العدد 2726 - الأحد 21 فبراير 2010م الموافق 07 ربيع الاول 1431هـ

عقبات مصرية أمام طريق البرادعي الرئاسية (1)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

وسط إجراءات أمنية وصفت بالمشددة لمنع أي تجمعات في المطار وصل المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة النووية محمد البرادعي، إلى القاهرة، بعد تصريحات كررها على مدى الأشهر الأخيرة أبدى فيها احتمال ترشحه لرئاسة الجمهورية كمنافس للرئيس الحالي محمد حسني مبارك، الذي تولى السلطة منذ العام 1981، شريطة «إدخال تعديلات دستورية جوهرية لتأمين الطابع الديموقراطي للانتخابات». الحكومة المصرية لم تتخذ من جانبها، موقفا معاديا صريحا ضد خطوة البرادعي، واكتفت بتجاهل الموضوع، مع تلميحات بين الحين والآخر إلى افتقار البرادعي إلى «المعرفة بأوضاع مصر الداخلية بسبب عمله الدبلوماسي لسنوات طويلة خارج مصر في مؤسسات دولية». على العكس من ذلك كان موقف الصحف المستقلة، والمعارضة التي «استفاضت في نقل رحلة البرادعي إلى القاهرة والاستقبال الشعبي له». تجدر الإشارة هنا، وكما تنقلت وسائل الإعلام أن رغبة البرادعي في الترشح، تصدم في الوقت الحالي بعقبات قانونية» إذ «يتضمن الدستور المصري شروطا تجمع المعارضة المصرية على أنها تعجيزية على أي مرشح يرغب في أن يخوض الانتخابات كمستقل». أحد أحزاب المعارضة وهو «حركة كفاية»، بعد أن رحب بعودة البرادعي، أوضح في بيان رسمي أن «الحركة» ترى فيما يقوم به البرادعي بمثابة «حملة مقاومة سلمية واسعة تتضمن سلاسل من التوكيلات الشعبية والاضطرابات والاعتصامات والمظاهرات السياسية، لتنحية نظام الرئيس مبارك وإقامة دستور جديد بجمعية تأسيسية منتخبة انتخابا حرا».

كما أولت الصحافة العالمية هذه المسألة بعض الاهتمام، حيث اعتبرت مجلة «فورين بوليسى» الأميركية عودة البرادعي إلى مصر بأنها بمثابة «الصداع لنظام الرئيس مبارك»، واصفة تصريحاته حول ترشحه للرئاسة بالقنبلة «التي عرقلت خطط الرئيس مبارك، خاصة بعد مطالبة البرادعي بضمانات لنزاهة الانتخابات، وتعديل الدستور».

البرادعي من جانبه ، حاول أن يحافظ على بعض الهدوء والمرونة في تصريحاته على هذا الصعيد، مكتفيا بالقول بأنه «يعمل من أجل الإصلاح السياسي والتغيير في مصر بعد عودته إلى بلاده». لكنه خرج عن هذا الهدوء في بعض المناسبات فوجدناه يصعد من لهجته الخطابية حين يقول إنه « كمواطن مصري عندما استمع إلى العديد من الأصوات وقطاع عريض من الشعب المصري يدعونني لأن أشارك وبقوة، فإنه لا يمكنني إلا أن أقول إنني سأستجيب إذا كانت الفرصة متاحة لي بعملي في مصر بأسلوب يعطيني فرصة أكبر لأن أكون وسيلة للتغيير». مؤكدا أنه، وعلى حد قوله «لن أخجل من أن أواجه أي مسؤولية أرى فيها مصلحة لشعبي مهما كانت التضحيات الشخصية، ففي نهاية الأمر نحن نتكلم عن مصير وطن، ومستقبل أجيال يجب أن نترك لهم وطنا أفضل».

وتميزت تغطية قام بها سامي البحيري، ونشرها موقع إيلاف (http://www.elaph.com/web/templates/article2010.aspx?articleid=529163 ) بعنوان «مناظرة بين مبارك والبرادعي». في ذلك المقال حاول البحيري أن ينقل وقائع مناظرة تخيلية جرت بينهما، وصاغها بسخرية سياسية عكست جوانب كثيرة من واقع الأنظمة العربية السياسي، وليس المصري فحسب، وحوت مقاطع غالبا ما يستخدمها الحكام العرب لتغطية أساليبهم في مصادرة الحريات التي يفترض أن ينعم بها المواطن، وخاصة عندما ينتمي ذلك المواطن إلى أحد أحزاب المعارضة.

ولو أطلقنا العنان لمخيلة القارئ، كما عمل البحيري، وتصورنا أن البرادعي تجاوز كل العقبات، ونجح في الوصول إلى رئاسة الجمهورية، فالسؤال الذي سيجد البرادعي نفسه أمامه: كيف سيعالج، لحظة وصوله إلى السلطة، المشكلات العميقة التي يعاني منها المجتمع المصري اليوم؟ هل سيكون في وسعه، بعد أن تخطى حاجز المنافسة الرئاسية، أن ينجح في الأخذ بيد المجتمع المصري كي يتجاوز معه عقبات المشكلات السكانية والاقتصادية والاجتماعية العميقة التي تحيط به؟

تقف في أعلى سلم تلك المشكلات القضية السكانية، فعلى المستوى السكاني، وكما يعترف المؤتمر القومي للسكان الذي عقد في القاهرة في الفترة من 9 - 10 يونيو/ حزيران 2008 ، وشارك في فاعلياته أكثر من ‏2500‏ شخصية محلية وعالمية مهتمة بالقضية السكانية، بأنه «لا جدال أن المشكلة السكانية بأبعادها الثلاثة (الزيادة السكانية والتوزيع السكاني والخصائص السكانية) تعد من أخطر المشاكل التي واجهت وتواجه مصر على مر العصور والأزمان، فلا تعطي فرصة للتنمية للظهور، ولا لآثارها أن يتمتع بها المواطن المصري، وقد شكلت الزيادة السكانية على مر السنوات عائقا كبيرا أمام التنمية الاقتصادية والاجتماعية وكانت من أهم المشكلات التي أثرت على الوصول إلى مجتمع يتمتع بالرفاهية ويعيش في عصر التقدم والحضارة ويصارع وينافس من أجل البقاء والنمو. وعلى الرغم من الجهود التي بذلت في العقود السابقة، وتحققت معها بعض النجاحات، إلا أن الطريق ظل طويلا أمام حصر مشكلة الزيادة العددية للسكان».

وقد حذر الرئيس المصري كما تقول وكالة أنباء «شينخوا» الصينية « مرارا وتكرارا من خطورتها على حركة التنمية والتهامها لنتائج النمو الاقتصادي الذي تحققه البلاد وتأثيرها السلبي على كافة المرافق في مصر». وتنقل «شينخوا»، نتائج بعض الدراسات التي تشخص الآثار السلبية للزيادة السكانية بأنها متعددة، والتي من بين أهمها «البطالة التي ارتفعت نسبتها من 7.4 في المائة العام 1980 إلى 9.72 في المائة، حسب آخر تعداد سكاني ، إلى جانب الضغط الشديد على المرافق لاسيما مياه الشرب والصرف الصحي والطرق والمواصلات».

وينقل محمد شوكت الملط مقاطع من تقرير الأمم المتحدة عن التنمية البشرية للعام 2007 عن انعكاسات الأزمة السكانية المصرية على واقع الشعب المصري فيقول بأن هناك «14 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر، بينهم أربعة ملايين لا يجدون قوت يومهم، لتبقى مصر في المركز 111 بين دول العالم الأكثر فقرا». ويستشهد الملط بتصريحات وزير مصري اعترف فيها بأن «نسبة الفقراء في البلاد تصل إلى ما يقرب من 55 في المائة من الشعب المصري، وأن هذه النسبة قابلة للارتفاع، خاصة أن الحكومة تبدو غير قادرة على مواجهتها أو التقليل منها، عبر إجراءات وحلول جذرية».

الأخطر في تأثيرات المشكلة السكانية في مصر أنها ليست محصورة في زيادة عدد السكان فقط، بل تمتد سلبياتها أيضا وكما تتفق على ذلك دراسات مصرية وعالمية كثيرة كي تنعكس «على التوزيع العمراني والجغرافي لهؤلاء السكان، حيث أن نسبة كبيرة من سكان مصر تحت سن الـ 15 عاما، بالإضافة إلى النمو الحضري العشوائي الذي أدى إلى تفاقم المشكلة بسبب سوء توزيع السكان على رقعة الدولة، حيث يمثل سكان الحضر حوالي 56.91 في المائة من إجمالي سكان مصر، وهو ما يعني انخفاض العاملين بالزراعة وقلة المنتجات الزراعية وارتفاع أسعارها وهو ما يؤدي إلى الفجوة الغذائية».

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2726 - الأحد 21 فبراير 2010م الموافق 07 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً