العدد 2721 - الثلثاء 16 فبراير 2010م الموافق 02 ربيع الاول 1431هـ

المسلمون والإسلام في ألبانيا في القرن الحادي والعشرين

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

عاش المسلمون في ألبانيا عبر العصور في حالة ما بين المد والجزر منذ فتحت الدولة العثمانية شبه جزيرة البلقان في القرن الخامس عشر، ونشرت الإسلام في تلك البقعة من جنوب شرق أوروبا، وظلت ألبانيا حتى العام 1912 مرتبطة بالدولة العثمانية بصورة أو بأخرى وشكل المسلمون الغالبية العظمى من السكان، ولكن بعد استقلالها تحول كثير من المسلمين لاعتناق المسيحية تحت ضغط الظروف والمستجدات المرتبطة بتراجع قوة الدولة العثمانية، ومن ثم تراجع الإسلام لصالح المد التبشيري المسيحي في تلك المنطقة، إذا أخذنا في الحسبان أن أوروبا كانت قارة مسيحية منذ أن اعتنق الإمبراطور الروماني قسطنطين العظيم المسيحية في العام 313 بعد الميلاد وتبعته الشعوب الأوروبية بعد ذلك بل وبعض الشعوب في مناطق أخرى، عندما ظهرت حركات التبشير المسيحي قبل وأثناء وبعد المد الاستعماري الأوروبي، والكشوف الجغرافية ولكن شبه جزيرة البلقان التي كانت معقلا للإسلام باعتبارها تخوما تقليدية للإمبراطورية العثمانية لحوالي خمسة قرون، قد تراجع فيها الإسلام تباعا عبر استقلال دول شبه جزيرة البلقان واستعادة تاريخها المسيحي التقليدي وفي معظم الحالات كان المد المسيحي شبه سلمي، بمعنى استخدامه أدوات القوة الناعمة من الإغراءات الاقتصادية، والخدمات الصحية والتعليمية، والأعمال الخيرية، وذلك بالإضافة للضغوط يرفض توليهم المناصب ما لم يعتنقوا المسيحية. وهذا ما تعرض له المسلمون في كثير من مناطق شبه جزيرة البلقان، وفي عدد من دول أوروبا الشرقية بعد استقلالها عن الدولة العثمانية وانهيار الإمبراطورية العثمانية وإلغاء الخلافة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى وقيام دولة تركيا الحديثة بقيادة مصطفى كمال أتاتورك.

ولكن دولة واحدة ظلت صامدة بأغلبية إسلامية هي ألبانيا التي أصبحت دولة مستقلة رغم خضوعها للحكم الشيوعي حتى انهيار هذا الحكم في العام 1990 وتحولت ألبانيا إلى نظام رأسمالي على نمط أوروبا الغربية، وهنا نشطت الإرساليات التبشيرية وبخاصة الكاثوليكية والأرثوذكسية، ومارست ضغوطها على المسلمين الألبان وعلى وجه الخصوص الذين هاجروا تحت ضغط العوز الاقتصادي إلى إيطاليا واليونان، فقد أصبح من المتعذر بل شبه المستحيل أن يجدوا عملا أو تصريحا بالعمل والإقامة في هاتين الدولتين ما لم يعتنقوا المسيحية. وأما بالنسبة للمسلمين في ألبانيا نفسها فإن الإرساليات التبشيرية نشطت منذ سقوط الحكم الشيوعي ووجدت في المسلمين الألبان لقمة سائغة، فمعظم شباب الألبان الذي نشأ وترعرع في ظل الحكم الشيوعي لا يعرف شيئا عن الإسلام سوى أن آبائه أو أجداده كانوا مسلمين، ونظرا لعدم اعتراف الحكم الشيوعي بالأديان بوجه عام فلم يكن هناك من مفر سوى تجاهل الجميع لمفهوم الدين باعتباره كما قال كارل ماركس أفيون الشعوب. ولكن أدى انهيار النظام الشيوعي في ألبانيا وتحولها لليبرالية الغربية والرأسمالية إلى عودة نشاط الإرساليات من دول أوروبا الغربية وخاصة من الولايات المتحدة للتبشير بالمسيحية تحت نفس الإغراءات المادية والاقتصادية وأمكنها تحويل ما بين 10-20% من سكان ألبانيا المسلمين إلى المسيحية وتراجع عدد المسلمين الذين كانوا يمثلون حسب تعداد العام 1937 ما يقارب من 70% من السكان إلى ما دون 50% من السكان، ولكن المشكلة أنه لا يوجد إحصاء محدد لمعتنقي الأديان، ولكن حسب إحصاء وكالة المخابرات الأميركية يشير إلى أن عدد سكان ألبانيا 3.6 مليون نسمة وأن غير المؤمنين بالأديان يمثلون 65.7% والمسيحيون الأرثوذكس 10.3% والمسلمون 9.4% والرومان الكاثوليك 8% ثم هناك أقليات أخرى صغيرة، ومن ناحية أخرى تشير مصادر قاعدة المعلومات المسيحية على شبكة الإنترنت بأن عدد المسلمين حوالي 64% والمسيحيون 30% والباقون لادينيون وبهائيون، ويعيش الألبان الآن تحت وطأة التخلف الاقتصادي وضغوط الفقر والبطالة والجهل الثقافي والأمية وعدم معرفة الكثير عن مبادئ الإسلام.

وقد علمت من أحد النشطاء الألبان أن النفوذ الأميركي خاصة والأوروبي عامة في تزايد، وأنه يدعم الإرساليات التبشيرية بقوة ويطارد أي نشاط أو إحياء للإسلام، حتى أنه بعد حوادث 11 سبتمبر/ أيلول2001 قام بطرد جمعيات خيرية إسلامية من السعودية وغيرها من الدول الإسلامية كانت تساعد المسلمين في ألبانيا. وأوضح ذلك الناشط أن المسلمين في ألبانيا الآن أصبحوا في حالة شديدة من البؤس والفقر والإهمال العالمي، وخاصة من الدول الإسلامية، وعرضه أمام المؤثرات التبشيرية لدفعهم للتخلي عن الإسلام، واعتناق المسيحية، لأن الفكر والعقلية الأوروبية لا تتقبل وجود دولة إسلامية في أوروبا، وترى في المسلمين تهديدا لثقافتها وحضارتها، وأضاف محدثي بأن ذلك يمارس على المسلمين في كوسوفو وفي البوسنة بهدف أن ينسوا الإسلام ويصبحوا بلا عقيدة دينية حتى لو لم يعتنقوا المسيحية حتى يمكنهم أن يتعايشوا وهذا هو أسوأ حالة هي ما يتعرض له مسلمو ألبانيا. وتساءل محدثي أليس في الدول الإسلامية وخاصة منطقة الخليج والأزهر في مصر من يستطيع أن يتحرك بعقلانية لمساندة المسلمين في ألبانيا في التعريف بأمر دينهم ومساعدتهم في بناء مساجد، ولكنه استدرك قائلا إنه يتمنى لو حدثت مثل هذه المساعدات، ألا تكون على حساب الفكر الإسلامي المعتدل الذي ساد لقرون في ألبانيا، بمعنى ألا يكون الثمن هو تحويلهم إلى هذا المذهب الإسلامي أو ذاك، وإنما تقدم المساعدات بلا شروط، فالمسلمون الألبان على حد قوله يحرصون على الاعتدال، وليسوا في حاجة للفكر المتطرف سواء من القاعدة أو غيرها من المذاهب التي تتصارع في الدول الإسلامية ويقتل بعضها بعضا تحت المسميات الطائفية.

ردا على استفسار مني أوضح محدثي أن الحكومة في ألبانيا بعد سقوط الشيوعية تضم مسلمين ولكنهم يعتنقون الفكرة العلمانية بسلبية الدولة بالنسبة للأديان، ولكنها تحت تأثير النفوذ الغربي والضغوط الأميركية تترك المجال مفتوحا لنشاط الإرساليات التبشيرية في حين أنها تضيق على المساعدات للمسلمين بدعوى التطرف والإرهاب. وأبدى المتحدث شكوكه حول جدوى اللجوء لمحكمة حقوق الإنسان الأوروبية لمنع الإرساليات التبشيرية من ممارسة ضغوطها على المسلمين الألبان وتحويلهم للمسيحية على أساس المفهوم العام بحرية اعتناق الأديان من ناحية ومن ناحية أخرى أكد أنها سياسة أوروبية متفق عليها وشعرت منه بنوع من اليأس والإحباط الشديد.

لقد رجاني هذا الناشط الألباني أن أساعده في التعريف بمشكلة المسلمين في بلاده ومأزقهم لعل وعسى بعض أصحاب النوايا الطيبة يساعدونهم وكرر أنه يدعو لمساعدة غير مشروطة باعتناق مذاهب الدولة التي تقدم المساعدات، وأن يتركوهم في إسلامهم البسيط المعتدل الذي يرغب في التعايش في قارة أوروبا بعيدا عن الاتجاهات المتشددة التي لن تجلب لهم إلا مزيدا من المعاناة والآلام. فوعدته بكتابة مقال يوضح هذه الحالة ومن هنا نبعت فكرة هذا المقال الذي أطرحه على القراء الكرام وأهل الخير والبر والإحسان، ولعلنا نشير إلى الآية الكريمة «قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى» (سورة البقرة الآية 263).

وختاما نقول إن هذا الناشط المسلم الألباني الذي التقيت به في مؤتمر

مراكز الفكر للدول الإسلامية الذي عقد في أسطنبول من 28-30 يناير/ كانون الثاني 2010 هو السيد Olsi JAZXHI، حيث كان مدعوا لتمثيل منظمته في المؤتمر وهي المنتدى الإسلامي الألباني The Muslim Forum of Albania، والتي يعمل مستشارا لها، وموقعها على الإنترنت www.forumimusliman.org، والبريد الإلكتروني olsi@rocketmail.com.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2721 - الثلثاء 16 فبراير 2010م الموافق 02 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 6:49 ص

      شكرا لتقاسم. فقط الوضع الحالي للمواقع مثيرة للاهتمام للموضوع الخاص بالمعلومات. وأنا أقدر حول هذا الموضوع. انها حقا مفيدة جدا للجميع ، وخاصة بالنسبة لي لأنني كنت ترغب في الحصول على المعرفة من جميع الأنواع. أنا فقط أريد أن أقول بهذا المعنى الخاص لوصف ، انها لطيفة وسهلة الفهم ، ولذا فإنني أقدر الحب. شكرا مرة أخرى!

    • زائر 2 | 4:07 م

      meryem bouras

      good .very good dear.

    • زائر 1 | 8:27 ص

      شكر لسيد محمد نعمان

      المعلومات التى قراتها جيدة واشكر السيد نعمان على كتابة هذا التاريخ الغير معروف عن شبه جزيرة البلقان . فيا حبذا ان كان لديك معلومات سياحيه عن هذه البلد فلا تبخل علينا بها.

اقرأ ايضاً