العدد 2353 - الجمعة 13 فبراير 2009م الموافق 17 صفر 1430هـ

الناخب الإسرائيلي قال كلمته... ما هو الرد؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الناخب الإسرائيلي قال كلمته وأعطى ثقته للتطرف الصهيوني الذي يبالغ في إطلاق شعارات الإلغاء والاقتلاع ورفض التفاوض والانسحاب. فالنتائج النهائية لدورة انتخابات الكنيست الأخيرة أسفرت عن تكوين غالبية نسبية للتكتلات السياسية التي تميل نحو إغلاق باب التسوية وتوسيع المستوطنات وعدم التساهل في الموضوع الأمني. وهذه النتائج مهما كانت متواضعة تشكل في نهاية المطاف مجموعة توجهات تتعارض مع مبادرة السلام العربية وتدفع الحكومة الإسرائيلية الجديدة إلى طور آخر في التعامل مع السلطة الفلسطينية، الأمر الذي يتطلب من الجانب العربي إعادة قراءة الكثير من الملفات في ضوء احتمالات سلبية يتوقع حصولها في الأسابيع والأشهر المقبلة.

القراءات الطفولية التي سارع بعض الكتبة إلى صوغ فقراتها انطلاقا من رؤية ضيقة الأفق لا تلغي الحاجة إلى قراءة ناضجة تحاول استنتاج العبر وتأسيس منهجية عقلانية تستخلص الدروس من مجموعة تجارب مرت على الأمة خلال العقد الماضي.

الشامتون من الشعب الفلسطيني والدول العربية حددوا مجموعة نقاط لتبرير سخريتهم واستهتارهم بالكوارث التي ألحقت بلبنان والضفة وأهالي القطاع في السنوات الثلاث الماضية واعتبروا أن المصائب تعود إلى نقطة واحدة وهي: فشل المراهنة على التفاوض. أي أن أساس المشكلة برأي هذا التيار ليس الاحتلال وإنما الدعوة العربية للسلام وبالتالي إذا أسقطت الدول العربية مبادرة بيروت وألغت رهانها على السلام تصبح الأمور مفتوحة على احتمال آخر.

الشامتون لم يحددوا مواصفات «الاحتمال الآخر» وكيف يمكن الحصول عليه؟ ومن أين تأتي الدول العربية به؟ إلا أن توصيف الشامتين لهزيمة الرهان العربي على السلام وابتهاجهم بانتصار التطرف الصهيوني على المبادرة العربية يؤشر إلى احتمال واضح وهو الدعوة إلى انكشاف الساحة العربية وانفتاحها على انقسامات سياسية تشكل ذريعة لزعزعة الاستقرار وفتح قنوات اتصال «ثنائية» من تحت أو فوق الطاولة مع «إسرائيل».

البديل عن مبادرة السلام العربية ليس بالضرورة نمو المقاومة أو تطور برامج حروب التحرير. فهذا البديل الذي يراهن عليه البعض ويعتبره الرد الطبيعي والعادي والموضوعي على فشل الرهان على السلام ليس مرجحا حصوله لمجموعة أسباب موضوعية وذاتية تمر بها الدول العربية بما فيها أو في طليعتها تلك الأطراف التي تصنف مواقفها في معسكر «الممانعة». فهذه الدول ليست جاهزة للمواجهة العسكرية وهي ضعيفة وغير قادرة على تحمل ضربات موجعة كتلك التي سددتها حكومة ايهود اولمرت في العدوان على لبنان في صيف 2006 أو في العدوان على غزة في شتاء 2008 و2009.

مسألة السلام أو الحرب ليست مجرد حلقات للرقص الفكري وإنما ترتبط أصلا بمجموعة إطارات دولية وإقليمية ومحلية وذاتية. حتى تكتلات أقصى التطرف الصهيوني التي فازت بغالبية مقاعد الكنيست لا تستطيع تجاوز تلك الإطارات بسهولة ومن دون انتباه لسلسلة من الشروط والموانع والحواجز. فالحروب ليست نزهة وهي مكلفة ولا تقل صعوبة عن شروط قبول السلام أو رفضه. والسلام أيضا ليس نزهة وهو مكلف ويتطلب آليات تمارس الضغط لتفرض شروطها على الطرف الآخر.

مسألة الحرب والسلام التي يتعامل معها بعض الشامتين بالمبادرة العربية بعقلية طفولية تطرح أسئلة صعبة سواء على مستوى استكمال الجهود للتوصل إلى مفاوضات عادلة أو على مستوى الانسحاب من مشروع التسوية. فالدول العربية التي تريد الحرب لا تستطيع الحصول على مرادها من دون إعادة هيكلة اقتصادها وتنظيم قواتها وتأهيل شعبها ليكون جاهزا للقتال وتحمل الضربات الموجعة من العدوان. والدول العربية التي تتجنب الحرب لا تستطيع إهمال الاحتمالات الأخرى ما يعني أنها مطالبة بإعادة هيكلة سياستها لتكون جاهزة معنويا لتحمل كل الصدمات التي يمكن أن تصدر عن «إسرائيل» في حال قررت حكومة أقصى التطرف إقفال كل بوابات التفاوض مع السلطة الفلسطينية ودول الجوار العربية.

الشماتة ليست سياسة

الشماتة ليست سياسة وإنما تعطي فكرة عن عقلية طفولية غير ناضجة في قراءة الاحتمالات. فالمطالبة بالإقلاع عن المراهنة على مبادرة السلام العربية تتطلب إجابة واضحة عن البديل. والبديل ينشطر إلى ثلاثة خطوط: الأول الدخول في مواجهة عسكرية دائمة (حرب مفتوحة). الثاني تطوير جبهة المقاومة ونقلها من الدفاع السلبي (لبنان وغزة مثلا) إلى الدفاع الإيجابي وثم الهجوم الإيجابي تمهيدا للتحرير. الثالث انقسام الدول العربية على محاور تتنافس على فتح قنوات اتصال مع «إسرائيل» لترتيب الشئون الخاصة بالبيت على حساب المصلحة المشتركة للدول العربية.

البديل إذا ليس موحدا وهو ليس بالضرورة يتجه نحو الممانعة وإنما يحتمل إجابات متعددة ويرجح أن يكون الرد المتوقع هو تدهور الدول العربية إلى مزيد من الانشقاق والانقسام والضعف وربما تسديد ضربات عسكرية موجعة للمقاومة تعطل عليها الحد الأدنى من إمكانات الصمود والتصدي الذي تتمتع به الآن تحت سقف مبادرة السلام العربية.

شعار إسقاط مبادرة قمة بيروت قبل التوصل إلى صيغة عربية موضوعية بديلة دعوة متسرعة تدفع الدول المعنية بالتسوية نحو عنوان مجهول يرجح أن يكون أقرب إلى الفوضى العربية في اعتبار أن استراتيجية الدفاع القومية المشتركة غير موجودة، وإذا وجدت فإن عناصر تأسيسها غير متوافرة موضوعيا وذاتيا نظرا لعدم وجود مظلة جامعة قادرة على حماية الأمن العربي من العبث والانهيار.

البديل عن السلام لابد أن يتبلور في مشروع واضح المعالم حتى تصبح الدول العربية في موقع يسمح لها بالتغيير والتعديل قبل التورط في فراغ يجرجرها نحو الهزيمة والاستسلام. السخرية ليست كافية ولا تعتبر الجواب المطلوب للرد على صعود أقصى التطرف الصهيوني ونجاحه في السيطرة على غالبية نسبية في مقاعد الكنيست. فالرد الطفولي والمتسرع ليس مقنعا وخصوصا أن «إسرائيل» أخذت تمر بدورها في مأزق تاريخي ولم يعد بإمكانها التهرب من استحقاقات التسوية والتفاوض والسلام. ماذا يستطيع بنيامين نتنياهو أن يفعله؟ وماذا تستطيع تسبي ليفني أن تفعله؟ وماذا يمكن أن يقدمه زعيم «إسرائيل بيتنا» المرتشي والفاسد والسارق أكثر مما حاول فعله اولمرت في حروبه الطويلة على لبنان (34 يوما) وغزة (22 يوما) غير المزيد من الدمار والتحطيم والقتل والتشريد والتقويض العشوائي للبنى الحجرية والبشرية؟.

الدول العربية ليست وحدها في مأزق وإنما «إسرائيل» أيضا. والسلام ليس وحده في مأزق كذلك الحرب في مأزق. فالدول التي لا تريد السلام عاجزة عن الحرب بدليل أن سورية تنتقل من مفاوضات إلى مفاوضات بحثا عن مخارج تتناسب مع مصالحها ومسارها الخاص. والدول التي لا تريد الحرب غير قادرة على إنجاز السلام إذا لم تتوافق على آليات تتابع مشروع التسوية وشروطه الموضوعية والذاتية.

شعار إسقاط مبادرة بيروت للسلام قبل التوافق على بديل عربي مشترك دعوة طفولية تدفع الساحة القومية إلى الدخول في عالم مجهول من الاحتمالات ويمكن أن يؤدي إلى سلسلة عناوين تجريبية لا تعرف نهايتها.

«إسرائيل» الآن في مأزق كبير وحكومتها المقبلة سواء كانت «ائتلافية» أو متشكلة من تكتلات «أقصى التطرف» لا تستطيع الدفاع عن سياستها أو تبرير عزلتها أو تغطية اعتراضها على التفاوض والتسوية والسلام. كذلك ومهما كانت طبيعة السلطة في «إسرائيل» فإنها لا تمتلك البديل عن رفض المبادرة العربية. فالرفض يعني البحث عن خيار آخر أصعب عليها من تقبل متطلبات الانسحاب والتعايش والسلم.

الدول العربية قد تكون ضعيفة في تنسيق آلياتها المشتركة وغير قادرة على ترويج مبادرتها وتسويق مشروعها للسلام ولكن «إسرائيل» أيضا ضعيفة وغير قادرة على تبرير رفضها للمبادرة العربية وإقناع العالم في مختلف معسكراته ومحاوره أن الرد الوحيد هو الحرب واستمرار الاحتلال.

المأزق إذا يتألف من وجهين فما هو مطلوب من الدول العربية مطلوب أيضا من «إسرائيل» وما لاتستطيع الدول العربية فعله لا تستطيع «إسرائيل» أيضا فعله.

هذا المأزق المزدوج يؤكد صعوبة التعامل مع مسألة السلام والحرب. فالحرب صعبة والسلام أصعب والأخطر من الاحتمالين الذهاب نحو المجهول قبل البحث عن البديل.

الناخب الإسرائيلي قال كلمته وبقي على الدول العربية أن تجدد خيارها وتعيد هيكلة آلياتها لملاحقة المبادرة السلمية أو تبحث عن بديل قادر على تحمل كلفته البشرية والحجرية... وغير ذلك يصبح مجرد كلام شامت وشاتم يحث على العبث وغير قادر على تقديم جواب عاقل يساعد على تكوين بديل يتجاوز العثرات والعقبات.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2353 - الجمعة 13 فبراير 2009م الموافق 17 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً