العدد 542 - الأحد 29 فبراير 2004م الموافق 08 محرم 1425هـ

سورية: عودة إلى ظاهرة الخوف

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

تقول السيدة خديجة وهي في الخامسة والسبعين من العمر: «أنا خائفة».

وتضيف: «ربما كانت المرة الاولى من سنوات طويلة، يجتاحني الخوف على ولدي. وولدي هذا ليس طفلا، انه في الرابعة والخمسين من العمر، متزوج وله أولاد وأحفاد، انه جد، وخوفي عليه، يعود الى تجربة مرة، حدثت قبل نحو ربع قرن، عندما اختفى فجأة، تاركا خلفه زوجة واطفالا صغارا، وبعد وقت اكتشفنا بمرارة، انه كان معتقلا في احد اقبية الأمن في قضية سياسية.

مرت سنوات طويلة على الحادث الذي اتذكره بخوف بين حين وآخر، كلما أحسست ان هناك من يسأل عن ولدي من عناصر الأمن، ولا تهدأ روحي الا بعد وقت، وبعد تأكيدات الذين حولي، ان الامر عادي، وهو لا يتعدى «تجديد المعلومات» كما يؤكد ولدي.

وكلما رأيت ولدي هذه الأيام، اخاف انها قد تكون الأخيرة، فقد تزايدت زيارات عناصر الأمن للسؤال عنه، سألوا الاولاد والكبار من سكان البيت والجيران والعابرين، اسئلة بلا معنى عن ولدي وعن عائلته وتفاصيل غير ذات أهمية، وكأن القصد اخافتنا، وقد فكرت مرات كثيرة، ان اقول لهم شيئا قبل طردهم، لكن وضعي الصحي لا يساعدني، وكثيرا ما يكونوا غادروا قبل ان اعرف بوجودهم».

كاتب سوري معروف اسمه منذر لطفي، كتب مقالا نشره موقع «مواطن» الالكتروني الذي تديره لجان احياء المجتمع المدني بعنوان «خبر عاجل... شعبان عبود: أنا خائف» عالج فيها جوانب من تداعيات استدعاء كاتب صحافي الى احد فروع الأمن بسبب مقال له نشره في صحيفة عربية، عرض في خلالها بعضا من هواجس ومواقف الشارع السوري عن قضايا داخلية وخارجية.

والحق فإن استدعاء كتاب وصحافيين ونشطاء في العمل السوري العام من جانب الأجهزة الامنية، تزايد في الآونة الأخيرة، وكان بين المستدعين رئيس لجان حقوق الانسان ورئيس جمعية حقوق الانسان الى جانب ثلاثة من الصحافيين والكتاب، واضيف الى الاستدعاءات تكثيف فروع المخابرات جهودها في جمع معلومات وتجديد دراسات امنية بحق كثير من نشطاء العمل العام من العاملين في حقلي العمل المدني والعمل السياسي، وتجاوز الامر عمليات الاستدعاء والمتابعة الى اصدار قرارات منع مغادرة لكثير من النشطاء والمواطنين السوريين، وقد احصت جمعية حقوق الانسان في سورية أخيرا أكثر من مئة وخمسين اسما من هؤلاء، قالت، ان الفروع الأمنية منعتهم من السفر خارج البلاد.

ولاحظ تصريح اصدرته لجان احياء المجتمع المدني قبل ايام هذه التطورات الامنية، ووصفت ما يجري، بأنه «يهدف إلى المزيد من التضييق على حرية الرأي والتعبير ومزيد من تقييد الحريات الأساسية الأخرى التي يكفلها دستور البلاد، وإفساد أجواء الانفراج النسبي والحوار وإشاعة أجواء من الخوف والحذر بدلا منها». واذا اضفنا محتوى تصريح اللجان إلى ما سبق، فإن التطورات الأمنية، تعكس خوفا، يتجاوز الافراد الى الهيئات، ما يعطيه بعدا اجتماعيا.

لقد كان الخوف بمعناه الفردي او الاجتماعي امرا عاديا بالنسبة إلى السوريين الذين خبروا حالات الخوف الشديد على مدار عقود من حياتهم، لكن الاحساس السوري بالخوف، تراخى في السنوات الاخيرة نتيجة عوامل وظروف متعددة ومعقدة لعل الابرز فيها توافق سوري ضمني بين السلطة ومواطنيها على تخفيف الاحتقانات وعوامل الشد السياسي والاجتماعي، وان كان ذلك لم يمنع السلطات واجهزتها الأمنية من شن حملات تخويف فردي واجتماعي، كما حدث في اغلاق المنتديات والحملات على لجان احياء المجتمع المدني، واعتقال الناشطين العشرة، ثم في محاكمة النشطاء الاربعة عشر، ومحاكمات نشطاء درايا.

لقد احيت تلك الاجراءات احاسيس الخوف عند السوريين، لكنها لم تعدها لتصبح ظاهرة عامة في الحياة السورية، والسبب كما يبدو يكمن في رغبة الاكثرية تجاوز حال الخوف، والتأسيس لحال أكثر انفتاحا في الحياة العامة، وخصوصا ان هناك ايمانا سوريا، بأن الأمور لن تتغيير دفعة واحدة وبالسرعة المطلوبة، لكن تكثيف الإجراءات الامنية في صورتها الأخيرة، يدفع نحو عودة ظاهرة الخوف الى الحياة السورية، والسؤال: هل فعلا ان السلطة راغبة بالعودة الى ظاهرة الخوف، لتكون بديلا عن سيادة القانون ومحاسبة المخطئين عبر السلطة القضائية؟

العدد 542 - الأحد 29 فبراير 2004م الموافق 08 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً