العدد 542 - الأحد 29 فبراير 2004م الموافق 08 محرم 1425هـ

قائمة مطالب وعريضة اتهام عن الحريات

عن مشروعات التنمية والإصلاح

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

في سابقة سياسية ودبلوماسية نادرة، تعمد الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، أن يواجه ضيفه العربي الكبير بعريضة اتهام ويقدم له قائمة مطالب، عن الحريات العامة وحقوق الإنسان في بلد هذا الضيف.

وبالقدر نفسه من جرأة المكاشفة، تعمد المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض، أن يكشف للصحافيين فور الانتهاء من المباحثات الرسمية، ما دار بين الرئيس الأميركي وضيفه العربي الأسبوع الماضي، قائلا إن الرئيس طالب ضيفه بأن تحترم بلاده حقوق الإنسان وأن تطلق الحريات السياسية، وأن تعطي أهمية خاصة لحرية الصحافة والرأي والتعبير.

وطبعا نستنتج أن قائمة المطالب هذه جاءت ردا على عريضة اتهام، تشمل التضييق على الحريات العامة والتشدد في حرية الصحافة وانتهاك حقوق الإنسان، وهي اتهامات لا تخص البلد العربي المعني وحده، لكنها تخص جميع البلاد العربية - في المفهوم الأميركي - ومن ثم نستنتج مرة أخرى، أن قائمة المطالب مقدمة بالضرورة إلى كل الدول العربية، وهو أمر شاع وذاع، ولم يعد المسئولون الأميركيون، ولا الصحافة الأميركية، تخفيه، بل هي تجاهر به وتصارح من دون مواربة أو حتى دبلوماسية...

وأصبحت عريضة الاتهام وقائمة المطالب الأميركية، صكا مصكوكا، يعرف القاصي والداني أن الأميركيين وخصوصا إدارة الرئيس بوش ومطبخه السياسي المكون من «المحافظين الجدد اليمينيين»، يضغطون بها ليل نهار على العرب العاربة والمستعربة، ليس حبا في تخليص الشعوب العربية من القهر والاستبداد والفساد، ولكن تحقيقا لمصالح أميركية عليا في الأصل والأساس، بعدما عجزنا نحن عن إزالة القيود المشددة وهدم السدود المشيدة من حول الحريات والإصلاح الديمقراطي، الذي هو مطلب وطني وقومي.

ونحسب أن شهرا يفصلنا عن موعد انعقاد القمة العربية الدورية في تونس آخر مارس/ آذار، سيشهد تصعيدا أميركيا في هذا الخصوص، تتكاثر فيه الحملات الصحافية والإعلامية، وتزداد الرسائل والزوار، وتتصاعد النصائح - التهديدات، من واشنطن صوب العواصم العربية، لكي تضع القمة العربية أمام مسئولية إجراء إصلاحات ديمقراطية، تحقق المطالب الأميركية، طالما عجزت شعوبنا - على رغم كل كفاحها وتضحياتها - عن تحقيقها بالطرق السلمية والشرعية...

ولا شك أن المتابع للشأن العربي، يلحظ خطوات متسارعة، بعضها علني وبعضها الآخر سري، لتحسين الصورة وتلوين الوجه أملا في أن تحظى بالرضا السامي، ابتداء من تعديل مناهج التعليم، وصولا إلى طرح «أفكار ما» بشأن ضرورات الإصلاح في النظم الحكومية، وهي خطى نرحب بها على أية حال، لكننا نقول إنها ليست كافية ولا شافية، لا من وجهة نظر الشعوب المحكومة، ولا من وجهة نظر الحكومة الأميركية، وكلاهما يريد إصلاحات أكبر وأعمق، وإن اختلفت الأسباب والمصالح والأهداف والأساليب!

ومن الجزائر غربا إلى البحرين شرقا، تشعر بارتعاشة ديمقراطية، فثمة نشاطات وتحركات، مؤتمرات وانتخابات، دعوات ومطالبات، تركز على حتمية إطلاق إصلاح ديمقراطي شامل، بيدنا لا بأيدي غيرنا، يستجيب لمطالب واحتياجات شعوب طال حرمانها من الحريات، مثلما طال شوقها للتحرر، تواكب ذلك موجة لا بأس بها من حرية الصحافة والرأي والتعبير...

في هذا الإطار واليوم تحديدا، يختتم المؤتمر العام الرابع للصحافيين المصريين أعماله، بعد ثلاثة أيام من الحوار الجدي الحر المعمق، وقد لاحظنا أن مناقشاته - على سبيل المثال - ميزتها ظاهرتان يجدر رصدهما بدقة، الظاهرة الأولى التفريق الواضح والحاسم بين المطالب الشعبية الممتدة بإطلاق حرية الرأي والتعبير، كحق أساسي من حقوق الإنسان، وكحاجة ملحة لتحرير المواطن من قيوده بإرادته الحرة، وبين الضغوط الأميركية على الحكومات المعنية بإطلاق الحريات، وبإجراء إصلاحات سياسية تتوافق مع الأفكار والسياسات الأميركية، وهي سياسات تعرضت وتتعرض لنقد شديد وهجوم حاد.

أما الظاهرة الثانية فهي درجة الوعي السياسي التي سادت المؤتمر ومناقشاته، فوضعت مطالب تحرير الصحافة والرأي في إطارها الأشمل، وهو تحرير المواطن - كل المواطنين - من القيود والسدود التي عرقلت التطور الديمقراطي الواسع، ومن ثم جاءت المطالبة بحرية الصحافة كأساس للإصلاح الديمقراطي، باعتبارها جزءا من الحريات العامة التي يجب أن تكفل للجميع من دون تفرقة أو تمييز...

والمؤكد أن تلازم الظاهرتين بوضوح ووعي، ساهم ويساهم في تخصيب المجرى العام للحركة الشعبية الوطنية المطالبة بالديمقراطية، وهي حركة تستند تاريخيا إلى كفاح طويل يمتد إلى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، حين كانت أميركا منطوية على ذاتها منكفئة على همومها مبتعدة عن هداية أمثالنا لقيم الديمقراطية ومحاسن الحرية، لكن لا بأس أن تتذكر ذلك الآن وتتذكرنا، فإن تذكرتنا بالخير فخيرا، وإن لم تفعل فلا جديد تحت الشمس - بحكم التجربة - وبالتالي فعلينا أن نتذكر نحن حالنا ومآلنا، وأن نتقدم بقائمة مطالب نراها ضرورية لإطلاق حرية الصحافة كأساس للإصلاح الديمقراطي، في ضوء عريضة الاتهام التي نعرف تفاصيلها.

لا يمكننا الحديث عن حرية الصحافة من دون الحديث عن الإصلاح الديمقراطي الشامل في المجتمع كله، على رغم كل محاولات الفصل التعسفي بينهما، فلا حرية للصحافة والرأي في غياب بيئة مجتمعية تقوم على ثقافة الحرية وتتمتع بالديمقراطية وتمارس آلياتها المختلفة، تعترف بأن حرية الرأي للجميع - وليس للصحافيين والكتاب وحدهم - جزء رئيسي من الحريات العامة، وآلية من آليات الممارسة الديمقراطية.

وبالمقابل لا مكان للإصلاح السياسي الجوهري، من دون ضمان حرية الصحافة والرأي والتعبير، جنبا إلى جنب مع باقي الحريات، وخصوصا حقوق وحريات المشاركة في صنع القرارات، وحرية التصويت والترشيح لكل المناصب في نزاهة ونظافة، وحرية تداول السلطة على كل المستويات، فضلا عن حرية انسياب المعلومات الصحيحة وتداولها وتلاقح الأفكار وقبول الآراء المخالفة، قبل الترحيب بالآراء المؤيدة والمنافقة!

والواضح أننا في مرحلة مفصلية تاريخية بكل المقاييس، مرحلة تتعرض فيها النظم الحاكمة إلى ضغوط مزدوجة، من الداخل ومن الخارج، لإجراء إصلاحات تجري في هذا الطريق من دون مداورة أو التواء، وبقدر نفورنا من الضغوط الخارجية ذات المطامع والمطامح، بقدر مراهنتا على نجاح الضغوط الداخلية ذات المطالب الوطنية الأصيلة والطويلة، في قيام ما أصبح يعرف عالميا بالحكم الصالح الرشيد، وفق أسس سياسية وقانونية ودستورية، تحقق دولة القانون والمؤسسات، لا دولة الأفراد ومراكز القوى وجماعات المصالح الضيقة والاحتكارية.

ومن علامات هذه المرحلة التاريخية، إن العالم يغلي باندفاعة هائلة نحو تحرير الإنسان من قيود القهر والكبت والاستبداد، وخصوصا في المجال السياسي بنظمه الحاكمة المتحكمة، على رغم التباطؤ الواضح حتى الآن في المجال الاقتصادي والاجتماعي، بنظمه الفاسدة والاحتكارية، التي سببت مزيدا من الفقر والعوز ومن ثم الإحباط والتطرف.

وإذا كان الأمر كذلك، فإن دولنا وحكوماتنا لن تقدر بعد اليوم، على ممارسة الانعزال عن حركة العالم المتدافعة، تحت وهم الاحتماء بالقيود المشددة والسدود المشيدة التي سقطت بفضل ثورة الإعلام والمعلومات والحرية وتكنولوجيا الاتصال، ومن ثم فهي لن تستطيع الاستمرار في ممارسة سياسات المعاندة والمكابرة والتمسك بسلطات مطلقة وسياسات منفردة، واحتكار للسلطة والثروة والحكمة، على احتقار للشعوب وازدراء مطالبها الوطنية والقومية في المشاركة الديمقراطية السليمة!

وقد فعل المؤتمر العام للصحافيين المصريين خيرا، وقدم نموذجا يقتدى به، حين طرح قضية حرية الصحافة كأساس للإصلاح الديمقراطي، في إطارها الأشمل والأعمق، لا ليحفز الصحافيين والمهتمين بالصحافة وحرية الكتابة والتعبير، ولكن ليحفز المجتمع بأسره ويشجعه على التمسك بمطالبه والدفاع عن حقوقه الديمقراطية وحرياته العامة، ليس استغلالا «انتهازيا» لضعف الحكومات أمام الضغوط الأميركية وابتزازاتها السياسية الراهنة، ولكن تأكيدا على حق الشعوب في انتزاع حرياتها الديمقراطية، عبر مسيرة كفاح شعبي قوي، تقوده منظمات المجتمع المدني الحقيقية.

وعلى رغم اعترافنا - مرة عاشرة - بهامش حرية الصحافة والرأي السائد الآن، فإن الرضا بالهامش والاكتفاء به، يمثل عجزا حقيقيا عن التقدم والاستمرار، مثلما يمثل قيدا على الانطلاق نحو العمق والسباحة في مجرى النهر المتدفق - عالميا - بتيارات التقدم والحرية، والأصل أن نواصل السباحة بحيوية ورشاقة، لنحوّل الهامش المحدود إلى قواعد راسخة في دولة القانون والمؤسسات، وأن نبني نموذج الحكم الصالح الرشيد بمعاييره الدولية والوطنية المتعارف عليها، وبه نحقق هدفين مهمين، الهدف الأول الانخراط في مسيرة الإصلاح والتطور الديمقراطي الحقيقي، تلبية لحاجة وطنية ودفعا لإعادة تأسيس الدولة الحديثة، والهدف الثاني، قدرة هذه الدولة الديمقراطية الوطنية الحديثة، على مواجهة الابتزاز الخارجي والضغط الأجنبي ذي السياسات الأخرى، التي تعيد نسج شبكات الهيمنة الاستعمارية من جديد، كما يلاحظها القاصي والداني...

وإذا كانت أميركا قد أعطت لنفسها الحق في التدخل السافر في الشئون الداخلية للدول الأخرى، وممارسة أقسى الضغوط السياسية والاقتصادية والإعلامية عليها، وإملاء شروط التغيير التي تريدها وتراها هي محققة لمصالحها العليا وجلية لاستراتيجيتها الكونية التوسعية، بما في ذلك تحديد نوعية برامج التعليم وسياسة الثقافة والصحافة والإعلام، ثم المجاهرة بكل ذلك تحت حجة نشر الديمقراطية، وإصلاح العقول وتغيير الأفكار ومحاربة التطرف والتعصب والتخلف في بلادنا، وفقا لعرائض الاتهام وقوائم المطالب المعلنة.

من حقنا نحن أصحاب الشأن أن نأخذ الأمر بيدنا، قبل أن تأخذه أميركا، فنضع قائمة مطالبنا وندافع عن شرعيتها ونعمل على تنفيذها بكل الأساليب القانونية والشرعية، ونقدم التضحيات من أجلها، فمن يبغي تذوق التمر عليه أن يتسلق النخلة، أما الذين يروّجون الأمر بحماسة مزيفة، لاستيراد «التمور الديمقراطية» من أميركا جاهزة معلبة، فهم يزرعون في الهواء ويحرثون في البحر ثم ينامون في العراء...

فمن منكم، حكاما ومحكومين، يريد ذلك!

خير الكلام:

يقول إبراهيم ناجي:

تُقاسُمني في هواك الديارُ

وأنتَ ليَ الوطنُ الواحدُ

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 542 - الأحد 29 فبراير 2004م الموافق 08 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً