العدد 550 - الإثنين 08 مارس 2004م الموافق 16 محرم 1425هـ

المواطنة المؤجلة في دولة «قانون الطوارئ»

41 عاما ولايزال ساري المفعول

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

تداعى السوريون داخل سورية وخارجها لوقفة اعتراض خاصة في 8 مارس/ آذار ضد قانون الطوارئ الذي يحكم حياتهم وبلادهم بصفة مستمرة منذ العام 1963. وجوهر وقفتهم - من دون الدخول في تعبيراتها واشكالها - المطالبة بوقف العمل بقانون الطوارئ في مناسبة يوم 8 مارس الجاري، وهو اليوم الذي بدأ فيه العمل بقانون الطوارئ العام 1963، ولايزال.

ونزوع السوريين ومطالبتهم بوقف العمل بقانون الطوارئ، هو مطلب متجدد منذ أكثر من 40 عاما، غير ان اصوات السوريين ومؤسساتهم الاهلية والمدنية والحقوقية من أجل هذا المطلب، تصاعدت في السنوات الاخيرة بعد تولي الرئيس بشار الاسد زمام السلطة في العام 2000 في اطار المطالبة العامة بالاصلاح العام في البلاد، ليس من اجل تصفية ما ترتب على سياسات المرحلة السابقة من نتائج سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، بل بسبب التحديات التي يواجهها السوريون وبلدهم في ظل التطورات الاقليمية والدولية المتسارعة، وكلاهما امر لم يعد بالامكان التعاطي معه من دون احداث تبدلات جوهرية في حياة السوريين وتجديد علاقات المجتمع والدولة.

وعلاقة السوريين مع قانون الطوارئ، تعود الى الفترة التالية لاستقلال سورية، واقترنت ببدء الحرب في فلسطين منتصف مايو/ أيار من العام 1948، إذ لجأت الحكومة السورية الى اقرار القانون رقم 400 بشأن اعلان الاحكام العرفية في الاراضي السورية، وحددت فترة ستة اشهر للعمل به لمواجهة ظروف الحرب وتداعياتها، وخول القانون السلطات المختصة «فرض التدابير والإجراءات التي تقتضيها حال الحرب، كالمراقبة ومنع التنقل والإخلاء والاستيلاء وتنظيم الإعاشة والدفاع السلبي، ورصد القانون لمخالفاتها مؤيدات جزائية خاصة، وسمح بتأليف محاكم عسكرية خاصة لها»، وصدرت بالاستناد الى القانون قرارات تنفيذية، جرى تنظيمها في اطار المرسوم التشريعي 150 للعام 1949 لـ «تنظيم الإدارة العرفية».

وكما هو واضح، فان تلك الاجراءات هدفت الى مواجهة ظروف الحرب، غير انه ومع قيام الوحدة السورية المصرية، جرى تعميق تلك الاجراءات لتحويلها الى حال طوارئ، بموجب القانون رقم 162 للعام 1958 وقد ألغي في العام 1962، ليحل محله المرسوم التشريعي رقم 51 متخذا اسم «قانون حالة الطوارئ»، ملقيا بظلاله على كل مناحي الحياة السورية من خلال قرارات وقوانين، قيدت حياة المواطنين وعطلت القوانين العادية، واعطت السلطات التنفيذية صلاحيات استثنائية، كان بين ملامحها الاساسية، اطلاق يد رئيس الجمهورية بصورة مطلقة في إعلان حال الطوارئ وإنهائها، وجعل الحالات التي يجوز إعلانها فيها حالات عائمة وغير محددة بصورة تقطع الشك باليقين، وإنشاء محكمة أمن الدولة.

غير أن التطور الأهم في موضوع قانون الطوارئ جاء في 8 مارس 1963، عندما أعلنت حال الطوارئ مع تسلم الجيش مقاليد السلطة، ومازال معمولا به حتى اللحظة بعد ان احتفظ الدستور السوري الدائم الصادر العام 1973 بصلاحية استمرار العمل بـ«قانون الطوارئ» مع جملة قوانين وأنظمة اخرى.

والعمل بقانون الطوارئ طوال أكثر من 40 عاما متواصلة، ترك طيفا واسعا لتأثيرات سلبية في حياة السوريين اليومية، تجاوزت انتهاك حقوقهم، ومنها الحق في الحريات الاساسية، والحق في المحاكمات العادلة امام القضاء العادي، وحق الدفاع عن النفس امام المحاكم، والحق القانوني في الدفاع عن الملكية والحفاظ عليها، والحق في تنفيذ الاحكام القضائية وغيرها.

وقد تجاوزت التأثيرات السلبية للعمل بـ «قانون الطوارئ» التعدي على حقوق المواطنين الافراد الى التعدي على حقوق الهيئات والجماعات، فقد منعت السلطات القضائية من ممارسة صلاحياتها، وحدت من تلك الصلاحيات، عبر أمرين، اولهما تكريس سيطرة السلطة التنفيذية عليها، واعطاء بعض صلاحياتها الى سلطات استثنائية مثل محاكم امن الدولة والمحاكم الميدانية ومحاكم الامن الاقتصادي، كما اثر العمل بـ «قانون الطوارئ» سلبا على المحامين، وانتهك الكثير من حقوقهم، التي تكفلها المهنة، مثل الحق في اختيار القضايا التي يترافعون فيها وتنفيذ الاحكام القضائية وغير ذلك.

وتعدى الاثر السلبي للعمل بـ«قانون الطوارئ» ما سبق وصولا الى تأثيره على القوانين العامة في سورية، ولاسيما الدستور السوري لجهة تعطيل بعض محتوياته لصالح «قانون الطوارئ»، إذ ظهرت تعارضات بين الاثنين، ومنعت التقيد بمضمون بعض الاتفاقات الدولية التي التزمت بها سورية ومنها اتفاق الحقوق المدنية والسياسية الذي وقعته.

وفي المحصلة العامة، ادى الاستمرار الطويل للعمل بـ «قانون الطوارئ» الى اعادة صوغ الحياة السورية في مستوياتها كافة سواء على مستوى الافراد، او على صعيد الهيئات والجماعات والقوانين، فأورث خللا واضحا، انعكس بصورة سلبية في العلاقات داخل المجتمع، وبين الدولة والمجتمع وفي موقع السلطات والعلاقة فيما بينها، كانت خلاصتها العامة تعطيل المواطنة وشل قدرة المجتمع، وتخريب العلاقة بين الهيئات، وتغول دولة مواطنية أهلها مؤجلة الى حين انتهاء العمل بـ«قانون الطوارئ»

العدد 550 - الإثنين 08 مارس 2004م الموافق 16 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً