العدد 558 - الثلثاء 16 مارس 2004م الموافق 24 محرم 1425هـ

الصحف البريطانية: على أوروبا التصدي لمخطط صقور واشنطن

كيف قرأت الصحف العربية والغربية تفجيرات مدريد؟ (2)

لم يغب الحدث المأسوي الإسباني عن الصحف البريطانية ، ومن أبرز ما كتب عن هذا الملف هو تيموثي آش في الغارديان (البريطانية) الذي كتب مقالة تحت عنوان «هل هذا 11 سبتمبر أوروبا؟» علق فيها على التفجيرات الدموية التي هزت مدريد. ولاحظ في بداية مقالته ان الأوروبيين لم يتغيروا بعد حوادث 11 سبتمبر، فهم أنشدوا «كلنا أميركيون» في حين انهم لم يكونوا كذلك ولم يصبحوا كذلك. متسائلا ما إذا كان الأوروبيون سيصبحون اليوم إسبانا بعد حوادث 11 مارس؟ أم ان هذا اليوم سيكون مفصليا في تاريخ إسبانيا وحدها؟ وعرض آش، وجهة نظره الخاصة بالتفجيرات فاعتبر انه في حال كانت تفجيرات مدريد، من صنع تنظيم «القاعدة» فإنه بلا شك 11 سبتمبر أوروبا. بمعنى ان التفجيرات تستهدف أوروبا بكاملها وليس إسبانيا وحدها. وبالتالي فإن ضحايا تلك التفجيرات يكونون قد سقطوا كعقاب على خطيئة ارتكبها الغرب بنظر «الإرهابيين» الإسلاميين. لذلك ومن أجل ضمان عدم حدوث اعتداءات مماثلة، اقترح آش، تعاونا وثيقا بين مختلف الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأوروبية ومصالح الهجرة في مختلف الدول الأوروبية. غير ان آش، استدرك بأنه في حال كان الارهابيون، يريدون معاقبة الحكومة الإسبانية على دعمها للحرب على العراق، فهذا لا يعني ان على الدول الأوروبية ألاّ تتدخل في أية مسألة تخص العالم الإسلامي خوفا من أن تلقى مصير إسبانيا، بل على هذه الدول أن تتكاتف وترص صفوفها بطريقة أو بأخرى. أما في حال كان مرتكبو «11 مارس»، هم عناصر منظمة «إيتا» الباسكية الإرهابية فرجح آش، أن يبرز ذلك ميلا في أوروبا لاعتبار التفجيرات مشكلة إسبانية بحتة. غير انه رفض هذا الرأي قائلا ان عضوية إسبانيا، في الاتحاد الأوروبي يجعل من الدول الأوروبية كافة مسئولة عن حل المشكلة الباسكية. مشددا على ضرورة التعاون بين دول الاتحاد الأوروبي لاسيما مع فرنسا، لأنها تضم أكبر جالية مسلمة في أوروبا من جهة ولأن الباسك يعيشون على جانبي الحدود الفرنسية الإسبانية من جهة أخرى. وفي دعوة غير مباشرة لمقاومة واشنطن أو سياسة الصقور في الإدارة الأميركية، ذكّر آش، الأوروبيين، في هذا السياق، بما جاء في كتاب «كيف ننتصر في الحرب على الإرهاب» الذي وضعه إثنان من صقور الإدارة الأميركية هما ديفيد فروم وريتشارد بيرل، من انه يجب إجبار الدول الأوروبية على الاختيار بين باريس وواشنطن. مطالبا الولايات المتحدة، بالتوقف عن دعم الاتحاد الأوروبي، كاستراتيجيا لوضع حد «للإرهاب». ومن هنا طالب آش، في ختام مقالته الدول الأوروبية بالتصدي لمخطط صقور الإدارة الأميركية بشرذمة أوروبا، من خلال مد الجسور بين فرنسا وإسبانيا، وحل المشكلات العالقة على ضفاف الأطلسي.

وتحدث روبرت كورنويل في «الإندبندنت» البريطانية عن الهجمات التي تعرضت لها العاصمة الإسبانية. ففي مقالة تحت عنوان «هجمات مدريد ستزيد من عزيمة واشنطن»، رأى كورويل، ان الإدارة الأميركية ستعتبر هذه الهجمات التي شنت على مدريد دليلا جديدا على ان الإرهاب هو بلاء القرن الحادي والعشرين، ما يزيد من صلابة موقف واشنطن في رفض التحاور مع «الإرهاب» مفضلة اللجوء إلى القوة لتدميره. وأكد الكاتب البريطاني، انه على رغم ان واشنطن تتبنى علنا موقف الحكومة الإسبانية الذي يتهم منظمة «إيتا» بالوقوف وراء التفجيرات فإن مسئولي الاستخبارات الأميركية يقولون انه من المبكر تحديد الجهة التي نفذّت التفجيرات مؤكدين انه يجب عدم استبعاد أي احتمال. ونقل كورنويل، عن أحد خبراء الإرهاب قوله ان هناك ثلاث مجموعات من الأعمال الإرهابية في العالم، الأولى هي الإرهاب المرتبط بالفكر والمعتقدات والذي شهدته ألمانيا وإيطاليا في الستينات والسبعينات في القرن الماضي على يد الجماعات اليسارية واليمينية، والثانية هي الإرهاب الوطني أو القومي وتنضوي تحت هذه المجموعة منظمات مثل «إيتا» والمقاتلون الشيشان والمنظمات الفلسطينية المسلحة. غير ان الصراع في الشرق الأوسط وهجمات المسلحين العراقيين ضد قوات التحالف تقع في إطار مجموعة ثالثة من الأعمال الإرهابية التي يمكن اعتبارها إرهابا حضاريا أي انها هجمات تشن بدافع ديني أو ثقافي. وفي عودة للحديث عن تفجيرات مدريد، رأى كورنويل، انه على رغم انه لم تتضح حتى الآن ما إذا كانت «القاعدة» هي من نفذ التفجيرات، فإنه يمكن القول ان شبكة بن لادن «الإرهابية» مصممة على المضي قدما في الأعمال «الإرهابية»، لا بل انها راغبة في تصعيد وتيرة عملياتها. ونقل كورنويل، عن خبير أمني في معهد إسبانيا الملكي مانويل كوما، انه بعد اعتداءات 11 سبتمبر، لم تعد العمليات البسيطة كافية ولذلك فمن المرجح أن تكون الاعتداءات «الإرهابية» في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر قوية وشديدة الخطورة. مؤكدا انه إذا كان الانتحاريون غير قادرين على بلوغ رؤساء الحكومات الذين يتمركزون خلف جدار أمني كبير، فيمكن لأولئك الانتحاريين أن يصلوا إلى هؤلاء الحكام عبر استهداف شعوبهم.


الصحف العبرية: تفجيرات مدريد «جرائم جماعية»

استغلت الصحف الإسرائيلية تفجيرات مدريد لتواصل وصم المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي بـ «الارهاب» وعاتب أحد المعلقين الإسرائيليين المسئولين الإسبان لرفضهم إدارج «حزب الله» على اللائحة السوداء للاتحاد الأوروبي. واعتبر زئيف شيف في «هآرتس»، انه مهما تكن الجهة التي تقف وراء تفجيرات مدريد فمن الواضح انها نفذت على شاكلة «الجرائم الجماعية» التي ترتكبها «القاعدة» وحركة «حماس» و«الجهاد الإسلامي». وإذ أقر بأن منظمة «إيتا» انكفأت عن تنفيذ اعتداءات من هذا النوع رجح أن تكون المنظمة الباسكية غيرت استراتيجيتها وقررت أن تقلد المنظمات «الإرهابية» الإسلامية. وخلص إلى ان تفجيرات مدريد لن تكون خاتمة «الإرهاب» فلا أحد يعلم إلى من سينتقل الدور غدا. وعلى خلفية التفجيرات التي هزت مدريد، رأى تسفي برئيل في «هآرتس»، ان ثلاثة أسباب رئيسية تدفع «القاعدة» إلى استهداف إسبانيا. فالرئيس الإسباني سمح بأن تكون إسبانيا المقر الأوروبي الذي مكّن الرئيس بوش، ورئيس الوزراء البريطاني طوني بلير، من تصوير حربهم على العراق على انها حرب تحالفية وليست حربا ثنائية أميركية بريطانية فقط. كما ان لدى إسبانيا، نحو 1300 جندي في العراق. أما ثالث الأسباب فهو ان إسبانيا تمهّد لمحاكمة عدد كبير جدا من ناشطي «القاعدة». وشدد برئيل، على ان هذه الأسباب كافية فعلا كي تدفع المنظمة «الإرهابية» أي «القاعدة» إلى شن هجومات رهيبة ضد الإسبانيين. وإذ لفت إلى ان ناشطي «القاعدة» يذكرون اسم إسبانيا ضمن الأهداف المحتمل ضربها، إلى جانب بريطانيا وكندا و«إسرائيل» والولايات المتحدة. ختم بالقول انه إذا كانت «القاعدة» هي من نفذت تفجيرات مدريد، يمكن القول ان إسبانيا هي من «الأهداف السهلة» أي انه يمكن الولوج إليها بسهولة لتنفيذ عمليات «إرهابية» كبيرة. من جانبه ذكّر آدار بريمور في «هآرتس» في مستهل مقالته، بمقابلة أجرتها «هآرتس»، مع خوسيه ماريا أزنار، لاسيما تصريحه بأنه لا يفرق بين منظمة «إيتا» الباسكية الانفصالية والإرهاب العالمي الأصولي لتنظيم «القاعدة». ولفت بريمور، إلى ان أزنار، أكد ان «إيتا» و«القاعدة» و«حماس» و«حزب الله»، منظمات متشابهة والتفريق بينها يعني تعزيز نفوذ الإرهابيين مؤكدا ان ظاهرة «الإرهاب» عموما تنبع من جذور أصولية. لكن المعلق الإسرائيلي، حاول التذكير أيضا ان وزيرة الخارجية الإسبانية أنا بالاتسيو، رفضت إدراج «حزب الله» في لائحة الاتحاد الأوروبي للمنظمات «الإرهابية» علما بأن إسبانيا وافقت على إدراج الجناح السياسي لمنظمة «إيتا». على رغم ان بالاتسيو صرحت بأن الإرهاب هو الإرهاب إن كان موجها ضد إسبانيا أو ايرلندا الشمالية أو «إسرائيل». وأضاف بريمور، ان «إسرائيل» اعتبرت رد بالاتسيو، هذا بمثابة تبنٍ لوجهة النظر الأوروبية القائلة إنه حتى لو كان «حزب الله» منظمة إسلامية خطرة، فإنه يشن حربه في «الشرق الأوسط» باعتبار انه ميليشيا تواجه قوة احتلال.


الصحف الفرنسية... تدعو الأوروبيين للتوحد

استنكرت تعليقات الصحف الفرنسية أيضا حوادث مدريد. وفي مقالة تحاكي مطالب الكاتب البريطاني تيموثي آش، كتبت «لوموند» الفرنسية افتتاحية تحت عنوان «مأساة أوروبية» شددت فيها على ان الاتحاد الأوروبي والديمقراطية كانا الهدفين الرئيسيين لهجمات 11 مارس في مدريد، فإحدى ديمقراطيات الاتحاد تعرضت لهجمات إرهابية قبل ثلاثة أيام من الانتخابات. واعتبرت الصحيفة الفرنسية انه بغض النظر عن مرتكبي التفجيرات، إن كانوا عناصر تنظيم «القاعدة» أو منظمة «إيتا» الباسكية، فالنتيجة واحدة وهي ان أوروبا دخلت في 11 مارس عصر الإرهاب من بابه الواسع. وختمت بمطالبة الدول الأوروبية بالتضامن والتكاتف من أجل رد الخطر الذي يهدد الأوروبيين جميعا. وكتبت «لوفيغارو» الفرنسية افتتاحية تحت عنوان «الديمقراطية في مواجهة الإرهابيين»، اعتبرت فيها انه من غير الممكن هدم الديمقراطيات بالديناميت فاستهداف البشر لا يمس روح الوطن. لافتة على انه بعد 11 سبتمبر انبثقت إرادة الوحدة والعزم من بين أنقاض برجي التجارة في نيويورك. ولفتت إلى ان إسبانيا تكتشف اليوم انها تخوض حربا مع عدو يملك ألف وجه ولكن يستخدم وسيلة واحدة وهي «الإرهاب» الأعمى. مؤكدة انه ليس أمام الديمقراطيات، من أجل درء هذا الخطر، سوى اللجوء إلى البحث والتحقيق بهدف تفكيك الشبكات «الإرهابية». وختمت بالقول ان الحرب بين الديمقراطيات والإرهابيين لم تنتهِ بعد ومن غير المستبعد أن ينتصر الإرهابيون على المدى الطويل. ومع تركها الباب مفتوحا أمام هذا الاحتمال لم توضح الصحيفة الفرنسية ما وراء موقفها المتشائم

العدد 558 - الثلثاء 16 مارس 2004م الموافق 24 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً