العدد 566 - الأربعاء 24 مارس 2004م الموافق 02 صفر 1425هـ

من الرؤساء العرب إلى الرئيس الأميركي

بمناسبة انعقاد القمة العربية في تونس

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

صديقنا وابن صديقنا الرئيس بوش - البيت الأبيض - واشنطن. لكم منا نحن الرؤساء والملوك من مقر قمتنا في تونس، السلام، تحية الاسلام لما لابد أنك تعرف، ومع السلام نبعث لكم كل الحب، فنحن نحبك، ونحب كل من يحبك، ولكن لنا كلمة نرجو أن تترجم لكم بكل الدقة. وبداية سيادة الرئيس، نحن نعرف قدر من نخاطب فأنت سيد العالم، ونحترم فيك حبك لبلدك العظيم، ونقدر ثقتك الشديدة بقدراتك، فأنت، كما وصفت نفسك، زعيم للحرب، ومن جانبنا نحب هذه الروح المقدامة الجسور، وكذلك نحن لنا كرامة واحترام وخصوصا أمام شعوبنا تصل الى درجة التقديس، وكذلك لا نحب خدشها أو النيل منها وتشويهها أمام شعوبنا، التي تحبنا لأنها تهابنا.

فلماذا كل هذا الحديث الساخن الهاجم علينا من جانبك باسم الاصلاح والديمقراطية ونحن أدرى بأحوالنا، أنت مقدم على انتخابات الرئاسة بعد شهور، والشعب الأميركي هوائي المزاج، فقد يدفع بك بعيدا عن المكتب البيضاوي أما نحن فباقون فوق كراسينا إلى ما شاء الله.

مبادرتك باسم الاصلاح الديمقراطي مستفزة، لأنها طارئة ولم تشاورنا فيها وتريد فرضها علينا الآن سريعا، وهو أمر أثار علينا شماتة الشعوب، ونحن أدرى بتقلبات شعوبنا فهي شعوب متنمرة متمردة نحكمها بالعصا والجزرة وهي طريقة ناجحة ناجعة، ولو عرفت الديمقراطية بطريقتك لانقلبت عليك وعلينا ولتغيرت الأوضاع وتجددت الأوجاع، اذ لا يمكن للكمبيوتر الأميركي التنبؤ بفورات هذه الشعوب وثوراتها، فاتركها لنا لنروضها كما تعودنا...

ثم... نحن حلفاؤك وأصدقاء بلادك، تحالفنا طويلا ودافعنا عن مصالحكم كثيرا، وخضنا الحروب الى جواركم ، من حرب تحرير الكويت، وعاصفة الصحراء وتحت قيادة السيد الوالد، الى حرب العراق واحتلاله تحت قيادتك، وضحينا بزميل لنا كان يمكن أن يكون جالسا معنا الآن... ولم نسمع منكم آنذاك حرفا عن التغيير وعن الاصلاح الديمقراطي وعن تجديد القيادات، فلماذا حقا تحاولون الآن زلزلة الأرض تحت أقدامنا وتحريض الشعوب علينا باسم الديمقراطية؟!

نتفق معك على ضرورة الإصلاح، ولكن بطريقتنا الخاصة وفي التوقيت الذي نراه، وبالجرعة التي نقدرها حتى لا تغطس شعوبنا بسبب التخمة الديمقراطية هذه، لقد فعلنا الكثير بالتدرج وانظر الى النتائج، الفرق بين حال العرب اليوم وحالهم بالأمس، لاحظ كم السيارات الفارهة والمساكن الفخمة والطرق السريعة والموبايلات الحديثة والأكلات الأميركية السريعة وأسواقنا التي تزدحم بكل ما هو أميركي وأوروبي... أليست هذه دلائل على التطور والحداثة والمدنية، وتذكر فقط أن قيمة المبادلات التجارية العربية الأميركية، بلغت العام الماضي نحو 51 بليون دولار.

في معركتك ضد الارهاب حاربنا معك سرا وعلانية وبحسم لأن التهديد مزدوج، فتحنا لك خزائن معلوماتنا وأسرارنا عن شبكات المتطرفين، وقدمنا كل الدعم الأمني والمالي والسياسي والاعلامي، لم تتقاعس ولم نتراخَ كما يقول لك بعض موظفيك، فقط اسأل أجهزة مخابراتك، بل اسأل روحك.

ولنا هنا عليك وعلى بلادك دالة ودلالة، فقد حاربنا الارهاب قبلكم جميعا، حين اكتوت بلادنا بناره الموقدة، ويومها كنتم تساندون بعض منظماته وتتبنون بعض رموزه وتتحاورون معهم في الخفاء، وقلنا لكم حذار من اللعب بالنار مع هؤلاء لكنكم خاطرتم حتى ذقتم معنى الخطر وطعمه.

الآن عدنا حلفاء أوفياء ضد عدو واحد، فلماذا الحملات السياسية والإعلامية في بلادكم ضدنا، ولماذا لا نسألكم جميعا، هل أنتم حلفاء أم أعداء، هل أنتم معنا أم مع الارهابيين، هل أنتم مع الرؤساء الحكماء أم مع الغوغاء؟!

دعنا نتصارح أكثر... في حربك ضد العراق البلد العربي الشقيق والمهم، وقفنا معك وناصرناك ودعمناك، كما فعلنا من قبل مع أبيك، لأننا بوضوح كنا الأكثر كراهية لصدام حسين الذي طالما تغطرس علينا ومارس نفوذه وابتزازه ومؤامراته ضدنا، حتى استقوى فلم نستطع أن نواجهه، وانحزنا لجيوشك الغازية حتى احتلت العراق ومازالت هناك في ورطتها وورطتنا.

إن اسقاط صدام بدباباتكم التي اجتاحت بغداد إحدى أهم عواصم العرب، ثم القبض عليه واظهاره بالمظهر المزري، أحرجنا أمام شعوبنا وشعوب العالم، فقد كان لسنوات طوال وعلى رغم أخطاره زميلا لنا في سدنة الرئاسة وعلى مائدة القمة، سواء حضر بشخصه وزهوه النرجسي، أو بممثليه، الذين تطاولوا علينا وتشاجروا مع بعضنا وتفننوا في ارباكنا بالمشكلات والمشاكسات.

غير أن ما جرى على أيديكم لزميلنا وعدونا السابق، قد أثار الغوغاء والدهماء في بلادنا... ثاروا وهاجموا وعيرونا، بل هددونا بأن الأميركان لا أمان لهم، فقد احترفوا بيع أصدقائهم، من ماركوس الفلبيني والشاه الإيراني شرقا، الى بينوشيه شيلي واورتيجا بنما وأرستيد هيتن غربا، فهل صحيح أنك اليوم تراهن على تنبؤات الدهماء والرعاع والغوغاء، ثم كيف نأمن لك، ونحقق المعادلة الصعبة، نحن كنا ومازلنا نؤيدك في غزوك العراق واسقاطك صدام، ولكننا نخشى الغدر.

لذلك، ما حكاية قولك المتكرر انك ستجعل من العراق الجديد «تحت الاحتلال» بؤرة اشعاع للديمقراطية تنير الطريق لنا جميعا... صدِّقْنا شعب العراق شعب متمرد لا تصلح معه الحرية، اسألنا نحن فقد عرفناه وخبرناه، من خلال تجارب زملائنا حكامه السابقين، من الحجاج الثقفي إلى صدام حسين، الذين عرفوا كيف يحكمونه ويروضونه، وبالطريقة التي تناسبنا وتناسبك، وخصوصا حفظ حقك الكامل في النفط، وفي القواعد العسكرية المتقدمة.

بقيت فلسطين يا سيادة الرئيس

نحن في ورطة بين زميلنا المسجون وصديقك المجنون، عرفات وشارون، كلاهما عنيد ورأسه ناشفة كما تقول العامة في بلادنا، وكلاهما حارب ونجا من الموت عشرات المرات، وبقي وسيبقى طويلا كخميرة العكننة، يعاندنا ويعاندك ويعاند تلهفنا على الاستقرار والسلام الذي تبشر أنت به.

قضية فلسطين هي قضية شعوبنا وثقافتنا وديننا، وأنت رجل مسيحي مؤمن، ونحن لذلك مؤمنون، وفلسطين مقدسة في كل الأديان، فلماذا تنحاز دوما الى «إسرائيل» وتنسانا، وتدوس بقدمك على كل آمال وآلام شعب فقير صغير يقاوم جلاده وظالمه وقاهره، لماذا لا تحل القضية حلا ايمانيا يرضي الجميع بوسطية وعدالة، أوصت بها الأديان.

مرة أخرى، نحن الأدرى بهذه الورطة التاريخية الدامية، فقد أرهقتنا على مدى أكثر من نصف قرن، ماليا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا ونفسيا، حتى ضقنا بها وضاقت بنا، نريد الخلاص الآن وفورا وبأي ثمن، لم نعد نحتمل الحروب والتوترات والدماء، ولم نعد قادرين على مقاومة ضغوط شعوبنا الغاضبة سياسيا المهتاجة عاطفيا، التي تحرجنا في الشارع، ولذلك نطالبك بانقاذنا، بل بانقاذ صديقتك «اسرائيل» من هذه الدائرة الجهنمية للقتل، وستجدنا معك دوما - كالعادة - نستجيب للمبادرات والمقترحات والمخططات.

ولعلك يا سيادة الرئيس، تلاحظ كم تغيرت مواقفنا تجاه «إسرائيل» نحو الأفضل، فقبل ثلاثين عاما، كان مستحيلا الحديث حتى سرا، عن الاعتراف بـ «إسرائيل»، لأن ذلك خيانة تستحق الموت قتلاِ، وقبل عشرين عاما اعترفت مصر والأردن بها رسميا، ثم بفضل بلادكم العظيمة، اعترف الفلسطينيون بعد توقيع اتفاق أوسلو. أما الآن فنصف دولنا تقريبا تعترف بها رسميا، أو تتعاون معها ضمنيا، والنصف الآخر يتأهب ويتمنى ويستعجل.

فهل هناك ما هو أكثر، وهل تنتظرون منا تسامحا وتساهلا وتنازلا من أجل السلام والوئام أكثر مما فعلنا، قل لأصدقائك أن يستجيبوا اليوم لمبادرتنا، فقد يأتي الغد فلا يجدون أحدا غيرنا يعرض عليهم ما نعرض... إنها فرصة لا تدعها تفلت! وبالمناسبة لماذا هجومك المتكرر على العروبة والجامعة العربية، إنها ليست الاتحاد الأوروبي، ولا تضم الصين أو روسيا، إنك تفهمها خطأ، هي بيت يجمعنا في لقاءات موسمية، نمارس فيه عاداتنا وتقاليدنا المتوارثة، وخصوصا كثرة الكلام وحب الاستعراض واصدار الأحكام ثم بلعها... نعمل الآن على تطويرها بطريقتنا، ولن نغضبك فلماذا تريد تفكيكها، أو فرض عضوية «اسرائيل» فيها، هذا صعب للغاية في الظروف الراهنة التي تتحدانا فيها «اسرائيل» وتستثير شعوبنا ضدنا وضدك.

لا تخف مما يقال عن السوق العربية المشتركة، إنها حلم يراوغنا على مدى ستين عاما، وعلى رغم ذلك فإن التجارة العربية البينية لا تزيد على 8 في المئة فقط، أما الباقي أي 92 في المئة فهو مع بلادك ومع أوروبا واليابان حلفاء بلادك، فإذا كان ذلك هو نتيجة كل جهود الماضي فإن الحاضر والمسستقبل هو للعولمة التي تقودها والتي سندمج فيها بلا تردد... فاترك لنا الفرصة وحرية الحركة، ونعدك لن نذهب بعيدا، ولن نكرر تلك الفعلة النكراء بقطع النفط لا سمح الله، فقد كانت غلطة، ولن نراهن مثلا على الصين كما راهنا سابقا على الاتحاد السوفياتي، ولن نعصي العولمة، ولن نخون تحالفنا ومعاهداتنا السرية والعلنية مع صديقتنا الأبدية أميركا.

أما حكاية اصلاح العقول وتغيير الأفكار، التي جاءت في مبادرتك «مشروع الشرق الأوسط الكبير»، فنحن الأجدر باصلاحها وترويضها، أنت تريد تغيير المناهج التعليمية والثقافية، ونحن معك، لكنك تريدها الآن وفورا من خلال انقلاب بين يوم وليلة، أنت ثوري اذا «لقد زهقنا من الثوار والثورات»، ونحن محافظون ننفذ تغييرا متدرجا وبهدوء، والأمر نفسه ينطبق على وسائل الاعلام والصحافة التي تشكو من ضجيجها وتحريضها، لا تقلق، أيادينا قوية وقبضاتنا حديد، غير أننا تعودنا أن نضعها في قفازات حريرية... لكن موضوع الدين والشريعة والجهاد... نرجوك ونناشدك، لا تتورط وتورطنا... ولعلك سمعت عن جماعة المثقفين الذين اجتمعوا قبل أيام في الاسكندرية، وقدموا وثيقة للاصلاح الديمقراطي، ربما تكون فهمتها على أنها دعم لمبادرتك، لكننا فهمناها بطريقتنا نحن!

في الختام يا سيادة الرئيس نؤكد لك أننا سنظل أخلص الأصدقاء وأوفى الحلفاء، وسنثبت ذلك عمليا في مساندة إعادة انتخابك، سنساندك سياسيا واعلاميا وماليا، سنسهم بكرم عربي في موازنة حملتك كما فعلنا من قبل مع والدك، لكنه فشل ونتمنى ألا تسير في طريقه ذلك، لأننا نحبك ونحب من يحبك!

والسلام ختام

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 566 - الأربعاء 24 مارس 2004م الموافق 02 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً