العدد 2745 - الجمعة 12 مارس 2010م الموافق 26 ربيع الاول 1431هـ

الرقصات الفلكلورية... رسالة من حضارات الماضي

تحييها المهرجانات وتغيبها وسائل الإعلام

تعبر الشعوب عن حضارتها بمختلف الطرق والفنون، بعضها يثير الإعجاب، وآخر يدعو إلى التعجب والاستغراب، وغيرها مستهجنة غير مفهومة بالنسبة إلى حضارات أخرى.

ولعل الرقص بأشكاله من أكثر الطقوس التي مارستها الشعوب على مدى سنوات الحضارات البشرية، فهو من أوائل وسائل التعبير لدى الناس، عن طقوسهم في الفرح والحزن، وحتى في ممارسة بعض الشعوب لطقوسها الدينية والتعبدية.

ولا تخلو ثقافة من هذا الأنموذج للتعبير. وتختلف الرسائل التي ترسلها هذه الرقصات، فبعضها في الأصل تعبير عن الاستعداد للحرب، وأخرى تعبير عن التضافر والتعاضد، وغيرها للتعبير عن الفرح لحدث معين قد يكون احتفالا بموسم زراعي أو بوصول فصل من فصول السنة أو ما يشابه ذلك.

وعلى رغم مرور عشرات السنوات على بعض الرقصات، ما لم نقل مئات السنوات على بعضها، فإن غالبية الشعوب تحتفظ ولو بجزء صغير من موروثها الثقافي عن هذه الرقصات، وتحيي هذه الطقوس في الكثير من المراسم، وإن كانت اليوم تقتصر على الاحتفالات والمهرجانات، وفي بعض المناطق تحييها في الأعراس وبعض الاحتفالات الخاصة.

وكثيرة هي الرقصات التي نعرفها ونراها في بعض القنوات التلفزيونية، إلا أننا لا نعرف أصلها وطبيعتها وإلى أي بلد تنتمي، لا لغرابتها أو لقلة مصادفتنا لها، بل لقلة اهتمام وسائل الإعلام باستثمار هذا الفلكلور مع احترام كامل قيَّمه، ومراعاته لخصوصيته، فعلى سبيل المثال فإن «الفلامنكو» الإسباني ورقصته الشهيرة، من أكثر أنواع الرقصات شهرة في العالم، وتم استعمال هذا الفن في الكثير من وسائل الإعلام ليترافق مع بعض العروض أو الفيديو كليبات، إلا أن خصوصية هذا الفن القديم الذي يزيد عمره على 200 سنة لا تراعى دائما، ويدمج مع موضوعات غنائية سطحية، ولا يُقدم كعرض محترف لرقصة فلكلورية.

ولا تقتصر الرقصات الفلكلورية المغيَّبة أو المحرَّفة، على الرقصات الغربية، بل طالت بعض الرقصات العربية القديمة التي يعتقد أن بعضها ينتمي إلى العصر الجاهلي، كرقصة «العرضة النجدية» و»العرضة الحجازية» التي يقول البعض إنها تطور لبعض العادات العربية القديمة في حالة الحرب... واليوم لا نرى هذه الفن إلا ما ندر في حال إجراء إحدى وسائل الإعلام تحقيقا إخباريا عنها، أو في بعض المحافل العامة والاحتفالات والأعراس الجماعية.

في حين حاول بعض المغنين الجدد استثمارها، لكن بدمجها مع رقصات غربية جديدة أخرى، بهدف خلق استعراض راقص لفيديو كليب، تجاري وترويجي بالدرجة الأولى، هدفها استعمال الفلكلور، ليس لإحيائه أو للاعتراف بحقه في الوجود في الواقع المعاصر لهذه الحضارات، بل رغبة في تقديم أي شيء غير مستهلك لم يقدمه الفنان الفلاني، وفيه نوع من القديم الجديد.

وإن كان بعض المراقبين لا ينفون حق البعض في تجديد شيء من الفلكلور، وخصوصا الرقصات الشعبية والتقليدية، لضرورة تطور الحياة واختلاف معاييرها وعاداتها، فإن الفريق ذاته لا يقبل أيضا بتشويه الموروث الثقافي الذي تنتفي عنه فكرة الثقافة والإبداع عند فقده لشخصيته بالكامل، وخضوعه لقاعدة منافية تماما لما بني عليه أصلا.

ولعل المهرجانات الثقافية هي الملجأ الأخير لهذه الطقوس الفنية الإبداعية القديمة التي حملت الكثير عن سير حضارات الأقدمين من مختلف بقاع الدنيا، وتحملت الكثير من تعديات تطور الأنموذج الإعلامي بمختلف أشكاله اليوم.

العدد 2745 - الجمعة 12 مارس 2010م الموافق 26 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً