العدد 556 - الأحد 14 مارس 2004م الموافق 22 محرم 1425هـ

عن الإصلاح وضرورته (2)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بمشاركة 170 شخصية عربية ومصرية عُقد مؤتمر «قضايا الإصلاح العربي» في مكتبة الاسكندرية. وبدأ المؤتمر بتكرار سلسلة مخاوف: مخاوف من الإصلاحات من الخارج، ومخاوف من الإصلاحات الهابطة من فوق على المنطقة، ومخاوف من تسريع وتيرة التغييرات الداخلية، ومخاوف من تولي قوى التطرف والتزمت زمام التحول الإصلاحي.

إلى المخاوف شهد المؤتمر سلسلة حركات لا تتوافق مع مقاصد الإصلاح. فالهيئة التي نظمت المؤتمر تعمدت استبعاد الإسلاميين من المناقشات، كذلك استبعدتهم من حق الاعتراض والمعارضة والمشاركة. هذا على جبهة الإسلاميين، بينما على جبهة المشاركين فالأمر أسوأ، إذ أعربت الكثير من الوجوه والرموز عن خوفها من الظهور العلني في المؤتمر، فطلبت عقد جلسات سرية ومغلقة كشرط لقول الحقيقة وخوفا من محاسبتها قانونيا حين تعود إلى بلادها.

مؤتمر الإصلاح في المنطقة العربية بدأ في الاسكندرية على مجموعة مخاوف وتخويف واستبعاد وتهميش وسلسلة استثناءات وإقصاءات لا تنتهي. فالأنظمة خائفة من الإصلاح من الخارج وتخاف من الإصلاح الداخلي الذي تبادر إليه أو تقوده مجموعات سياسية.

مؤتمر الإصلاح تحوّل في الاسكندرية إلى مؤتمر مخاوف وتخويف. فالأنظمة خائفة من شعوبها، والشعوب خائفة من أنظمتها... وهكذا. فالكل يخاف من الكل. الدولة تخاف من المجتمع والمجتمع يخاف من الدولة. والسؤال كيف يستقيم الإصلاح وسط هذا الكم من المخاوف والاستثناءات والاستبعادات؟ وكيف يمكن أن تقوم الديمقراطية إذا كان كل نظام يريدها على قياس حكومته؟ وكيف يمكن تصور نهوض أمة إسلامية من دون إسلاميين؟ وفي كلام آخر كيف يمكن نهوض أمة عربية يشكل الإسلام دين 90 في المئة من سكانها من دون مشاركة الإسلاميين في حوار (مجرد حوار) في منتدى يُراد منه الرد على مبادرات أجنبية ومشروعات سياسية مشبوهة؟

ما المقصود من إقصاء الإسلاميين (أو إسلاميين) من المشاركة في نقاش نظري يتعلق بمستقبل أمة مسلمة في غالبيتها السكانية وفي تاريخها وحضارتها وثقافتها وقوانينها الشخصية ودساتيرها؟ ما الهدف من توجيه مثل هذه الرسالة؟ هل هي رسالة تطمين للولايات المتحدة التي تُصاب بالرعب السياسي والهلع الأمني من لفظة إسلام وإسلاميين؟ وهل المقصود من إعلان براءة الذمة من الإسلاميين هو كسب ثقة واشنطن وأخذ تأييدها لفكرة الأنظمة عن «الإصلاح من الداخل»؟ وما معنى الإصلاح من الداخل إذا بدأ خطوته النظرية الأولى بإقصاء كتلة بشرية (سياسية) من معادلة الإصلاح ومشروع التغيير؟

سؤال آخر: هل المقصود من فكرة الاستبعاد إرضاء أنظمة عربية وعدم تخويفها من مشروع الإصلاح، أم المقصود هو إزالة المخاوف من مجموعات سياسية «حداثية» لا تريد مشاركة الإسلاميين في مشروع تعتقد أنه حكر لها أو أن واشنطن اخترعته ليناسب حجمها ومقاساتها؟

طبعا، من الصعب الجزم في أجوبة عن هذه الأسئلة. فالمسألة غامضة ويمكن تفسيرها على المقالب الثلاثة: إنها تطمين لواشنطن، وعدم تخويف بعض الأنظمة، وجائزة ترضية للتيار «العلماني» المضطرب في عقله وسلوكه. ولكن المشكلة أن الإصلاح لا يمكن أن يمرّ أو يتمّ مع هذا الكم من المخاوف والتخويف والاستثناءات والإقصاءات. فالدول الخائفة لا تصنع سياسة وغير قادرة على اجتياز الحاضر للدخول في المستقبل. وهذه مشكلة حكومات وليست مشكلة شعوب. فالحكومة المصرية مثلا رفضت مشروع الإصلاح من الخارج، وهذا هو الموقف الوطني السليم... ولكنها الآن رفضت حتى الاستماع (مجرد القراءة) إلى مشروع مبادرة الإصلاح الذي تقدمت به حركة الإخوان المسلمين قبل انعقاد منتدى الاسكندرية، وهذا عين الخطأ. فالدولة التي لا تستمع إلى رأي المعارضة يصعب عليها احتواء المشكلات الموجودة والعمل سوية مع مجتمعها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

المنطقة العربية بحاجة فعلا إلى إصلاح وأساسه يبدأ برفض الإصلاحات من الخارج، والقبول بسياسة «حسن الاستماع» إلى الداخل... وعقد المصالحة التاريخية المطلوبة بين الدولة والمجتمع

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 556 - الأحد 14 مارس 2004م الموافق 22 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً