فبراير 2004م الموافق 04 محرم 1425هـ