العدد 567 - الخميس 25 مارس 2004م الموافق 03 صفر 1425هـ

الغزو استهدف تحويل العراق إلى موقع لخدمة المصالح الأميركية

فضل الله في خطبتي صلاة الجمعة الماضية:

ألقى المرجع الديني السيدمحمدحسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، ومما جاء في خطبته:

مرّ عام على الاحتلال الأميركي - البريطاني في العراق من خلال تضخيم خطر النظام الطاغي على أمن أميركا وعلى العالم بفعل امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، ما كشفت كل وسائل الأمم المتحدة في التفتيش وكل أجهزة الاحتلال كذبه وكذب البيانات التي أطلقها الرئيس بوش ومستشاروه بما يزيد على 237 بيانا، الأمر الذي تحول إلى فضيحة دولية. فالمسألة ليست مجرد مسألة سياسية خاضعة للعبة السياسية الدولية في ألاعيب المخابرات، ولكنها مسألة حرب تركت آثارها السلبية على المنطقة كلها وعلى العالم كله، وأربكت التحالفات السياسية الدولية وأثارت أكثر من مشكلة لأكثر من دولةٍ في المنطقة وخارجها في توزيع الاتهامات الكاذبة بامتلاك أسلحة الدمار الشامل ومنح «إسرائيل» الضوء الأخضر للعبث بالشعب الفلسطيني بالأسلحة الأميركية المدمّرة وبالسياسة المنحازة لها بالمطلق وباختراق العراق أمنيا واقتصاديا وعسكريا...

ولا تزال آثار هذه الكذبة السياسية المخابراتية تثير الجدل حول رئيس الوزراء البريطاني والاسترالي، كما أنها أسقطت رئيس وزراء أسبانيا الذي تنكّر شعبه وللرفض الشامل للحرب، وأدّت إلى التفجيرات الإجرامية المأسوية التي حصدت المدنيين الأبرياء ما عدّه الكثيرون من نتائج الحلف مع أميركا في الحرب.

وإذا كان هؤلاء الكَذَبة يتحدثون عن النتيجة الإيجابية بإسقاط النظام الطاغي الوحشي الذي هلّل له الشعب العراقي والمنطقة كلها، فإننا لا نمانع في ذلك، ولكن الجميع يعرفون أن الغزو لم يستهدف تحرير الشعب هناك، بل السيطرة على نفط العراق وتحويله إلى موقع متقدم لخدمة المصالح الأميركية في المنطقة وإلى جسر سياسي وأمني واقتصادي للعبور إليها، ولكن الاحتلال لم يسلّم السلطة للعراقيين بالقوة اللازمة التي يستطيعون من خلالها الحفاظ على أمن بلدهم الذين هم أعرف بكل مواقعه، ليستمر في احتلاله إلى المدى الذي يحقق فيه كل أهدافه، وإذا كان الأميركيون يتحدثون عن الديمقراطية فإن الجميع يعرفون أن الاحتلال لا يحققها، لأنه - من خلال ما يملكه من السيطرة على إرادة الشعب بشكل مباشر أو غير مباشر - لا يجلب الديمقراطية، وكما أن الاستعباد السياسي والأمني لا يحقق الحرية.

إننا نرحّب بالتطورات السياسية في إسبانيا البلد الصديق للعرب وللمسلمين، ونراها ضربة قاصمة للخطة الأميركية في السيطرة على أوروبا لجرّها إلى سياستها الاستكبارية الإمبراطورية وإشارة إلى الشعوب الأوروبية أن تدرس العلاقات مع أميركا دراسة واعية تؤكد حريتها في اتخاذ قراراتها في الحرب والسلم وتفرض على حكامها السياسة التي تخدم الحرية للشعوب، وأن تعمل على تغيير إداراتها التي تتنكر لإراداتها في رفض الحرب غير المشروعة... وإننا في الوقت نفسه، ندعو شعوبنا العربية والإسلامية إلى أن تأخذ الدرس من الشعب الإسباني في تغيير حكومته إذا خالفت مصالحه ليبقى الشعب سيّد قراره وليطرد كل الذين يفرضون عليه سياسة غير منسجمة مع مصالحه، ونسجّل نقطة سلبية على واقع الأنظمة في المنطقة التي يحتقر القائمون عليها شعوبهم بمصادرة حرياتهم والتحكم فيهم بالوسائل المخابراتية وقوانين الطوارئ وحماية الفساد والخضوع للولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي جعل أميركا التي كانت حاضنة وداعمة لها تتحدث عن إصلاح الشرق الأوسط الكبير.

إن على شعوبنا أن تعي خطورة الواقع الذي يحكم كل أمورها في اتجاه تحرير المستقبل من ذلك كله بالإصلاح الذي ينبع من إرادتها لا من إرادة المستكبرين، وعلى العراقيين الذين يواجهون المجازر المتنقلة التي يقوم بها المجرمون ضد المدنيين أن يرتفعوا إلى مستوى المرحلة وأن يأخذوا بأسباب الوحدة، وأن يفكروا طويلا في وعد السيادة المستقبلي ليدرسوا مدى جديّته وواقعيته ونوعية الحرية في حركة القوة التي تحفظ الأمن والقرار الذي يحفظ للبلد سلامته ونموّه وسيادته، لأن السيادة التي يمنحها المحتل قد تكون استعبادا في ثوب الحرية.

ونصل إلى فلسطين لنحيي الشهيدين المجاهدين الذين قاما بعملية أشدود النوعية التي هزّت الكيان الصهيوني، وأثبتت له أن المجاهدين يستطيعون الوصول إلى أي موقع استراتيجي له، على رغم الجدار العنصري والحواجز الموضوعة في الطريق، ونعتقد أن كل التهديدات العسكرية والخطط الوحشية لاحتلال غزة من جديد لن تؤثر على إرادة هذا الشعب الصابر المجاهد الذي قرّر نقل العدو من مأزق إلى مأزق على رغم جروحه النازفة بفعل الوحشية النازية التي يمارسها جيشه وتؤيدها الإدارة الأميركية، لأن الحرية ستنتصر ولو من بعد حين.

ونشير إلى الحوادث القلقة التي حدثت في سورية من خلال بعض الخلفيات السياسية التي عملت على إرباك الواقع هنا بإثارة المسألة الكردية من دون أيّ أساس سياسي أو أمني أو اقتصادي للمواطنين الأكراد هناك. إننا نلاحظ الأصابع الأميركية التي تتحرك لتلعب بالمنطقة، ولا سيما سورية الصمود، ولتربك أمنها ولتثير حولها أكثر من جدل سياسي، في الوقت الذي تخطط لإطلاق العقوبات التي يعرف الجميع أنها لن تستطيع أن تسقط صلابة الموقف وإرادة الصمود.

ومن جهة أخرى، فإن هناك حديثا لبعض ممثلي الأمم المتحدة عن إمكان إرسال القوات الدولية إلى غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي الذي تحقق بفضل المقاومة كنصر مميز، والسؤال: لماذا لم تنطلق الأمم المتحدة للضغط على إسرائيل لتحقيق الفصل بينها وبين الشعب الفلسطيني لمنع الاجتياح والاحتلال والمجازر الوحشية؟ أو هي الإرادة الأميركية التي تحكم قرارات الأمم المتحدة؟

وأخيرا، ماذا في لبنان... هل هي الهدنة السياسية في الحرب المتحركة بين مواقع النفوذ التي تتحرك بين وقت وآخر لإرباك القضايا الحيوية ولتجميد المشروعات الإنمائية ولمواجهة التحديات المصيرية، أو هي التسويات التي لا تخضع لقاعدة وطنية بل قد تحملها المصالح الشخصية أو الحزبية؟! ولا سيما في موسم الانتخابات التي كنا نرجو أن تتحرك التحالفات فيها على أساس برنامج إصلاحي شامل يحقق للناس في مدنهم وقراهم حكومات محلية ليست على شاكلة الحكومة الوطنية... وسؤالنا للشعب الذي يستعد للدخول في المعركة: هل هناك خطة مدروسة للبرنامج الذي يحقق مصالحكم ومشروعاتكم الإنمائية البلدية، أو أن المسألة هي الخطة الموضوعة للاستغراق في الأشخاص أو في الجهات النافذة هنا وهناك؟ إن لبنان بحاجة إلى شعب يفكر ويخطط ويملك ذهنية التغيير ويؤكد إرادته في ذلك كله، وليس بحاجة إلى شعب يهتف بانفعال، ويتحمس بارتجال، ويبصم عندما يراد له أن يوقّع

العدد 567 - الخميس 25 مارس 2004م الموافق 03 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً