العدد 565 - الثلثاء 23 مارس 2004م الموافق 01 صفر 1425هـ

الطبيب والمجتمع... نحو آفاق صحية

يخطئ كثيرا من يحدد أنشطة الطب الحديث وراء ذلكم المثلث التقليدي... الطبيب، المريض، الدواء. لقد اتسعت دائرة العلاقات الاجتماعية وتعمقت الاواصر بين الإنسان والبيئة المحيطة به، خيرها وشرها. أمسى الإنسان الفرد يتفاعل مع القيم ويعاني من اهدار القيم، تماما كما ينعم بالهواء النقي ويعاني من الاجواء الملوثة.

علاقة الطبيب والمريض أشبه ما تكون بعملية تغذية متبادلة... كل منهما يقتات على جهد وحال الآخر. ولا تقتصر مهمة الطبيب على مواجع الجسم وتراجع الصحة، ولكنها تمتد لتشمل اثر المشكلات الاجتماعية والعلاقات الاسرية والتفاعلات العامة والخاصة (كالتجارة والمضاربة والزواج والطلاق والوئام والشقاق)، كي يتحرى الطبيب مدى تأثيرها على حال المريض.

اضحى المريض يرى في الطبيب ملاذا وأملا على أكثر من صعيد، وكم من مريض يهمس للطبيب بمشكلاته الخاصة ويرتاح كثيرا لهذا، ثم يستمع لنصح الطبيب وكأنه يتعاطى دواء شافيا. كثيرا ما يكون الطبيب صديق للمريض وعائلته، وبهذا يكون الدور الاجتماعي الذي يؤديه قد تخطى حاجز التطبيب إلى مجالات مد يد العون بالمشاركة في الأفراح والأتراح وبالنصح والتوجيه.

وقد يندرج هذا الوضع تحت ملابسات ما يسمى بغسل الدماغ وتحويل الفكر أو INDOCTRINATION، عندما يكون الجسم واهنا فيصل المخ إلى حال قريبة من الشلل الوقائي SUSPENDED PARALYSIS، وفيها يكون المريض في وضع استعداد لتقبل التوجيه أو التحول الفكري. عندئذ تتاح للطبيب فرصة ترسيخ العقيدة لدى المريض يحمله على الايمان بالله قادر على ان يهبه الشفاء. وان الترياق PANACEA يأتي من عند الله قيل العقاقير والتطبيب.

عرف العلماء هذا النهج بالعلاج العقائدي أو الديني RELIGIO-THERAPY، وقالوا إن تقبل المريض لفكرة الشفاء من عند الله تمثل نصف الشفاء. انها تمثل الأمل وترسخ الحرص على الشفاء والرغبة فيه. ان القسم الذي يؤديه الطبيب عند التخرج ينطوي على الكثير من الضوابط التي لو عقلها لكانت عونا له في انتهاج السلوك الناجح الذي ينمي علاقته مع مرضاه. احد البنود العشرة ينص على: «ان اراقب الله في مهنتي...» في هذا النص تلخيص للقسم بكامله، ومنهاج امثل للطبيب، فهو على هديها يبذل اقصى ما بوسعه لمساعدة المريض، ويبني علاقة قوية معه، كما يحافظ على كرامة الناس ويستر عوراتهم ويحفظ أسرارهم.

متطلبات المجتمع من الطبيب

1- الدراية والمهارة في الشق العلمي وفي الجانب العملي. يقول ألبرت شوتزر: «ان من الواجب ان نتذكر دائما ان الطب ليس مجرد علم، ولكنه فن ومهارة يستطيع الطبيب بهما ان يجعل خصوصياته تتفاعل مع خصوصيات المريض».

2- الإنسانية: وهي محصلة الحوار الروحي بين الطبيب والمريض. يقول فرنسيس بيبودي: «احد مميزات الطبيب المهمة هي اهتمامه بإنسانية المريض ورعايته قاصدا علاجه». لاشك أن الطبيب لن يتخلى عن إنسانيته في تعامله مع مرضاه» (عندما يكون على يقين بأن للإنسانية دور في تنمية العلاقة معهم).

3- السلوك: أو الأسلوب الذي ينطوي على الطيبة والبشاشة. يقول أبوقراط: «بعض المرضى يدركون تماما أن حالتهم محفوفة بالمخاطر، ولكنهم ببساطة قد يستعيدون صحتهم على اساس قناعتهم بطيبة الطبيب» شتان بين طبيب بشوش وطبيب عابس.

4- الخصال: الايمان بالله والتشبث بالقيم، والصدق، والاخلاص، كلها من خصال الطبيب. وهذه تتضح في التعامل مع المريض، بدءا بالتفاني في اداء الواجب المهني وانتهاء باشعار المريض بالحرص عليه.

5- الثقة: زرع الثقة في نفس المريض تؤدي إلى المصارحة، مع استبعاد مخاوف افشاء اسرار المريض أو الاساءة اليه. الثقة تدفع المريض إلى الافضاء بمكنونات قلبه للطبيب من دون خجل أو توجس، الأمر الذي يعين الطبيب في عملية التشخيص وانتهاج مسلك علاجي فعال. فالطبيب في لحظات الألم واليأس يمثل للمريض من الاصدقاء أكثرهم وفاء ومن المعينين اجزلهم عطاء. فهو الصديق والأخ والأب للمريض عند كل منعطف محفوف بالمخاطر في مسيرة العلاج إلى ان يصل به الطبيب إلى بر الشفاء والعافية.

6- العلم والالمام: ثمة طبيب لا يواكب تطور المهنة ولا يقبل على مطالعة اخبار المخترعات والتقنية والعقاقير الجديدة وأساليب الطب من تشخيص إلى تقرير منهاج العلاج... هذا النوع غير خليق بان يحقق نجاحا ملموسا. وهو ان احرز نجاحا يكون اعتباطيا ومن قبيل المصادفة. على الطبيب أيضا ان يحيط بكل شاردة وواردة عن حال المريض، فضلا عن شخصيته: مم يشكو، من هو المريض، وفي النهاية يسأل الطبيب ويجيب نفسه عن السؤال الدائم: هل حصل المريض على ما جاء من أجله؟

7- الالتزام: الطبيب رسول شفاء، يؤدي رسالته تحت خشية الله وهو لا يسعى لكشف عورات المريض أو الاساءة إليه. كما أن الطبيب يلتزم باخلاقيات المهنة، ضمن هذا الإطار، فلا يلجأ إلى الجريمة ولا يغامر ولا يقدم على عمل لم يؤهل له. وكم سمعنا عن أطباء يتاجرون ويثرون بسرقة أعضاء من اجسام المرضى.

8- القدوة والمثل: من نافلة القول ان ثقة المريض تهبط للحضيض اذا رأى طبيبه رث الثياب، يفتقر إلى الرقي في المظهر والقول والاشارة، أو عندما تفوح منه رائحة عرق نفاذة أو بخر فم. الطبيب يمثل للمريض القدوة والمثل الذي يحتذى ويعمق في نفسه الثقة والطمأنينة. عندما يضيق المريض بعالمه وتوصد دونه أبواب الأمل، يفتح له الطبيب منافذ السلوان والرجاء.

9- الحصافة والكياسة: الطبيب المثالي متحدث جيد، ينتقي كلماته ويعي مدلولاتها ويعرف كيف والى اين يطلقها في نفس المريض. وهنا تبرز اللغة كأداة للتفاهم. قالوا إن مريضا اشتكى من ان زوجته لم تكلمه ثلاثة ايام كاملة، فاجابه الطبيب بقوله: «لعلها تحاول ان تخبرك عن شيء ما!!» لذلك فالسكوت قد يعتبر نوعا من التواصل، وكما ان الطبيب مستمع صبور، فهو أيضا حساس، لماح يدرك مرمى المريض في كل كلمة يتفوه بها. ولا يجب ان ينقطع الحوار الروحي بين الطبيب والمريض على مدى فترة العلاج.

10- الابتزاز: من الأطباء من يبتغون الثراء السريع فيعمدون إلى اضفاء قتامة على حال المريض، كي يطيلون فترة العلاج ويحققون أكبر «ربح» ممكن منه. اين مثل هؤلاء الأطباء وكلمات القسم الذي يحضهم على خشية الله؟

11 استمرارية الطبيب المعالج: ان أحد متطلبات المريض استمرارية وجود الطبيب المعالج نفسه، إذ إنه الملاذ والملجأ الدائم من شكواه الصحية.

نائب عميد شئون الطلبة - جامعة الخليج العربي

العدد 565 - الثلثاء 23 مارس 2004م الموافق 01 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً