العدد 567 - الخميس 25 مارس 2004م الموافق 03 صفر 1425هـ

تثبيت حقوق الإنسان يحتاج إلى حراكٍ مجتمعيٍ واعي

قضية حقوق الإنسان على امتداد العالم كله، من أصعب القضايا تطبيقا وإلزاما للحكومات والدول، نتيجة طبيعتها غير الإلزامية للدول سواء في التوقيع على المواثيق والعهود التي تخصها، أو عدم وجود قوة تسندها وتجبر الدول على احترام النصوص التي تؤسس إلى حقوق الإنسان في كل المجالات.

هذا المثلب الخطير في أهم مسألة تخص الإنسان، وهي حقوقه التي أقرتها الشرائع السماوية والوضعية، ربما ترك ممن سن القوانين الوضعية تحديدا بسبب حجم المناورات السياسية التي تمارسها الدول الكبرى على هامش حقوق الإنسان، فتخضع الإنسان والأوطان وكل مقدراته لهيمنتها وسلطتها المباشرة وغير المباشرة.

الاستعمار لم ينته من البلاد العربية والإسلامية إلا في نهاية سبعينات القرن الماضي، ما يعني بكل تأكيد بطء حركة التنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتنظيم الحقوق والواجبات، وخصوصا أن انتهاء الاستعمار لم يسفر عنه وجود أنظمة ديمقراطية في المنطقة، كما هو الحال بالنسبة إلى الدول الأوروبية التي حصلت فيها الثورات، فنتج عنها تحرر شعوب هذه الدول من الأنظمة الديكتاتورية آنذاك، فالاستعمار في كل منطقة خرج منها خلف تعقيدات سياسية ودينية، وأهم هذه التعقيدات الطائفية والحزبية، والتعقيدات على مستوى ممارسة السلطة وكيفية إنتاجها.

أما بالنسبة إلى منظمات حقوق الإنسان، فهي عادة ما تكون على هامش السياسة الدولية لا على يمينها لتعديل أوضاع حقوق الإنسان المائلة في الدول التي تنتهك هذه الحقوق، ولهذا فغالبية هذه المنظمات هي مؤسسات نخبوية، ولا تمتلك من الصلاحيات ما يؤهلها إلا إلى ممارسة الإزعاج الإعلامي للدول التي تنتهك فيها حقوق الإنسان، وهي على المدى البعيد مفيدة بنسبة كبيرة، ولكنها تفتقد الإجراء الذي يمنع الاستنزاف لحقوق الإنسان في هذه الدول وإهدارها، أي أن استجابة الدول للحركة الإعلامية التي تقوم بها منظمات حقوق الإنسان، يأتي بشكل مزاجي بعد أن تهيئ هذه الدول لنفسها مناخ الاستجابة لمطالب هذه المنظمات الحقوقية.

بعد فهم طبيعة الإشكالات الداخلة في تعقيدات حركة حقوق الإنسان، وقدرتها على التطور لتكون ضاغطة على هذه الدول، وبعد تحرك المشروع الأميركي للإتيان بالديمقراطية في «الشرق الأوسط الكبير»، والذي يشك من الأساس في كونه قادرا على تحريك وضع المنطقة العربية باتجاه الديمقراطية في ظل لعبه على التوازنات التي تحرك الدول، والتي قد تصغر وتكبر بحسب حجم الظلم المقنن الذي تمارسه هذه الدول ضد شعوبها، ومدى قدرة هذا المشروع على تقنين هذا الظلم بصورة أخف وفق توازنات تكفلها لحكومات المنطقة، ولا تريد تجاوزها أبدا.

يبقى أن الخيار الأنسب لتنمية القدرة الدفاعية لحركة حقوق الإنسان هو أن تقوم الشعوب أنفسها بتثبيت معادلة الحقوق على أساس من التوازن الذي يناسبها، كأن يتحرك الناشطون في حقوق الإنسان مثلا لتجريم الطائفية والتمييز على أساس العنصر أو اللون على أرض الواقع، وتثبيت هذه المعادلة من خلال مراقبة المؤسسات الرسمية والأهلية التي تمارس هذه الانتهاكات، وفضحها أمام العلن، واعتبار ما تقوم به جرما مشهودا.

يبدو أن الخيارات المجتمعية لم تنضج إلى الآن، نتيجة للواقع الطبقي والسياسي الذي يحرك المصالح تارة، والخوف والارتباك من فضح هذه الممارسات تارة أخرى، ولكي تكون لحركة حقوق الإنسان ثمارا حقيقية، لا يجوز انتظار الدول الكبرى، ولا المنظمات الحقوقية، لأنها لن تكون قادرة على الدخول في تفاصيل حركة الظلم المجتمعي والرسمي والأهلي، فضلا عن كونها لن تعطي الناس لسانا فصيحا للدفاع عن حقوقهم، ما لم يتحركوا هم لفعل ذلك، وبالتالي توجد حاجة إلى زحزحة الواقع الطبقي حتى داخل الصفوف الواحدة للمذهب أو التيار الواحد، ولأن يتنادى الإنسان لتلبية نداء أي إنسان مظلوم وفق دائرة القانون، ولأن تجرم كل ممارسات التمييز ضد حقوق الإنسان بكل أنواعها

العدد 567 - الخميس 25 مارس 2004م الموافق 03 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً