العدد 2730 - الخميس 25 فبراير 2010م الموافق 11 ربيع الاول 1431هـ

النظام الأبوي البطريركي في المجتمع العربي (2-2)

أهم خصائص النظام الأبوي التقليدي أنه يقوم على العصبية القبلية وتماهي الفرد مع القبيلة التي تبادله الولاء بوصفها مسئولة على الصعيد الاجتماعي والسياسي عن كل فرد من أفراد القبيلة، وهو ما يؤدي إلى تعزيز النظام القبلي القائم على العصبية، الذي يجعل من العائلة حجر الزاوية في البنية الاجتماعية كما تفترض أن بنية القبيلة هي «كل» لا يمكن تجزئته باعتبارها عائلة موسعة أو عشيرة أو مجموعة من العشائر التي تكون القبيلة، التي تعزز كيانها بسيطرة مزدوجة، سيطرة الأب على العائلة وسيطرة الرجل على المرأة والولد على البنت، بحيث يبقى الخطاب المهيمن هو خطاب الأب الذكر وأوامره وقراراته.

وقد اتخذت «الأبوة» صفتها من صلة القربى والدم وضرورة احترام الابن لأبيه والقيام على خدمته. ومازالت تقاليد تقديم الابن فروض الطاعة لأبيه واحترامه مستمرة حتى اليوم. كما أن احترام الابن لأبيه هو الاحترام نفسه لعشيرته مركزا في شخص واحد يمثلها هو شيخها. وفي الحقيقة فإن سلطة الأب ما هي إلا مظهر فردي لسلطة القبيلة. وعلى رغم مرور مئات السنين بقي المجتمع العربي مجتمعا قبليا يتكون من وحدات اجتماعية أساسها القرابة التي تتمثل بالعائلة، التي هي جزء من الحمولة، فالفخذ، فالعشيرة، فالقبيلة، فاتحاد القبائل الذي يشكل المجتمع بأوسع صوره.

وتتكون الأسرة العربية من عدة عوائل عموما، وهي أسرة ممتدة كبيرة الحجم تشكل السمة الأساسية لبنية العائلة العربية حتى منتصف القرن الماضي وتضم كل المتحدرين من جد ذكر واحد وينصهرون في وحدة واحدة ويحمل جميع أفرادها اسم الجد الأول للأسرة.

وفي الأرياف العربية ترتبط بنية العائلة ارتباطا وثيقا بأسلوب الإنتاج الاقتصادي السائد والعلاقات الاجتماعية التي تشكل الأرض والزراعة ركزتها الأولى والأساسية، وتعكس بشكل واضح بنية النظام القرابي الذي يقوم على التضامن والتماسك والتعصب العائلي في مواجهة المشاكل والأعباء والصراعات مع العوائل الأخرى ومع الحكومات وغيرها. ولذلك تحتاج العائلة إلى تكثير النسل لرفد الأرض بأيدي عاملة ذكورية كثيرة والزواج المبكر ومن داخل العائلة (ابن العم وابنة العم) وكذلك تعدد الزوجات التي تفرضها وحدة العمل في الأرض. وهكذا بقيت العائلة العربية الممتدة حتى وقت قصير تشكل وحدة اجتماعية إنتاجية بفعل استمرار الظروف والشروط البنيوية لتطورها حتى نهاية القرن التاسع عشر.

ويلاحظ المرء بقاء مظاهر سلوكية ماتزال تفعل فعلها في إعادة إنتاج العلاقات القرابية، التي تظهر في الميل إلى التقارب السكني في منطقة واحدة أو مدينة واحدة وتوثيق علاقات القرابة بحضور المناسبات العائلية المختلفة وبخاصة في مناسبات الزواج والأعياد والوفيات وغيرها. ومازال الزواج الداخلي يشكل النموذج المفضل لدى كثير من العوائل العربية الممتدة. كما يمتد النظام الأبوي ـ البطريركي العربي إلى تشكيلات السلطة التي مازالت تعتمد على النفوذ العائلي، ومازالت التكتلات العائلية والعشائرية والطائفية تلعب دورا مهما وبارزا في كثير من القرى والأرياف وحتى في كثير من المدن العربية.

وليس من النادر أن نجد أفراد قبيلة واحدة أو طائفة واحدة أو مدينة واحدة أو منطقة واحدة يسيطرون على السلطة والدولة والنفوذ ويتحكمون في رقاب الناس. وهذا دليل على أن السلطة الأبوية ترتكز على العائلة الممتدة، التي هي النمط القرابي السائد، الذي يمتد إلى النظام السياسي الحديث و يستمد شرعيته من كونه نظاما قرابيا أبويا يطرح الحاكم نفسه فيه على أنه «الأب القائد» وأن جميع أفراد الشعب هم أبناؤه، وعليهم جميعا واجب تقديم الولاء والطاعة والخضوع له دوما، وفي ذات الوقت ينتظر «الأب القائد» من أبنائه الولاء المطلق له.


ثنائية التسلط والخضوع

 

إن هذه العلاقة التي تتحكم بين الرئيس والمرؤوس، في العائلة والقبيلة والطائفة والدولة، هي شكل من السيطرة الأبوية الهرمية التي تقرر ثنائية من التسلط والخضوع بين الحاكم والمحكوم التي تولد صراعا اجتماعيا وتناشزا نفسيا من شأنه تضخيم الذكورة وتبخيس الأنوثة وجعل الولد الأكبر (البكر) رجلا متسلطا.

وتنتقل هذه العلاقة التسلطية من البيت إلى المدرسة والوظيفة والمصنع والمؤسسات الأمنية والعسكرية وحتى أعلى قمة في هرم السلطة. كما تقوي التنظيم البيروقراطي، الذي يقوم على القمع والطاعة والخضوع ويحول الأفراد إلى مجرد آلات بحيث تمسخ شخصياتهم وتغتصب حقوقهم وتمتلخ إنسانيتهم. وبهذا المعنى فالاستبداد لا يعني بلوغ الرشد، وإنما اللارشد، الذي لا يحرر الإنسان، وإنما يقيده بسلاسل من الجهل والخوف والخنوع، بحيث يفقد المرء الثقة والاحترام المتبادل مع الآخر ويتحول إلى المجتمع والثقافة. وهكذا يكشف النظام الأبوي وجهه الاستبدادي القمعي وترسيخه لقوة الموروث التقليدي. في مثل هذه المجتمعات الأبوية التقليدية تصبح الثقافة هجينة بل ومهجنة وتستخدم كأداة خطاب للسيطرة والخضوع، بدلا من التواصل والتفاهم والحوار العقلاني الرشيد.

العدد 2730 - الخميس 25 فبراير 2010م الموافق 11 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 5:14 ص

      مختـــــــــــــــبر ... الاســــــــتبداد

      التجارب المعتادة للرئيس لمسخ الشخوص ، تبدأ بوضع المرؤوس في أنبوب اختبار ، وبين الفينة والأخرى تتم إضافة قطرات متسلسلة من السيطرة والاستبداد والقمع والخنوع والخضوع ،ونضع في الاعتبار بأن الإضافات السابقة تتم بصمت والأنبوب على نار موقد الخوف وسلب الحقوق مع اختزال التواصل والتفاهم والحوار العقلاني الرشيد ، فالنتيجة – حتماً – إنملاخ وإنسلاخ الإنسانية من الشخوص . كل الشكر للباحث وللوسط ... نهوض

اقرأ ايضاً