العدد 575 - الجمعة 02 أبريل 2004م الموافق 11 صفر 1425هـ

أسئلة سبتمبر

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حتى الآن لم تكشف الإدارة الأميركية كل الأوراق المتعلقة بأسرار هجمات 11 سبتمبر/ أيلول. فالإدارة تعتبر أن كشف الأسرار المتعلقة بالهجمات يمس الأمن القومي ويهدد صدقية الولايات المتحدة داخليا وأمام العالم.

هذا التحفظ الغريب عزز الشكوك بوجود «خفايا» و«خبايا» تزيد من حظوظ نظرية المؤامرة التي قال بها الكثير من المفكرين والاستراتيجيين. كذلك رفع التحفظ درجة الفرضيات بوجود طرف داخلي فتح الباب لتلك الهجمات حتى يستفيد من نتائجها ويستخدمها لتمرير خطة كبرى قبل توصل الأطراف المعنية إلى كشف الحقائق المتعلقة بغرائب ذاك اليوم الاستثنائي في تاريخ أميركا.

حتى الآن ترفض الإدارة كشف كل الملفات المتعلقة بالتحقيقات التي تمت بعد وقوع الهجمات. وحين اضطر الرئيس جورج بوش قبل أكثر من سنة إلى تشكيل لجنة للتحقيق برئاسة وزير الخارجية السابق و«الجمهوري» المتطرف هنري كيسنجر، وعُيّن جورج ميتشل (الدبلوماسي المحنك في عهد بيل كلينتون) اضطرت اللجنة إلى الاستقالة بعد مرور أسابيع على تشكيلها بسبب تعنت المسئولين ورفضهم الافصاح عن المعلومات وتقديم الملفات والإجابة عن الأسئلة.

طوي ملف التحقيقات بعد استقالة اللجنة وشنت الإدارة حربها على العراق بالضد من مجلس الأمن وعلى خلاف مع ثلاثة أرباع العالم.

الآن وبعد أن حصل ما حصل عادت قصة سبتمبر للظهور مجددا بعد سلسلة ضغوط مارستها الصحافة المحلية مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية. ولاشك في أن الحزب الديمقراطي المنافس للجمهوري يعتبر ملف التحقيقات ورقة رابحة في يده أو على الأقل تشكل ضغطا نفسيا على الرئيس بوش من خلال الإيحاء بوجود أسرار خطيرة وأدوات محلية لعبت دورا في تسهيل أو غض النظر عن احتمال حصول هجمات.

نجحت ضغوط جمهور الحزب الديمقراطي وتصريحات منافس بوش على الرئاسة في حمل الإدارة الأميركية على التراجع والموافقة على فتح تحقيقات في المسألة أمام الكونغرس. وكان من شروط التحقيق أن تكون الجلسات علنية وتحت القَسَم. وجاءت الشهادات في معظمها لتؤكد الشكوك وتثير أسئلة تحتمل شبهات عن أطراف محددة كان لها دورها في تحوير التحقيقات ودفعها باتجاه اتهام جهات عربية ومسلمة في الموضوع لتبرير الحروب.

كانت هناك سلسلة مفارقات أدهشت الكثير من المتابعين وخصوصا تلك الشهادات التي أدلى بها أقرب المقربين من بوش (ريتشارد كلارك) في فترة الأزمة. هذه الشهادات فتحت الأبواب على أسئلة جديدة الأمر الذي أحرج بوش فاضطر إلى الاستنجاد بمسئولة الأمن القومي (كونداليزا رايس) للرد عليها. المفاجأة كانت أن الرد لم يكن مقنعا أو قويا فاضطرت لجنة التحقيق في الكونغرس إلى استدعاء رايس للادلاء بشهادتها علنيا وتحت القسم... فرفضت.

رفض رايس عزز من جديد الشكوك فاضطرت اللجنة إلى الموافقة على الادلاء بشهادتها أمام هيئة سرية تعقد جلساتها في «البيت الأبيض» ومن دون الخضوع للتجربة أو تحت القسم.

حتى الآن لم تتضح معالم الصورة. ومطلوب من الناخب الأميركي والعالم وكل القوى المتضررة والمستفيدة الانتظار حتى تسمح إدارة «البيت الأبيض» بالكشف عن بعض الجوانب المظلمة من هذا الحدث المخيف. فالحدث مخيف في أسلوب تنفيذه وكذلك في النتائج التي أسفر عنها. والأخطر هي النتائج التي أدت إلى تداعيات مرعبة في العلاقات الدولية وانقسامات في منظومة مجلس الأمن واحتلال أفغانستان وغزو العراق وتدمير دولته وتهديد المجتمع بالمزيد من التفكك الأهلي والتصادم بين مجموعاته... والحبل لايزال في بداياته.

استغلت إدارة بوش هجمات سبتمبر لتنفيذ سلسلة إجراءات أمنية في الداخل الأميركي وكذلك استفادت منها لتأسيس مرحلة هجوم حددت إطارها من غرب الهند إلى شرق المغرب، وأعلنت أنها تهدف إلى مكافحة الارهاب تحت مسميات حربية من نوع «الحروب الدائمة» و«الضربات الاستباقية» و«إعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط» وغيرها من مسميات لتخويف الأنظمة والأطراف المعنية.

حتى الآن لم تكشف كل الأوراق لأن بوش بحاجة إلى مزيد من الوقت لاستكمال ما تبقى من استراتيجيته الكبرى. وتنفيذ ما تبقى يتطلب من الناخب الأميركي تجديد ثقته بالرئيس مرة ثانية.

المسألة حساسة إذا والانتخابات الرئاسية دفعت بوش إلى تجميد بعض خطواته الهجومية عسكريا وإبقاء وقود الهجوم السياسي على نار حامية أحيانا وغاضبة أحيانا.

وبانتظار التوصل إلى الإجابات عن أسئلة سبتمبر: من الجهات المنفذة؟ من الجهات الفاعلة؟ من الجهات المستفيدة؟ ومن الجهات المتضررة؟ لابد من الانتظار إلى اللحظة التي تقرر فيها الإدارة إعلان للحقيقة المُرّة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 575 - الجمعة 02 أبريل 2004م الموافق 11 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً