العدد 2726 - الأحد 21 فبراير 2010م الموافق 07 ربيع الاول 1431هـ

إمارة دبي والمبحوح... حديث في العُمق

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أظهرت شرطة دبي موقفا مسئولا في قضية اغتيال العضو الأمني بحركة المقاومة الإسلامية حماس محمود المبحوح. ليس موقفها مسئولا فقط، وإنما مصحوبا بقدر كبير من الشجاعة. بل وليس شجاعة فقط، وإنما مدعوما باحتراف أمني بالِغ الدّقة في رصد ما يجري على ترابها. وليس احترافا أمنيا فقط، وإنما بتدابير متواليّة ومتّسقة ومُتّحدة الهدف في تأمين تأييد إقليمي ودولي لإجراءاتها تجاه هذا الملف.

يُقال هذا الحديث عن دبي في الوقت الذي تستحضر فيه الذاكرة العربية والإسلامية (ببؤس) صورة عجز دول كثيرة في العالم (من بينها دول أوروبية كُبرى) عن فعل ما يجب فعله سياسيا وقانونيا وأخلاقيا تجاه انتهاكات شنيعة ارتكبها جهاز الاستخبارات الصهيوني (الموساد) على أراضيها.

ماذا فعلت الولايات المتحدة الأميركية في حادث موت العالِمة النووية المصريّة سميرة موسى في 15 أغسطس/ آب من العام 1952 بكاليفورنيا؟ وبمقتل عالِم الذرّة المرموق سمير نجيب في 13 أغسطس 1967؟ وماذا فعلت التشيك بمختطفي نبيل القليني؟

ماذا فعلت النرويج بِقَتَلَة نادل ليلهامر في يوليو/ تموز 1973 بعد اغتيالات ميونيخ الرياضية من قِبَل جماعة إيلول الأسود؟ وماذا فعلت سويسرا بعملاء الموساد الخمسة الذين تورّطوا في فضيحة «قبو الرجل اللبناني» في فبراير/ شباط 1998 في أحد ضواحي الاتحاد.

وماذا فعلت قبرص بعملاء الموساد الأربعة في أبريل/ نيسان من العام 1991 وهم يُباشرون تثبيت أجهزة تنصّت في أحد مرافق السفارة الإيرانية في ذلك البلد؟ وماذا فعلت بخليّة التجسس الصهيونية على القوات المسلحة القبرصيّة اليونانية في منتجع زيغي الشهير في نوفمبر/ تشرين الثاني 1998؟

ما رأيناه من تلك الدول لم يَزِدْ عن استدعاءات دبلوماسية خجولة، أعقبتها تخريجات قضائية أخرست الملف. وربما كان أقصى ردّ فعل غربي جرى ضد عربدة الموساد هو الرّد النيوزلندي في قضية «الجوازات المُزوّرة»، عندما قامت بتخفيض مستوى العلاقات إلى أدنى درجة.

بل إن بعض القضايا التي تورّط فيها الموساد والتي أدّت إلى قتل علماء ذرّة عرب اختفت من على مضابط المحاكم الجنائية (النزيهة!)، ولم يعُد هناك أشخاص مُتّهمون، ولا معلومات تدلّ عليهم. بل إنها لم تُعَمَّد حتى بتسويات مالية مُجزية أو غير مُجزية.

أعود إلى قضية المسئولية التي تمثّلت بها القيادة السياسية والأمنية لإمارة دبي، لأقول بأن ذلك الإجراء (بالتأكيد) يُكرّس حضورها الإقليمي والدولي باعتبارها خاصرة سياسية (حريصة) على مراعاة الأطر القانونية والأخلاقية، التي تعقبها (آليا) تبعيّة وتكليف ومحاسبة، تجاه أي خرق أو حماقة قد يقوم بها عدو مُتسلل، يستهدف الإنسان العربي.

في أحيان كثيرة يُصبح موضوع المسئولية عند الأنظمة (وحتى الجماعات الحزبية) متقايسا مع مستوى العلاقات والمصالح القائمة بينها وبين الأغيار. فهي (أي المسئولية) لا تنمو وفق التطور الطبيعي لفقه التعامل مع الأشياء، وإنما يتمّ استدعاؤها بشكل ميكيافيللي فجّ. وهو تطويع غير بريء للنظام القِيمي والأخلاقي.

وفي قضية الاحتراف الأمني الذي تمتّعت به شرطة دبي في تتبّع قَتَلَة المبحوح، فإن ذلك يبعث بتطمينات مُزدوجة ومتعددة. فأعمار رؤوس الأموال تطول وتتمدّد في البيئات الآمنة، ويُستدَام عملها. والمؤسسات الثقافية والإعلامية يُسمع صليلها جيدا كلما تحوّطت برافعة الأمن، ليس أمن الحريات فقط، وإنما أمن ما بعديات الكلمة والصورة والنقد والتقويم، الذي يضرب لوبيات ومنظومات لمصالح مُعقّدة ومُضمرة الخيوط.

لقد أظهرت التحقيقات التي أجرتها الإمارة، أن مفهوم الأمن لديها ليس تقليديا، وليس مُتضخما بالعنصر البشري دون سواه، وإنما مُتّكئا على كيفيات حديثة ومتوالية الدعم والأهداف، من كاميرات مراقبة إلى مركز عمليات متابع ومحترف وحقيقي، يستطيع القائمون عليه الاعتماد على ما ينضح به من مُخرجات شبه يقينية تجاه الجرائم المُرتكبة.

أكثر من ذلك، فإن الجميع يعلم بأن صناعة الأمن هي حالة مُركّبة ومتصاعدة المراتب والنهايات. وهي تقتضي أكثر من التعريف بالجناة ووسائلهم في ارتكاب أفعالهم عندما تُصبح بعهدة القضاء. هي مزيج ما بين المعلومة التي يتلاقفها الشك واليقين حتى تستقرّ وتتموضع في مسار صحيح وواضح، إلى التعريّة المعنوية والأخلاقية للمُتّهمين، وانتهاء بتوصيف جرائمهم على سلّم القانون.

وفي قضية تدابير ما بعد الضبط الأمني، فقد أبدت شرطة دبي قدرة على محاكاة الجو المُفترض للجريمة إقليميا ودوليا. بل إنها لم تنتظر دفعا من أحد (حتى من أولياء الدّم كما سمّته حركة حماس) لكي تقوم بما قامت به ضد عرّابي ومرتكبي هذه الجريمة النكراء. فقد كانت مبادرتها ذاتية، ومدفوعة بحس المسئولية.

لقد كان للإعلان المتكرر من قِبَل إمارة دبي حول القضية، وطلبها من الإنتربول الدولي القبض على المشتبه بهم وفق البطاقة الحمراء، والتلويح بضلوع الموساد في الجريمة، وتوسيع دائرة الاشتباه للإمساك بالدليل، أثره في أن تنتفض بريطانيا وإيرلندا والنمسا وألمانيا وفرنسا (بدرجات متفاوتة) وحتى الجهات القضائية في أميركا بسبب إصدار المتهمّين بطاقات ائتمان على أراضيها لتقول (أو تتخذ إجراءات) ما يحفظ سلامة مواطنيها.

بالتأكيد، فإن هذه الإجراءات التي اتخذتها دبي هي طريقة سياسية قانونية وأيضا مدنية للردع. إذ إن الجناة لم يكونوا يعتقدون أن الأمور ستصِل إلى هذا الحدّ من التصعيد، وبالتالي فإن ذلك يعني أن لا «قيساريا» ولا وحدة «كيدون» في الموساد نجحا في إتمام المهمّة كما يجب. فالمبحوح تمّت تصفيته، لكن الجريمة وأدواتها وصداها لم تُصَفَّ بعد.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2726 - الأحد 21 فبراير 2010م الموافق 07 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 7:35 ص

      أبو هاشم

      شكرا للأستاذ محمد على العرض والتحليل للموضوع المثار حالياً..
      ولكن سؤالي لك يا استاذ محمد هل تتوقع بأن دبي سوف تصمد عندما يتم الضغط عليها من إسرائيل؟؟
      وهل تتوقع بان الموضوع سوف يحل من تحت الطاولة؟ كما هيا العادة عند الأعراب؟؟
      أسئلة في صميم شكوكاً كعرب بحكام الدول العربية

    • زائر 5 | 12:24 ص

      يجب أن نلتفت يا اخوان

      يجب أن نلتفت حتى لا نكون من الذين قال عنهم الله( بأسهم بينهم شديد) بإطلاقنا للآتهامات جزافا.
      تحياتي

    • زائر 4 | 12:17 ص

      وهي رسالة للأخ والصديق أيضاً ;)

      رسالة للشقيق بأن تكون إجراءاته وتدابيره الأمنية حامية وأمينة على حياة المواطنين أولاً وبقية المقيمين !
      رسالة للمسارعين والمتسرعين بإطلاق الاتهامات السياسية جزافاً والمتلعثمين في حفظ دماء طاهرة كدماء ضحية الفندق الذي تم إطلاق النار عليه في بهو الفندق دون أن تتمكن وزارة الداخلية بكل طاقاتها الجبارة في كشف الجريمة ولو خيط من خيوطها وذهب دم المواطن هدراً !!

    • زائر 3 | 10:51 م

      أحييك فعلا

      في كل الاحوال لا يمكن الا ان نحي دولة الامارات وبالخصوص دبي على ما ابدته من شجاعة في حادث الاغتيال

    • زائر 2 | 10:27 م

      بهلول

      كم ضاحي خلفان تمتلك الدول العربية ؟

    • زائر 1 | 9:30 م

      هي رسالة للعدو و الخصم

      العدو على شاكلة اسرائيل و إيران مثلا و الخصم على شكل الجماعات المسلحة كحزب الله و حماس و الجهاد. كل ما تفعلونه و تقولونه في دبي مسجل على أشرطة فيديو و هذه الرسالة الواضحة التي وجهتها دبي للعالم. لعلك تذكر طرد العشرات من المغتربين اللبنانيين في الإمارات قبل أشهر لإرتباطهم بحزب الله مثلا. الإمارات بلد صغير و لا طاقة له بالتشربك في حبال اللعبة الإقليمية و هذا ما يحتم على كل المستفيدين من الاجواء الممتازة احترام أمن البلد و عدم اللعب به.

اقرأ ايضاً