العدد 574 - الخميس 01 أبريل 2004م الموافق 10 صفر 1425هـ

ملاحظات أخيرة على هامش ملف «الأوقاف»

حذارِ من العودة إلى المربع الأسود

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أتمنى أن أكتب هذا المقال ثم أتوقف نهائيا عن الحديث عن الأوقاف، على أمل أن يكون الملف الآن بأيدٍ أمينة تنقله من مستوى الكتابة الى حيز المتابعة والتنفيذ، بعد ان انتقل إلى منبر الجمعة.

هناك ملاحظات مهمة جدا لابد من طرحها رغبة في إصلاح الوضع وإنقاذ الأوقاف التي تعود إلى 1200 مسجد ومأتم موزعة على أغلب مناطق البحرين.

الملاحظة الأولى: الابتعاد عن التسييس في معالجة هذا الملف. إذا أردنا أن ننقذ الوقف من الأيدي التي عبثت به، فلابد من الاتفاق على ضرورة التعامل معه في إطار شرعي بحت، فالشرع الذي نطالب بتحكيمه في القضية يجب أن يحكم مسيرة الإصلاح فيها بعيدا عن التوجه الفئوي أو المناطقي أو الحزبي.

هذه النقطة تجر بالضرورة إلى النقطة التالية: اننا نعيش في مجتمع متعدد، تتحرك على ساحته تيارات مختلفة، وهذه التيارات موجودة هنا وهناك. وإذا شهد الماضي وجود تفرد من اتجاه معين أو تأثير من السياسة على الأوقاف، فالدرس الذي يجب أن نعيه جيدا هو وضع الأسس الموضوعية الكفيلة بعدم تكرار التجارب الخاطئة. فمن ناحيةٍ ضرورة التركيز على أن تتخذ الإدارة طابعا أهليا، سواء من حيث الادارة أو الانتخاب أو وجود آلية للرقابة. فالأوقاف تاريخيا مؤسسة قائمة على العمل الخيري والتطوع بالمال وغيره قربة إلى الله تعالى بما يخدم الأهداف الدينية البحتة، وآن لها أن تعود إلى الحضن الأهلي بعد طول غربتها في أحضان شتى.

الاصلاح مسئولية الجميع

من هنا لابد أن يكون هناك عزم واضح على ضرورة إدخال التيارات والاتجاهات ذات العلاقة في عملية متابعة الملف وصولا إلى إصلاح الوضع. وذلك ما يوجب وجود عمل تنسيقي على مستوى يترفع عن الصغائر، ولكي لا تتكرر الخلافات التافهة بشأن تعليق صورة فلان أو إنزال صورة علان، أو الخلاف على وقت خروج هذا الموكب قبل ذاك الموكب. وهي مشاحنات دفعت الساحة ثمنها بؤسا وتخلفا وفوضى عامة ولا مسئولة، ما فتح الباب واسعا أمام المتلاعبين الذين عبثوا طويلا بالاموال الشرعية التي أوقفها أصحابها الطيبون للمساجد والحسينيات في مختلف المناطق.

والجميع اليوم أمام ملف شائك ومعقد، يوجب التحلي بروح المسئولية لإنقاذ الوضع المأزوم، وخصوصا إذا ما علمنا مدى ما يمكن أن يعود به الإصلاح على الساحة دينيا ودنيويا، فكريا وثقافيا.

النقطة الأخرى والأهم: ماذا أعددنا للعلاج؟ هناك مطالبة عامة في الصحافة اليوم، وفوق المنابر، وفي خطب الجمعة، تطالب باستقلالية الأوقاف. ولكن، ماذا لو لم تتحقق الاستقلالية التامة لهذه الإدارة؟ هل نتركها بعد ان انكشف المخبوء لتستمر الممارسات التي لا يرضى عنها الله ولا رسوله؟ وإذا تحقق مطلب استقلاليتها، ماذا أعددنا لها من كفاءات إدارية وعلمية؟ وكيف لا نسقط في فخ الإقصاء و«الفئوية» الذي أردنا الخروج منه؟ فلابد من الانفتاح على الأطراف المختلفة إذا أردنا ان نصل بهذا الملف إلى بر الأمن والإصلاح.

لابديل عن التصحيح

ونحن اليوم نعيش مرحلة فاصلة، فالأوقاف لم تعد تلك البقرة الحلوب يستدرون حليبها ولبنها، ويأكلون جبنها وقشدتها، والناس نيام. لقد أصبحت الأوقاف اليوم هما عاما، ومشكلة يتحدث عنها الجميع في المجالس. المطلوب ان تتحول إلى مؤسسة أهلية يحكمها القانون، تسودها الشفافية، يكون مرجعيتها العلماء المؤتمنون على مصالح الناس الدينية، وتقوم على إدارتها كفاءات مخلصة تحظى بثقة الجمهور. هذه هي المشكلة، وهذه هي المحاذر، ولم يبق غير العمل.

في الماضي تعذر البعض بهذه الحجة أو تلك، ولكن لا حجة اليوم للساكتين على ما جرى ويجري في الأوقاف، وبالذات السادة العلماء الذين وصل إليهم الملف. فقد طرحت الصحافة المسئولة كل ما لديها تقريبا، وبدأت المنابر تعبر عن رأيها وضميرها الحر. فالأوقاف شأن اجتماعي عام، لا بديل عن الوصول به إلى بر التصحيح، وإلا فالسكوت عنه نكسة كبرى، تنذرنا بعودة الاوقاف مرة اخرى إلى المربع «الأسود»

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 574 - الخميس 01 أبريل 2004م الموافق 10 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً