العدد 2731 - الجمعة 26 فبراير 2010م الموافق 12 ربيع الاول 1431هـ

المسرح... ماضٍ عريق تغيبه «تجارية» وسائل الإعلام

لطالما حمل لقب «أبي الفنون»، وعلى مر القرون كان الأنموذج الذي يختبر من خلاله حس الفنان العالي واتقانه لصنعته، وهو مدعاة للتفاخر عند بعض الحضارات لإجادتهم واهتمامهم به. إنه المسرح... إحدى أولى خطوات البشرية لتجسيد الحقيقة الممتزجة بالخيال، ولنقل ما لا يرى، إلى واقع يشد متابعيه من مختلف الفئات والأنماط.

طوال عقود من الزمن، كان المسرح - أقدم فنون البشرية وأكثرها رقيا - من أكثر الصناعات انتعاشا وتأثيرا وتغيرا، ومقدرة على إضافة فكر متعمق وناضج تجاه الكثير من القضايا، إلا أن هذه العبارات التي كانت تلازم الحديث عن المسرح قديما بمختلف أشكاله (الكوميدي والغنائي وحتى التجريبي والحديث)، باتت تفقد قيمتها أمام عبارة واحدة، تتكرر مرارا وتكرارا عند طرح حوار عن أي نوع من أنواع المسرح، ألا وهي «أزمة المسرح»، وخصوصا العربي منه.

فالجميع يتحدث عن أزمة الفنون التمثيلية، سواء أكانت في النص الدرامي أو السينمائي أو المسرحي، إلا أن ما يوصف به وضع المسرح هو الأكثر مأسوية بالنسبة إلى النقاد والمتابعين لهذا الفن، لما بات يعانيه من تهميش وإهمال من مختلف الأطراف، أمام «تجارية» وربحية أعمال قابلة للعرض على وسائل الإعلام المختلفة، مما جعله يختفي في كثير من الأحيان من حياة الكثير من الجماهير المتابعة له، لحساب الترفيه التكنولوجي الأكثر تطورا، وسهل الوصول. وعلى رغم أن المسرح على مر السنين كان بطريقة ما يستهدف ويستقطب نخبا معينه تبحث عن الإبداع بمختلف أشكاله، فإنه اليوم لا يتجاوز في مخيلة الكثير من العامة، كونه خشبة يخرج إليها مجموعة من الممثلين والمؤدين، بعضهم مشاهير ومعروفون ومحبوبون، وآخرون مغمورون، ليقدم عرضا مضحكا تهريجيا ساخرا بطريقة مبتذلة أحيانا، وسطحية غالبا، وذلك لعدة ساعات. تترافق مع هذا الحركات الموسيقية وبعض الأضواء، ترفه عن الحضور بطريقة أو بأخرى، وقد يتوافر لهذه العروض عدد لا بأس فيه من الجمهور، الباحث عن الترفيه وتضييع الوقت بالدرجة الأولى، الذي يحدد سعر التذكرة وقرب المكان ومقدرته على اصطحاب ابنه معه، مدى رغبته في حضور العرض ومتابعته حتى النهاية.

وعلى رغم أن الإهمال من مختلف الجهات أنهك هذا النوع من الفنون، وجعله في كثير من الدول العربية يصارع للبقاء، ولا يعرف راحة ودعما يفرغه للإبداع، ويبعده عن الانشغال بتفاصيل هدفها الرئيسي تغير الأنموذج الأصلي الخلاق للمسرح، ليتواكب مع الأنموذج الإعلامي الإعلاني الربحي، الذي لا يبحث عن شيء سوى تراكم الأموال في خزانته حتى لو كان ذلك على حساب رقي جزء من حضارته.

وإن كان النص المسرح في أزمة، لقلته وتعقيده وتجريبه في بعض الأحيان، الذي يجعله يبتعد عن جمهوره ومتتبعيه من دون سبب حقيقي مقنع، فإن عوامل أخرى تتكاتف مع مصاعب النص لتزيد الأحمال والأعباء على هذا الفن، منها قلة اهتمام الإعلام الرسمي به، وابتعاد القطاع الخاص عن الاستثمار أو ضخ الأموال لإنتاج الأعمال الفنية فيه، وتوجه غالبية الفنانين إلى الأعمال الدرامية والسينمائية الأكثر ربحية، وانتشارا وقربا من مشاهد هذه الأيام، وقلة وقت التدريب عندهم لكثرة مشاغلهم، وخصوصا أن هذا النوع من الفنون أحد أهم مفاتيح النجاح فيه التدريب المتمكن والمواظب.

وإن كانت كل هذه الانتقادات تكال لوضع المسرح العربي في الوقت الحاضر، فإن الأضواء التي توجه صوبه في المهرجانات الثقافية والمتخصصة بالمسرح، أو التي ترعى مختلف الأنشطة الفنية والفكرية والثقافية، قد تكون خطة لشد أضواء وسائل الإعلام التي تستطيع ببعض الاهتمام بهذا الفن، أن تقدم له الكثير من العون ليعيد أمجاده الغابرة.

العدد 2731 - الجمعة 26 فبراير 2010م الموافق 12 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً